منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، شهد السودان تطوراتٍ متسارعةً على مختلف الجبهات، سواءً السياسية أو الإنسانية أو الأمنية. وتبرز في مقدمة هذه التطورات مساعٍ دوليةٌ وإقليميةٌ حثيثةٌ لوقف الحرب وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، بالتزامن مع جهود داخلية تسعى لبلورة حلول سياسية توافقية.
وآخر هذه الجهود كانت إفريقية خالصة، إذا عقد مجلس الأمن الإفريقي اجتماعاً بالعاصمة الأوغندية (كمبالا) في 22 يونيو الماضي، كلف بموجبه الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، بترتيب لقاء بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وأسند للآلية رفيعة المستوى مهمات الاجتماع التحضيري للحوار السوداني.
وعلى الصعيد والتحركات المحمومة ذاتها، عقدت مصر مؤتمراً بالقاهرة للقوى المدنية السودانية في السادس من يوليو الجاري، كما زار الرئيس الإثيوبي آبي أحمد السودان وسبقه نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يُطرح السؤال الجوهري: هل يمكن للحراك الحالي، بكل مكوناته، أن يوقف الحرب ويُفضي إلى سلام عادل ودائم في السودان؟
اجتماعات جنيف
الاجتماع في جنيف لا يعني أن الطريق أصبح معبداً للوصول إلى اتفاق، فقد أثار الجانبان عدداً من الاعتراضات، ووفق تقرير لموقع قناة الحرة، تواجه المفاوضات غير المباشرة التي تقودها الأمم المتحدة بين وفد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في جنيف، مصاعب ربما تضعها أمام شبح الانهيار سريعاً، وفق مراقبين.
كانت الأمم المتحدة أكدت أن المحادثات جاءت بناء على دعوة من مبعوثها إلى السودان، رمطان لعمامرة، مشيرة إلى أن الأطراف ستتفاوض عبر لعمامرة بدلاً من الاجتماع وجهاً لوجه. وأجرى لعمامرة مباحثاتٍ أوليةً مع وفد قوات الدعم السريع، بينما تعذر قيام اللقاء الذي كان من المخطط أن يجمعه مع وفد الجيش السوداني.
المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قال إنه تمت دعوة الوفدين لبدء مناقشات مع المبعوث الشخصي، مضيفاً: "للأسف أحد الوفدين لم يحضر الجلسة المقررة"، في حين اجتمع المبعوث الشخصي وفريقه مع الوفد الآخر وفق ما كان مقرراً. ووفق دوجاريك، دعا لعمامرة الوفدين إلى مواصلة النقاش المقرر على مدى بضعة أيام.
وقبل انطلاق المحادثات، رحب أعضاء مجلس الأمن الدولي، في بيان صحافي بجهود لعمامرة، وأعربوا عن "قلقهم البالغ" بشأن الوضع الإنساني الصعب وانعدام الأمن الغذائي الحاد في السودان، واستمرار انتهاكات القانون الدولي والأثر الفادح الذي يخلفه الصراع الحالي على المدنيين، ومن بينهم النساء والأطفال.
ودعا الأعضاءُ الطرفين إلى استغلال فرصة المحادثات للاتفاق على خطوات لتنفيذ تلك الأهداف بشكل عاجل، والعمل باتجاه الإنهاء المستدام للأزمة في السودان. كما دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي الطرفين إلى الاتفاق على مزيد من الخطوات للسماح وتيسير الوصول الإنساني الآمن دون عوائق إلى السودان وفي أنحائه.
حديث عن مفاوضات
في المقابل جرى حديث في الساحة السياسية السودانية بناء على أنباء تم تداولها عن تحركات لعدد من قيادات الحركة الإسلامية في اتجاه عقد مفاوضات سرية بين قوات الدعم السريع والحركة الإسلامية، الأمر الذي نفاه عضو وفد التفاوض بقوات الدعم السريع، المستشار محمد مختار الضاوي، حيث قال -في تغريدة على حسابه في منصة إكس- "إن من يطلقون شائعات التفاوض مع الحركة الإسلامية عليهم أن يتحسسوا رؤوسهم، فنحن لا نتفاوض مع سرطان بل نقوم ببتره ليسلم جسد الوطن، والحركة الإسلامية تنظيم إرهابي دمر السودان وقتل شعبه ونهب ثروات البلاد وأشعل هذه الحرب، وسنريح منه الشعب السوداني إلى الأبد".
ومع ذلك ما زال الحديث عن التفاوض بين الطرفين ماثلاً، خاصة بعد التصريحات التي أدلت بها وزيرة الدولة بوزارة الخارجية في عهد البشير، سناء حمد، لقناة الجزيرة، والتغريدة التي غرد بها المستشار السابق لقائد الدعم السريع على منصة "X"، والتي تسببت في إقالته رغم توضيحه أنه يرفض أي تقارب مع الإسلاميين في السودان.
اصطفاف القاهرة
سعى المؤتمر الذي دعت له القاهرة عدداً من الفرقاء السودانيين في السادس من يوليو الجاري للالتقاء ومناقشة ملف وقف الحرب في السودان، خاصة أنه ضم ممثلين من دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية، وهدف إلى توحيد المواقف العربية والدولية تجاه الأزمة السودانية، وتأكيد ضرورة وقف الحرب فوراً، ودعم الجهود السلمية.
ولكن رغم كل الجهود التي بذلتها مصر في سبيل إقناع السودانيين بالتوافق، فإن الأطراف السودانية فشلت، كما كان متوقعاً، في التوصل لاتفاق يوحد مواقفها لمعالجة الأزمة؛ نتيجة للخلافات التي برزت برفض بعض القوى السياسية التوقيع على البيان الختامي، تحديداً حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا، (الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، حركة العدل المساواة بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور).
آبي أحمد والخريجي في بورتسودان
جاءت زيارة آبي أحمد في أعقاب التصريحات التي أدلى بها في البرلمان الإثيوبي الأسبوع الماضي، والتي أكد خلالها حياد بلاده إزاء الحرب، وعدم دعم أي طرف في الصراع السوداني، وأن موقفهم يتمثل في مساندة جلب طرفي الصراع إلى طاولة الحوار والسلام وإنهاء الحرب. كما أنها تأتي في إطار التنافس الإقليمي بين مصر وإثيوبيا على النفوذ في السودان، وتهدف إلى بحث الملفات الأمنية المشتركة، ودعم مساعي وقف الحرب.
وقال الصحفي والباحث في الشأن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس لراديو دبنقا: إن الزيارة ترتبط بشكل رئيسي بالملفات الأمنية داخل إثيوبيا وفي السودان، كما أنها تأتي في إطار التنافس بين مصر وإثيوبيا حول الملف السوداني، فالحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع تقترب مسافة 150 كيلومتراً من الحدود الإثيوبية بعد تمدد قوات الدعم السريع باتجاه محور الدندر في ولاية سنار.
من الواضح أيضاً أن آبي أحمد حمل عدة رسائل من القادة الأفارقة لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وزيارته لا تنفصل عن اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي، وبحسب مراقبين فإنه زار بورتسودان إنابة عن الرئيس الأوغندي موسيفيني الذي لم يُشهد له حراك خارجي في الفترة الماضية. كذلك فإن الزيارة هدفت لتليين موقف البرهان إزاء لقاء غريمه حميدتي، والاتحاد الإفريقي قصد منها إعطاءه شرعية رمزية حتى يبث تطمينات لحكومته بضرورة الجنوح نحو السلام حسب خطة مجلس الأمن والسلم والآلية رفيعة المستوى.
زيارة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي جاءت في إطار المحاولات التي تقودها المملكة لإقناع الطرفين بالعودة إلى منبر جدة. هذه الجهود الإقليمية تجد دعماً دولياً منقطع النظير عبر عنه سفراء الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأمريكي لدى اجتماعهم بممثلي الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا قبل أسبوعين.
مجلس الأمن والسلم الإفريقي
تركز مبادرة المجلس على وقف القتال كأولوية قصوى، وتشكيل لجنة للتفاوض بين طرفي الصراع (البرهان وحميدتي) لوقف إطلاق النار دون شروط. رئيس مجلس الأمن والسلم الإفريقي من خلال كلمته التي قدمها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التحضيري للاتحاد الإفريقي للحوار السوداني الذي ينظمه الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية هذه الأيام، وصف الوضع في السودان بأنه كارثة إنسانية، مؤكداً أن الاجتماع الأخير للمجلس على مستوى الرؤساء توافق على تعامل مجلس السلم والأمن الإفريقي مع هذه الرسالة بوقف القتال كأولوية قصوى، ونوه إلى تكوين لجنة مخصصة برؤساء الحكومات للتعامل مع طرفي النزاع (البرهان وحميدتي) للوقف الفوري للقتال دون شروط، وسوف تبدأ العمل الأسبوع القادم.
في السياق ذاته اعتذرت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" عن المشاركة في الحوار السوداني الشامل التي يُنظمه الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الفترة من العاشر حتى الخامس عشر من يوليو الجاري، كما اعتذرت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، واعتذر أيضاً الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث (الأصل) عن المشاركة في اجتماع الحوار السوداني، في الوقت الذي أصدر فيه تحالف القوى المدنية لشرق السودان بياناً ممهوراً بتوقيع الناطق الرسمي صالح عمار يدعو فيه الاتحاد الإفريقي لتأجيل الاجتماع، من أجل مزيد من التشاور وضمان حضور كل القوى المدنية الفاعلة والحركات السياسية المسلحة والتي طرحت نقاطاً وأفكاراً تستحق النقاش والتداول.
تحديات وعقبات في طريق الحل
وفقاً لما تقدم، فإن الأمور في السودان يمكن أن تمضي في اتجاه الأزمة التي يصعب علاجها دون تدخل دولي مباشر والشواهد على ذلك كثيرة وأولها: إعلان عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، أمام قواته في مدينة عطبرة أول أمس، استمرار العمليات العسكرية ورفضه أي دعوات للتفاوض أو الحوار، فهذا الحديث إذا لم يكن صادراً بغرض رفع الروح المعنوية وضمن مهمات التوجيه المعنوي من القائد لقواته المقاتلة في الميدان، فإنه قد يُشكل عقبة كبيرة أمام كل هذه الجهود التي تبذل في سبيل وقف الحرب.
كذلك تشكل الانقسامات السياسية العميقة بين مختلف القوى السياسية التي تعاني منها الساحة السودانية، حجرة عثرة يَعُوق التوصل إلى توافق وطني حول حلول الأزمة، وتؤدي المصالح الإقليمية لبعض الدول دوراً سلبياً في تأجيج الصراع. ويأتي تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان وزيادة أعداد النازحين واللاجئين الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء والرعاية الصحية ليشكل ضغطاً هائلاً على جميع الأطراف.