يبدو أن حركة الشباب الصومالية أصبحت تعاني مأزقاً حقيقياً يهدد وجودها، وسط العمليات المشتركة الجارية عبر الحدود الكينية الصومالية، حيث تقوم قوات الدفاع الكينية مع قوات محلية تشكلت من قبائل الشمال الشرقي، بالإضافة إلى فرقة أمريكية، بقصف الخلايا الإرهابية للحركة، التي تسببت في مضايقات للعاصمة الكينية نيروبي خلال السنوات القليلة الماضية، (Africa Press: 11 July 2023). تلك العمليات التي تزامنت مع العملية الصومالية ضد خلايا الحركة في إقليم جوبا السفلي جنوب الصومال، بأوامر من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بهدف القضاء على الحركة بشكل نهائي، (الصومال اليوم: 11 يوليو 2023).
والواقع أن الوجود القوي للحركة داخل كينيا يعكس التاريخ المضطرب للمنطقة، منذ أن مارست الحكومة البريطانية والقادة القوميون الكينيون جهودهم القاسية بشأن مطالب السكان الصوماليين في كينيا بالسماح لهم بالانضمام إلى الصومال عند الاستقلال في عام 1963، فأصبحت العلاقة بين هؤلاء السكان والدولة مشحونة لعشرات السنين، (Open Democracy: 24 October 2011).
دفع ذلك بعض الكينيين من أصول صومالية إلى الانخراط في صفوف الحركة، فاضطرت كينيا إلى التعاون مع الحكومة الصومالية في عام 2010 في حربها ضد الحركة التي أعلنت بدورها الجهاد ضد نيروبي، مما أدى إلى بدء العملية المشتركة "ليندا نتشي" (حماية الأمة) في أكتوبر 2011، تلك العملية التي دفعت قوات الدفاع الكينية إلى دخول جنوب الصومال، واستمرت حتى مارس 2012، بعد أن تقرر ضم القوات الكينية هناك إلى بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، (راجع: سيث جونز، إستراتيجية مكافحة الإرهاب والتمرد في الصومال، كاليفورنيا 2016).
توابع التدخل الكيني
مهد تدخل كينيا لعداء كبير تفجر بينها وبين حركة الشباب التي تعهدت بالانتقام، ونفذت هجماتها الإرهابية في قلب كينيا، وساعدها على ذلك وجود عدد كبير من الشباب الكيني من أصول صومالية في الحركة بمقدار 10٪ من إجمالي قواتها. وهم الذين قادوا الهجمات داخل كينيا، ومن أشهرها استهداف حافلة نقل جماعي في إيستلي خلال عام 2012، مما أدى إلى إثارة الشارع الكيني واندفاع الناس لنهب وتدمير منازل ومتاجر الصوماليين في العاصمة نيروبي، (RFI: 21 Nov. 2023). ولتهدئة الجماهير انقضت قوات الدفاع الكينية في 20 نوفمبر 2012 على المناطق التي يقطنها الصوماليون، الأمر الذي دعا أصحابها إلى القيام بنزوح جماعي في عام 2013، فضلاً عن سحب رجال الأعمال الصوماليين أموالهم من البنوك الكينية، مما تسبب في ضرر كبير للاقتصاد الكيني آنذاك، (All Africa: 9 Jan. 2013).
كما واجه الصوماليون الذين قرروا البقاء في كينيا التمييز والمضايقات، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والابتزاز والترحيل القسري. وكان عليهم تحمل ممارسات مؤسسات الدولة الرسمية، والشبكات العشائرية، ووكالات اللاجئين، (African Studies Review: Cambridge, 12 March 2020). كما تعرضوا للتهميش والعنف من قبل الشعب الكيني نفسه والتمييز والعنف من قبل الدولة والجماعات الأخرى، (Open Democracy: 24 October 2011). وقد تسبب كل هذا في تشديد حركة الشباب هجماتها على كينيا بشكل هدد استقرار منطقة شرق إفريقيا كلها.
أبرز هجمات الحركة الإرهابية
نفذت حركة الشباب عدة هجمات في كينيا خلال السنوات القليلة الماضية، استهدفت المدنيين وقوات الأمن والعاملين الإنسانيين والأجانب وحراس الحدود. ومن أهمها هجوم مركز ويستغيت للتسوق في نيروبي في 2013، الذي قتل خلاله 67 شخصاً، وأصيب أكثر من 200، بعد استمرار إطلاق النار على المتسوقين والعاملين لمدة أربعة أيام، (France24: 10 Feb. 2021). كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك "بان كي مون" في 23 نوفمبر 2014 هجوماً إرهابياً استهدف حافلة للركاب في شمال كينيا تسبب في مقتل 28 شخصاً، (وكالة الأنباء الليبية: 23 نوفمبر 2014).
كذلك اهتزت الأوساط العلمية بعد تنفيذ الحركة هجوماً على حرم جامعة غاريسا، شمال شرق كينيا، في 2015، أسفر عن قتل 148 طالباً وأستاذاً، وإصابة أكثر من 70 آخرين، (Swiss Info: 4 April 2015). وفي عام 2019، قتل 21 شخصاً وأصيب أكثر من 30 عندما فجر انتحاري نفسه في باحة فندق دوسيت في نيروبي، ثم اقتحم مسلحون من حركة الشباب المبانيَ المجاورة وأطلقوا النار على المدنيين لمدة 18 ساعة قبل أن تقضي القوات الأمنية عليهم، (BBC: 16 Jan. 2019).
والملاحظ أنه مع بداية عام 2023 أخذت وتيرة الهجمات تتصاعد، ويذكر الباحث في الشؤون الإفريقية محمد الفقي أن العمليات المسجلة في كينيا هذا العام فقط بلغت حتى الآن نحو 51 عملية، وفقاً لرصده للعمليات المنسوبة للحركة عبر وكالة شهادة الموالية لها، (محمد الفقي، الحائط العربي: 19 يونيو 2023). ومن أبرز تلك العمليات الهجوم على قاعدة عسكرية كينية في لامو في يناير 2023، والذي قتل خلاله 12 جندياً كينياً، وأصيب 15 آخرون، واستولى المهاجمون على أسلحة وذخائر ومركبات من القاعدة قبل أن ينسحبوا. أيضاً الهجوم على حافلة ركاب في مانديرا في فبراير 2023، ما أسفر عن قتل 10 مدنيين، وإصابة 20 آخرين، بعد أن فجر انتحاري نفسه داخل الحافلة، وأعلنت الحركة مسؤوليتها وقالت إن الهجوم انتقام لمقتل زعيمها أحمد عمر "أبو عبيدة" في غارة جوية أمريكية في ديسمبر 2022، (صحيفة الصومال الجديد: 14 يونيو 2023). ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، قتل مسلحو الحركة خمسة أشخاص في قرية حدودية كينية يوم السبت 26 يونيو الماضي، ورفع هذا الهجوم حصيلة القتلى خلال الشهر الماضي فقط إلى أكثر من 30 شخصاً بينهم جنود وشرطة احتياط ومدنيون، (Washington Post: 26 June 2023).
وبسبب كثرة الهجمات أجلت كينيا إعادة فتح حدودها مع الصومال، بعد أن تم الاتفاق في مايو الماضي على إعادة فتح عدة نقاط حدودية في غضون 90 يوماً، والتي كانت مغلقة منذ 2011. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء كانت ترغب فيه الحركة، فإن العديد من الأشخاص قتلهم على طول حدود البلدين خلال الشهر الماضي، (US News: 5 July 2023).
وللوقوف على عمق الأزمة، فوفقاً لآخر تقرير لمشروع ACLED الذي يتتبع العنف السياسي وآثار الاحتجاجات، فإنه سُجل أكثر من 180 حادث عنف سياسي وأكثر من 420 حالة قتل تم الإبلاغ عنها في الفترة من 18 مارس إلى 14 إبريل 2023 فقط. تركزت معظمها في منطقة بنادير، حيث شنت حركة الشباب هجمات استهداف قوات الأمن الصومالية والمدنيين وقوات الاحتياط. كما أعلنت مسؤوليتها عن عدة هجمات في مناطق أخرى، مثل التفجير الانتحاري في فندق في غالكايو الذي أسفر عن مقتل 15 شخصاً في 21 مارس الماضي، ونصب كمين لقافلة عسكرية كينية بالقرب من دوبلي أسفر عن مقتل 12 جندياً في إبريل الماضي، (ACLE Data: 21 April 2023).
وتدل هذه الهجمات على أن حركة الشباب لا تزال تشكل تهديداً خطِراً على أمن واستقرار كل من الصومال وكينيا ومنطقة شرق إفريقيا كلها، على الرغم من محاولات الحكومة الصومالية وحلفائها الإقليميين والدوليين مواجهة تمردها بالعمليات العسكرية والحوار السياسي، لكن المجموعة أثبتت مرونتها وقابليتها للتكيف وأصبحت تطور نفسها كل لحظة، بما يهدد بإطالة أمد الصراع.
دوافع تكثيف الحركة عملياتها في كينيا
تضافرت عدة عوامل يمكنها أن تضعنا أمام أسباب عداء الحركة الشديد لكينيا، تتمثل في دعم نيروبي حكومة الصومال والإدارات الإقليمية المعارضة للشباب، مثل جوبالاند وصوماليلاند، مما أثار غضب الحركة التي اتهمت كينيا بالتدخل في شؤون الصومال الداخلية وانتهاك سيادتها. كما أن الحركة ترى نفسها صاحبة الدولة، ولذلك فالنزاعات التاريخية بين الصومال وكينيا تركت صداها في التعامل مع نيروبي، مثل الخلاف الصومالي الكيني على الحدود البحرية في منطقة غنية بالنفط في المحيط الهندي، بالإضافة إلى المنافسة على الموارد والأسواق في الجنوب الصومالي، (DW: 20 May 2021).
وفي اعتقادنا أن حركة الشباب تواجه ضغوطاً داخلية منذ مايو 2022، بعد إطلاق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود حرباً شاملة ضدها، بحشد العشائر وطلب الدعم الإقليمي والدولي، فضلاً عن الاتجاه للتضييق التمويلي على الحركة بتجميد حسابات بعض المرتبطين بها والمشتبه بهم في نشاطات تمويلية. بالإضافة إلى ذلك يرى الباحث محمد الفقي أن الحركة فقدت مواقع كانت تسيطر عليها في وسط الصومال، وبالتالي تسعى إلى تصدير تبعات المأزق الميداني باتجاه كينيا، وتوجيه رسالة تحذير إلى نيروبي التي اتفقت مع إثيوبيا وجيبوتي على إرسال قوات في شهر مارس الماضي إلى الصومال لمواجهة الحركة والقضاء عليها. كل ذلك يسهم في دعم آلتها الدعائية بعد تراجع العمليات الإرهابية في وسط الصومال، وإظهار عدم تأثر القدرات العملياتية للحركة رغم الضغوط التي تواجهها ميدانياً في الصومال، وأن لديها إمكانية فتح جبهة جديدة عابرة للحدود في كينيا بتوجيهات القيادة العليا في تنظيم القاعدة، (محمد الفقي، الحائط العربي: 19 يونيو 2023). بالإضافة إلى تلك الدوافع، نرجح أن كثافة عمليات الحركة في كينيا ربما تهدف إلى الضغط عليها كي تسحب قواتها من بعثات حفظ السلام في الصومال، وبذلك تقلل الدعم الأمريكي والأممي لنيروبي، الذي يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الحركة.
تحليل موقف
إن الأمر بالنسبة لكينيا جد خطِر، سواء على الصعيد الإنساني أو السياسي والاقتصادي، فهي تستضيف أكثر من 400 ألف لاجئ، حسب تقديرات "هيومان رايتس ووتش"، معظمهم من الصومال وجنوب السودان والهاربين من بطش الإرهاب في وسط إفريقيا، وبسبب كثافة عمليات حركة الشباب أمرت الدولة بإغلاق كل من مخيمي داداب وكاكوما للاجئين بحلول يونيو 2022، على الرغم من الظروف غير الآمنة في بلدان هؤلاء اللاجئين، (HRW: World Report 2022)، ولذلك فإن مواجهة الحركة والقضاء عليها ستعيد كينيا ملجأ آمناً للاجئي دول الجوار.
في ضوء ذلك، يمكن فهم حركة الشباب على أنها مشكلة كينية بالإضافة إلى كونها مشكلة صومالية، ولكن يمكننا القول إن انعدام الأمن داخل حدود كينيا ناتج في الأساس عن أوجه قصور واضحة في الدولة الكينية نفسها، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي في جارتها. ومن الواضح أن قدرة الدولة على فرض السلطة أصغر بكثير من الحدود المرسومة على الخريطة، حيث كان انعدام الأمن مستوطناً في أطراف كينيا منذ عقود. والأغلب في هذه البقعة المضطربة التي تنتشر فيها الجماعات المسلحة، أن يكون وجود الدولة غير مرئي، وأعداد الشرطة غير كافية، والأسلحة في متناول الجميع، وقد تؤدي هذه المعادلة في أوقات الأزمات السياسية إلى إراقة الدماء، فضلاً عن السماح بتدخل حركات التمرد، كالشباب وغيرها.
ومن ناحية أخرى، تواجه الصومال أيضاً أزمة إنسانية مدمرة، حيث يواجه ما يقرب من نصف سكانها انعدام الأمن الغذائي. وبحسب "تقرير مركز بروكنجز لعام 2023"، فمن المتوقع أن يعاني 300 ألف من المجاعة هذا العام. وقد نزح أكثر من مليون صومالي داخلياً بسبب نقص الغذاء والماء، ويسعون إلى الانتقال إلى مناطق يمكنهم فيها الوصول إلى الإمدادات الإنسانية الدولية، وقد يمرون من المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب، ويتم استهدافهم واستغلالهم، فتكون كينيا وجهة لجوء مثالية، وبذلك فإن نشاط الحركة يمثل ضغطاً كبيراً على نيروبي ويزيد مسؤوليتها الإنسانية، ويضغط على اقتصادها، وقد يفرض ذلك تحدياً أمنياً كبيراً ربما ستشهده كينيا خلال الأشهر المقبلة.