مقالات تحليلية

الأزمة السنغالية.. تزامن ملفت مع موجة الانقلابات الأفريقية

19-Feb-2024

في السادس عشر من فبراير الجاري أعلن الرئيس السنغالي ماكي سال في بيان أن الانتخابات ستُجرى في "أقرب وقت". يأتي ذلك بعد أن أبطل المجلس الدستوري قبلها بيوم القرار الذي اتخذه سال مطلع الشهر الحالي والذي يقضي بتأجيل هذا الاستحقاق الذي كان مقررا نهاية فبراير.

ورغم أن السنغال مثال يحتذى به في التحول الديمقراطي في غرب إفريقيا، فإنها تواجه أزمة سياسية نتيجة تأجيل الرئيس سال الانتخابات الرئاسية قبل موعد إجرائها بعشرين يوماً، وهو ما تسبب في اندلاع احتجاجات من قبل المعارضة والشارع السنغالي، أسفرت عن مواجهات مع الشرطة وقيام الأخيرة باعتقالات لنواب المعارضة.

جاءت هذه الأزمة بالتزامن مع موجة الانقلابات العسكرية في منطقتي غرب إفريقيا والساحل الإفريقي، وهو ما يثير كثيراً من الشك حول إقبال الرئيس سال على هذه الخطوة، خاصة حول دعوته إلى الحوار الوطني الشامل وهو ما اعتادت عليه الدول التي شهدت انقلابات عسكرية مؤخراً، قبل تلك الانقلابات. وقد تجاوب عدد من الأطراف الإقليمية والدولية مع هذه الأزمة مطالبة الرئيس بالعدول عن هذه الخطوة وتحديد موعد سريع للانتخابات، وهو ما يثير التساؤل حول إمكانية نجاح هذه الأطراف في تهدئة الأزمة وإلغاء قرار تأجيل الانتخابات.

تطورات الأزمة 

 وفقاً لـ"قراءات إفريقية" و"الميادين"، فإن الجذور الأساسية للأزمة السياسية في السنغال تعود إلى نتائج التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها عام 2016 في الولاية الأولى لماكي سال، والتي أدت إلى تقليص الولاية الرئاسية إلى ولايتين فقط، ورغم ذلك فقد أعلن سال رغبته في الترشح لولاية ثالثة في 2021، فردت المعارضة بالنزول للشارع وعلى رأسها حزب "باستيف" بزعامة المعارض عثمان سونكو، ورغم دخول السنغال حينها في مظاهرات عنيفة فإن المشيخة الصوفية وهيئات العلماء قاموا بالوساطة بين الرئيس والمعارضة، وأعلن سال تخليه عن طموحه في ولاية ثالثة. (قراءات إفريقية، 7 أبريل 2021، الميادين، يوليو 2023).

وتشير "دويتشه فيلا" إلى أن الأزمة تجددت عقب إصدار المجلس الدستوري السنغالي القائمة النهائية التي ضمت عشرين مرشحاً رئاسياً وجاءت خالية من المرشح كريم واد زعيم الحزب الديمقراطي بحجة انتمائه لجنسية أخرى، رغم ضم القائمة لمرشحة مزدوجة الجنسية وهي زور ورديني. وأضافت دويتش فيله أن الحزب الديمقراطي السنغالي قام بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع عضوين في المجلس الدستوري لاتهامها بأخذ رشوة لإبعاد كريم واد، وطالبت الكتلة البرلمانية المحسوبة على كريم واد بتشكيل لجنة تحقيق وتأجيل الانتخابات الرئاسية لكن رئاسة المجلس رفضت ذلك. (دويتشه فيلا ، 7 فبراير).

وتطورت الأزمة بإصدار الرئيس سال مرسوماً رئاسياً لتأجيل الانتخابات في 3 فبراير، وتلا ذلك إصدار الجمعية الوطنية في السنغال قراراً بتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، حيث وافق 105 نواب في البرلمان المؤلف من 165 مقعداً على مشروع قانون التأجيل بعد أن فضّت قوات الأمن محاولة مجموعة من أعضاء المعارضة وقف التصويت، وفرقت احتجاجات صغيرة في الخارج بالغاز المسيل للدموع. (ذا غارديان، 10 فبراير 2024).

حسابات أطراف الأزمة 

تتدخل في الأزمة السياسية في السنغال عدد من الأطراف، أبرزها: 

1- الأطراف الداخلية:

تتمثل في الحزب الحاكم برئاسة ماكي سال، وبعد الأزمة أعلن سال أنه لن يترشح للرئاسة، وأن تأجيل الانتخابات ضروري نظراً إلى الخلاف القائم حول قائمة المرشحين وحول وجود فساد في الهيئة الدستورية في تعاملها مع القائمة، داعياً إلى حوار وطني شامل مع المعارضة. وفي هذا الصدد، أشار المحلل السياسي السنغالي تيرنو بشير لفرانس 24" أن تبريرات سال تعد محاولة لتسوية الخلاف بين المجلس الدستوري والسلطة البرلمانية، لكن كان الباب مفتوحاً له دون أن يقوم بإلغاء الانتخابات، فهذا القرار قد ألغى جميع العملية الانتقالية. 

ويرى ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، أن سبب اتخاذ سال هذا القرار يكمن في خشيته من بروز قوة حزب باستيف ومرشحه، لاسيما أن لديه نسبة كبيرة مؤيدة من الشباب الرافضين للنخبة السياسية وإدارتها الشأن العام في السنغال، ورفض هؤلاء الشباب كل الأنظمة الإفريقية الموالية لفرنسا والدول الغربية ونظام الرئيس سال من بينها، فهو حليف رئيسي لفرنسا، وأضاف أن ذلك أربك سال الذي يرغب في تمديد ولايته بنفسه خوفاً من عدم إمكانية نجاح مرشحه أمادو با؛ ولذلك استغل أزمة حزب كريم واد لتأجيل الانتخابات. 

أما المعارضة، فقد أفادت -وفقاً لسكاي نيوز عربية- بأن البلاد احتُجزت "رهينة" ونددت بالخطوة بوصفها "انقلاباً دستورياً". ويشير محللون إلى أن المعارضة رأت أن الحكومة تتبع سياسات إقصائية تجاهها عقب استبعاد سونكو زعيم المعارضة وكريم واد من القائمة، فقد أشار تقرير لرويترز، إلى أنه رغم مطالبة الأخير بتأجيل الانتخابات لإتاحة الفرصة لإجراء تحقيق يعيد ترشحه، فإن حزب سونكو "باستيف" انتقد تأجيل الانتخابات واصفاً إياه بأنه تهديد خطِر للديمقراطية في السنغال.

كانت بي بي سي أشارت إلى إعلان الحكومة موعداً جديداً للانتخابات الرئاسية في 15 ديسمبر القادم، لكن ذلك لم ينزع فتيل الأزمة السياسية التي تعيشها السنغال لأن ولاية سال تنتهي في 2 أبريل 2024 وفقاً للدستور السنغالي، وهو ما يعني استمراره في السلطة أربعة أشهر إضافية، ولعل ذلك ما يثير التخوف لدى المعارضة حول احتمال التفافه على الدستور للترشح لولاية ثالثة في حين لا يسمح الدستور السنغالي بذلك. (بي بي سي، 8 فبراير 2024).  

ويشير الباحث السياسي رمضان قرني في تصريح لفرانس 24" إلى أن المعارضة والشارع السنغالي رفضا القرار وقتها لحرصهما على الحفاظ على الإرث الديمقراطي في السنغال، ولذلك أطلقت المعارضة مشاورات لتشكيل جبهة لممارسة الضغط على الرئيس وإجباره على تنظيم الانتخابات في موعدها 25 فبراير الجاري وفقاً للدستور، وواصل مرشحو المعارضة حملتهم الانتخابية رغم الحظر المفروض على التظاهرات، وهو ما أدى إلى اعتقال خمسة نواب في دكار. (الشرق الأوسط، 6 فبراير 2024). 

دعمت المعارضة تظاهرات التي ضمت مئات السنغاليين في العاصمة داكار عقب إصدار القرار مطالبة بالعدول عنه، وتوسعت الاحتجاجات في عدة مدن أخرى خاصة بعد اعتقال السلطات الأمنية بعض مرشحي الرئاسة، مثل أنتا بابكر نجوم، وبعض رموز المعارضة مثل أميناتا توري، بتهمة التحريض على العنف. نتيجة للتظاهرات الحاشدة، قامت السلطات بحظر الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وتمت استعادتها بعد يومين من التعليق.


2- الأطراف الخارجية: 

بالنظر إلى الأطراف الإقليمية، نجد أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) أمامها فرصة لتعويض فشلها في حل الأزمات الانقلابية في غرب إفريقيا، لكن موقفها حتى الآن اقتصر على التحفظ الشديد على القرار، وحثت الطبقة السياسية في السنغال على اتخاذ خطوات لإعادة الجدول الزمني للانتخابات بشكل عاجل، وحثت وكالات إنفاذ القانون على ممارسة ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، وعقدت اجتماعاً لوزراء الخارجية في أبوجا  لمناقشة الأزمة، وأرسلت وفداً ليجتمع بسال للتوسط في حل الأزمة، (صدى البلد، 12 فبراير 2024). بينما أعرب الاتحاد الإفريقي عن قلقه الشديد إزاء تأجيل ماكي سال الانتخابات وحث السلطات السنغالية على تنظيم الانتخابات في أقرب وقت ممكن. (فرانس 24، 13 فبراير 2024). 

أما عن الأطراف الدولية، فقد أدانت فرنسا تأجيل الانتخابات بشدة وحثت على العدول عن هذا القرار، حيث صرح كريستوف لوموان مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية في بيان قائلاً: "تكرر فرنسا دعوتها السلطات إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت، بموجب الدستور السنغالي، وضمان الحريات العامة. فرنسا تشجع جميع الفرقاء السنغاليين على إعطاء الأولوية للحوار والحفاظ على التقليد الديموقراطي قديم العهد في السنغال"، (الأخبار، 13 فبراير 2024). وسارت الولايات المتحدة في نفس الاتجاه، حيث أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الثلاثاء الموافق 13 فبراير اتصالاً هاتفياً بالرئيس السنغالي وحضه على إجراء انتخابات في أسرع وقت.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: "بلينكن تحدث إلى رئيس السنغال ليكرر قلقنا حيال الوضع هناك ويقول بوضوح إننا نريد أن نرى إجراء انتخابات كما هو مقرر، نريد أن تُجرى الانتخابات في أسرع وقت ممكن". وعبر منصة إكس ندد المكتب الأمريكي للشؤون الإفريقية بمقتل أول شخصين في الاشتباكات في السنغال، مضيفاً: "نحث جميع الأطراف على التصرف بطريقة سلمية ومدروسة، ونواصل دعوة الرئيس سال إلى استعادة الجدول الزمني للانتخابات واستعادة الثقة وتحقيق الهدوء في الوضع. ما سيحدث بعد ذلك ليس واضحاً". أما الاتحاد الأوروبي فقد أعرب عن قلقه بشأن أي محاولة فعلية من جانب سال لتمديد ولايته، وطلب السلطات السنغالية باستعادة النظام الانتخابي بما يتوافق مع دستور السنغال وميثاق المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. ومن جانبه شدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على وجوب احترام حق السنغاليين في التظاهر السلمي، بعدما منعت السلطات السنغالية مسيرة كبيرة للمجتمع المدني احتجاجاً على إرجاء الانتخابات الرئاسية، مضيفاً أن المنظمة "تتابع عن كثب الوضع في السنغال ومن المهم للغاية أن يحافظ جميع أصحاب المصلحة على بيئة سلمية ويمتنعون عن العنف وأي عمل يمكن أن يقوض العملية الديمقراطية والاستقرار في السنغال"، وأنه يتعين على أصحاب المصلحة حل الخلافات بسرعة من خلال التوافق وخاصة بما يتماشى مع تقاليد السنغال طويلة الأمد في الحكم الديمقراطي. (فرانس 24، 13 فبراير 2024). 

ومن عرض المواقف السابقة للواقع الإقليمي والدولي، يتضح أن هناك تنديداً بقرار التأجيل وسعياً للضغط على سال لتسريع بإجراء الانتخابات، وهو ما يشير إلى أن هناك حالة من الخوف على التجربة الديمقراطية الأصيلة في قارة إفريقيا. وفي هذا الصدد، يشير الأستاذ الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن في مقال له في "قراءات إفريقية" إلى أن تأجيل الانتخابات ليس هو مصدر قلق زعماء "إيكواس"، حيث تم تأجيل الانتخابات الرئاسية مرتين في السنوات العشر الماضية، وإنما هي محاولات ماكي سال الاستمرار في السلطة، فقد حاول في البداية دون جدوى الحصول على فترة ولاية ثالثة أعقبها حملة القمع التي تشنها حكومته على مرشحي المعارضة، ويرى أن هذه التطورات تسلط الضوء على التوازن الدقيق بين الاستقرار الإقليمي والحكم الديمقراطي في غرب إفريقيا، ويتعين على "إيكواس" أن تتعامل مع هذه التحديات ببراعة وتصميم  وأن تتمسك بمبادئها المتمثلة في تعزيز الديمقراطية والسلام والاستقرار مع احترام سيادة الدول الأعضاء فيها. 

 


27