مقالات تحليلية

أخطار حرب كورية أخرى.. أعلى من أي وقت مضى

28-Oct-2024

 في الآونة الأخيرة حدثت مجموعة من التوترات بين الكوريتين. وأعلنت بيونغ يانغ في 17 أكتوبر إدراج تعريف كوريا الجنوبية على أنها "دولة معادية" في الدستور، على النحو المنصوص عليه في التعديلات التي روج لها رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون نفسه في بداية العام.

 

مسيرات تابعة لسيول وتفجير طرق

في ظل هذه التوترات فجرت كوريا الشمالية خطوط الطرق والسكك الحديدية (غير المستخدمة الآن) مع الجنوب، ووضعت القوات العسكرية على الحدود في حالة تأهب، وبعد إدانة وجود طائرات مسيرة كورية جنوبية في مجالها الجوي، أمرت وحدات المدفعية بالاستعداد لفتح النار في حال حدوث مخالفات جديدة.

خلال شهر يناير الماضي قام روبرت كارلين وسيغفريد هيكر وهما مراقبان متمرسان في الشؤون الكورية بتفجير مفاجأة، عندما كتبا أن زعيم كوريا الشمالية يقوم بتحركات توحي بالاستعداد للحرب، ربما يكون الأمر مبالغاً فيه، ولكن ذلك الاعتبار يمكن أن يكون في مكانه، ويبدو أن شبه الجزيرة الكورية أصبحت أكثر خطورة، وقابلة للاشتعال أكثر من أي وقت منذ عام 1950.

 

تحولات إستراتيجية متداخلة

يقول روبرت ماننج الزميل في وحدة الاستشراف الإستراتيجي بمركز ستيمسون، في مقال نشرته فورين بوليسي الأمريكية إنه منذ عام 2019، كانت هناك ثلاث تحولات إستراتيجية متداخلة، حول المشكلة النووية لكوريا الشمالية، عطلت الفرضيات الدبلوماسية الأساسية لكل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية منذ عام 1992.

 بعد فشل قمة عام 2019، في هانوي بين كيم والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تم الكشف في عام 2021، عن برنامج كبير لبناء صواريخَ نوويةٍ، بما في ذلك صواريخ الوقود الصلب من طراز "أي سي بي إم" مصغرة، وكذلك أسلحة نووية تكتيكية وصواريخ هايبرسونيك.

استثمارات كوريا الشمالية من خلال تصريحات كيم تظهر أنها لن تتخلى عن سلاحها النووي الذي تم تبنيه في دستورها وأيديولوجيتها للردع النووي ورؤيتها الإستراتيجية. هذه الإمكانيات الجديدة والنيات المعلنة قد غيرت التوازنات الإستراتيجية في شمال شرق آسيا، وهي تثير تساؤلات جديدة حول مصداقية الردع لدي الولايات المتحدة، كما أنها مضللة لرغبة كوريا الجنوبية في أن يكون لديها السلاح النووي الخاص بها.

 

إعادة تموضع بيونغ يانغ

هناك أيضاً مسألة إعادة التموضع الجغرافي لبيونغ يانغ، وتجاهل كيم للهدف طويل الأمد بتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة لإحداث توازن بين القوى الرئيسة، وهذا يهدم ثلاثة عقود من الدبلوماسية النووية.

في الوقت نفسه تعزز بيونغ يانغ علاقاتها مع الصين، بعد التوتر الذي حدث عندما أيدت الصين العقوبات الاقتصادية الصارمة ضد كوريا الشمالية بعد التجارب النووية في عامي 2016 و2017، وقد زار كيم الصين في يناير عام 2019، كما قام الرئيس الصيني بزيارة بيونغ يانغ في يونيو، ومنذ ذلك الوقت تمت عرقلة الجهود الأمريكية لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية تتعلق ببرنامجها النووي.

وقد حدث تغير جيوسياسي عندما حددت روسيا شراكتها الأمنية مع كوريا الشمالية بعد الحرب الروسية الأوكرانية وإجراء صفقات اقتصادية مقابل صواريخ وذخائر، وهذا التحرك لم يكن مقبولاً من الصين وفقاً لبعض المناقشات الخاصة مع مسؤولين صينيين وخبراء في مراكز الفكر يعتقدون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يحاول إضعاف تأثير الصين وخلق موقف مشابه لفترة الخمسينات والستينات، عندما قام جده كيم ال سونغ بخلق مواجهة بين كل من الصين وروسيا.

 

سياسة توحيد الكوريتين

لقد تخلى كيم عن سياسة سبعين عاماً كانت تهدف إلى إعادة توحيد الكوريتين، وهي سياسة تعتمدها الدولتان باعتبارهما كياناً واحداً قسمه التاريخ، وقام بإعلان كوريا الجنوبية عدواً رئيساً، ودعا إلى تعديل في دستور كوريا الشمالية، وإزالة الالتزام نحو سياسة توحيد الكوريتين، وقام بحل الوكالات التي كانت تقوم بمعالجة قضية الوفاق وبإزالة صرح الوحدة الذي قام والده ببنائه.

وتؤكد الأحداث الأخيرة هذه التحولات، وبالنسبة لكيم تكون دائماً فترة الانتخابات الأمريكية فرصة لرسائل عبثية. ففي سبتمبر قامت بيونغ يانغ باختبار صواريخ بالستية قصيرة المدى، وكان كيم يقصد أن قوته النووية جاهزة للهجوم على الولايات المتحدة، وقام بنشر صورة نادرة له في معمل يورانيوم يعد سرياً للغاية، وتعهد ببناء مزيد من الأسلحة النووية.

لماذا كل هذا مهماً؟ في الوقت الحالي، على الأقل، قد أزال كيم نزع السلاح النووي وإعادة التوحيد بين الشمال والجنوب من على الطاولة، بغض النظر عن حقيقة أن هذه لا تزال الأهداف السياسية للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

 

مشكلة الكوريتين جزء من معادلة صفرية

إن مشكلة الكوريتين الآن جزء لا يتجزأ من المنافسة الصفرية بين القوى العظمى. الاتجاه هو نحو كتلتين متعارضتين في شمال شرق آسيا: هناك الصين وروسيا وكوريا الشمالية، ثم هناك الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان. إن المخاوف المشتركة بشأن الانتشار النووي التي مكنت الصين وروسيا من التعاون في المحادثات السداسية (التي تضم الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية) لم تعد موجودة. والآن أصبح كيم أكثر جرأة من أي وقت مضى بسبب ترسانته النووية والصاروخية المتطورة، والدعم من بوتن، وفي أسوأ الأحوال، عدم المبالاة من جانب الصين.

في 2023 صدر تقرير من المجلس القومي للمخابرات حول كوريا الشمالية يوضح الأخطار المتوقعة، ويشير إلى أن كوريا الشمالية سوف تستخدم موضوع الأسلحة النووية لدعم جهودها الدبلوماسية، وتقوم بأفعال من أجل الضغط ما دامت تتزايد قدراتها من الأسلحة البالستية من حيث النوع والعدد.

وبينما يقول التقرير إن كيم لن يستخدم الأسلحة النووية إلا إذا وجد أن حكمه أصبح مهدداً، فإن التقرير يلمح إلى إمكانية استخدامه أسلحة تقليدية تحسباً لمواجهة رد فعل قوي من كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وبينما يشير التقرير إلى أن إستراتيجية القيام بهجوم لاحتلال أراضٍ وتحقيق السيادة على شبه الجزيرة الكورية ليست واردة، يظل خيار ممارسة الضغوط هو الوارد.

 

إستراتيجية الهجوم واردة

في ظل ذلك هناك تنبيهات لا بد من مراجعتها، وهي أن إستراتيجية الهجوم واردة إذا ما اعتقد كيم أنه يمكن أن يلحق الهزيمة بكوريا الجنوبية، ويردع الولايات المتحدة عن التدخل والحصول على تأييد الصين، أو إذا توصل إلى أن هناك أزمة دولية تمنحه فرصة أخيرة لتحقيق أهدافه.

أحد السيناريوهات التي يمكن أن تأتي من هذه الإستراتيجية هو حدوث تصعيد في الحدود الفاصلة بين البلدين وهي الحدود التي اعتمدتها الأم المتحدة عند وقف إطلاق النار عام 1953، وترفضها كوريا الشمالية ومصدر لشكاوى متعددة ومواجهات عسكرية. ففي عام 2010 قامت بيونغ يانغ بإطلاق النار على جزيرة تعتبرها الأمم المتحدة تابعة لكوريا الجنوبية، وهو هجوم تسبب في مقتل جنديين من كوريا الجنوبية وإغراق سفينة تتبع لها، وفي وقت مبكر من هذا العام قامت كوريا الشمالية بإطلاق نار على الجزيرة نفسها.

وفي الوقت الذي طالب فيه كيم بتعديل الدستور واعتبار كوريا الجنوبية عدواً، ألمح إلى مراجعة الحدود في اجتماع المجلس الأعلى، وقال: الحدود الشمالية الحالية لن يتم قبولها وإذا ما قامت كوريا الجنوبية بانتهاك شبر واحد من أراضينا، سوف نعتبر ذلك إعلان حرب. ودعا إلى اجتماع للمجلس في 7 أكتوبر.

 

سيناريوهات مقلقة

إن الأخطار الواضحة من الحقائق في شبه الجزيرة الكورية والمأزق الجيوسياسي في شمال شرق آسيا ينبئ ببعض السيناريوهات المقلقة، وأولها سيناريو مخابراتي، ومن بعص المحللين الكوريين الجنوبيين، وهو كما يلي:

بعد شجبها للمناورات الأمريكية الكورية الجنوبية، بدأت بيونغ يانغ تدريبات بالنار قرب جزيرتين في محيطها، بإطلاق مجموعة من الطلقات وتبعها إنزال جنود في جزيرة يونبيوج، وقد فشلت الولايات المتحدة في منع كوريا الجنوبية من الرد، وأرسلت قوات بحرية وجوية إلى المنطقة، وأطلقت النار على سفن كورية شمالية وجنود على الجزيرة، وقامت بيونغ يانغ بإطلاق صواريخَ نوويةٍ تكتيكيةٍ على الجزيرة الخالية من السكان.

عليه، هل يمكن للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الرد عسكرياً والمخاطرة بالتصعيد؟ وهل ستقوم الصين باستخدام الفيتو ضد هذا الاستخدام للأسلحة النووية منذ آخر مرة في هيروشيما أو تقوم باحتواء الموقف مع الولايات المتحدة؟ الإجابة هي أنه في وقت ليست لدى الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية فيه قنوات دبلوماسية مع بيونغ يانغ، فإن الوضع يمكن أن يخرج عن السيطرة.

أما السيناريو الأكثر إثارة للقلق فيتمثل في وجود عدة جبهات حرب في هذه المنطقة في وقت واحد. في السياق قام ماركوس جارتوسكس الخبير السابق في المخابرات الكورية الشمالية بتفصيل كيف يمكن أن يفشل الردع والمنطق والتحركات التي يمكن أن تدفع كيم إلى الهجوم على كوريا الجنوبية لو قامت الصين بغزو تايوان وتدخلت الولايات المتحدة عسكرياً وحولت قواتها وقدراتها إلى تلك المنطقة، أو قامت كل من كوريا الشمالية والصين بالتنسيق لغزو كوريا الجنوبية وتايوان.

وبينما لا يتوقع أن تحدث مثل هذه السيناريوهات السيئة، فإن التحولات الجيوسياسية لكوريا الشمالية قد أظهرت احتمال قيامها بتحركات استعراضية خلال الشهور الستة أو الثمانية عشر المقبلة.

يحدث ذلك في وقت تعتقد فيه كل من الولايات المتحدة والصين أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية أمر عاجل، وينظر الصينيون إلى ما يقوم به الكوريون الشماليون على أنه مجرد رد فعل على العقوبات الأمريكية وتلك ليست مشكلتهم. وفي ظل الوضع في أوكرانيا وتصاعد الموقف في الشرق الأوسط والمنافسة مع الصين، فإن كوريا الشمالية سوف تستمر كوقود يغذي الصراع في منطقتها. 

55