مقالات تحليلية

شركات التكنولوجيا تتسابق إلى تسريح موظفيها.. الدوافع والأسباب

23-Mar-2023

يبدو أن عام 2023 هو الأكثر سوءاً لشركات التكنولوجيا وموظفيها، حيث تتسابق هذه الشركات إلى تسريح الآلاف من العاملين لديها، وسط مخاوفَ من الركود الاقتصادي. وتشير التقديرات إلى أنه منذ بداية 2023، ألغت 154 شركة في قطاع التكنولوجيا 55.2 ألف وظيفة، وهي مستويات أكثر من المسجلة على مدار النصف الأول من 2022. وأعلنت مايكروسوفت أنها ستخفض القوى العاملة لديها بحوالي 10 آلاف موظف وهو ما يعادل 5% من عدد موظفي الشركة، فيما بدأت أمازون حملة إقالات جديدة ستُلغي في النهاية 18 ألف وظيفة في الشركة.

غوغل أعلنت خططاً مماثلة تستهدف التخلص من 12 ألف وظيفة، فيما تراجع إجمالي عدد موظفي تويترإلى 2300 شخص وذلك بحسب ما أعلنه رئيس الشركة إيلون ماسك، وهو ما يشكل تراجعاً عن مستوى 7500 موظف المسجل حينما تولى إدارة الشركة، (سي ان بي سي- 21 يناير 2023).

وأعلنت شركة "مايكروسوفت" أنها ستسرح 10 آلاف من موظفيها نهاية مارس بسبب الآفاق الاقتصادية غير الواضحة وتغير أولويات زبائنها، وقال المدير التنفيذي لـ"مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، في رسالة إلى الموظفين: "هذه هي الخيارات الصعبة التي اتخذناها على مدار تاريخنا الممتد على 47 عاماً لنبقى شركة مهمة في صناعة لا ترحم الذين لا يتكيفون مع التغيرات"، وأشار ناديلا في الرسالة إلى أنه بينما "قام الزبائن بتسريع إنفاقهم على التكنولوجيا المعلوماتية أثناء الوباء" فإنهم يسعون الآن إلى تحسينه من أجل "تحقيق المزيد بموارد أقل"، (روسيا اليوم -8 يناير 2023).

وقال الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، المالكة لمحرك البحث "غوغل"، إنه سيتم إلغاء 12 ألف وظيفة، ويعتبر هذا هو أحدث تخفيض في العمالة يهز قطاع التكنولوجيا، ويأتي بعد أيام من إعلان شركة "مايكروسوفت" المنافسة عزمها تسريح 10 آلاف موظف، ويشمل خفض العمالة مختلف أقسام الشركة، مثل التوظيف وبعض فرق الهندسة والمنتجات، وقالت شركة "غوغل"، في مذكرة للموظفين: "إن عمليات التسريح على مستوى العالم، وستطال الموظفين في الولايات المتحدة في الحال"، (رويترز – 20 يناير 2023).

وأعلنت أمازون أوائل يناير أنها تخطط لإلغاء أكثر من 18 ألف وظيفة، مشيرة إلى حالة "عدم يقين اقتصادي" وعمليات توظيف سريعة خلال فترة وباء كوفيد ورواج البيع عبر الإنترنت.

عدم اليقين الاقتصادي والتهرب من خسائر العام الماضي

في ظل وجود عوامل عديدة لا تدعو إلى التفاؤل بالنسبة للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا من تخضم وركود اقتصادي وتأثير الحرب الروسية – الأوكرانية، فإن هؤلاء المستثمرين أصبحوا غيرَ واثقين من تحقيق أرباح كافية من هذا القطاع.

كان التوظيف مزدهراً وكان موظفو التكنولوجيا يرحبون بالقيمة العالية لخيارات الأسهم الخاصة بهم، لكن بعد 12 شهراً أصبح المشهد مختلفاً بشكل ملحوظ، فلم تحقق واحدة من أكثر 15 شركة تقنية أمريكية قيمةً، عوائدَ إيجابية، وفي المجموع، خسر المستثمرون ما يقرب من 7.4 تريليونات دولار، بناءً على الانخفاض الذي دام 12 شهراً في مؤشر "ناسداك"، وخسرت "مايكروسوفت" ما يقرب من 700 مليار دولار من القيمة السوقيةز

كذلك تقلصت قيمة "ميتا" السوقية بأكثر من 70 في المئة، ما أدى إلى القضاء على أكثر من 600 مليار دولار من حيث القيمة عام 2022، وأعاق رفع أسعار الفائدة الوصول إلى رأس المال السهل، وجعل التضخمُ المرتفع كلَ تلك الشركات التي تَعِد بأرباح مستقبلية، أقلَّ قيمة بكثير، واليوم تعمل الشركات على خفض التكاليف وتجميد التعيينات الجديدة وتسريح الموظفين الذين انضموا إلى شركات ما قبل الاكتتاب العام الأولي. وكانت الاكتتابات العامة الأولية هذا العام قد تباطأت إلى حد كبير بعد فترة لافتة في 2020 و2021، عندما اجتازت شركات التكنولوجيا جائحة كورونا وإغلاقاتها واستفادت من عالم جديد، حيث العمل عن بعد واقتصاد متدفق بالأموال المدعومة من الحكومة، أما داعمو الأسواق الخاصة الذين جمعوا المليارات من الاكتتابات العامة.

فمع تضخم خزائن البنوك الاستثمارية شهدوا انخفاضاً في تقييماتهم التي انحدرت إلى الأسفل أكثر فأكثر. "ريفيان" من الشركات التي انخفضت أسهمها بأكثر من 80% من ذروتها بعد أن بلغ سقف سوقها أكثر من 150 مليار دولار، كما تراجع صندوق "رينا سيسنس" للطرح العام الأولي، وهو سلة من الشركات الأمريكية المدرجة حديثاً، بنسبة 57% خلال العام الماضي، (اندبندنت عربية – 27 نوفمبر 2022).

العودة إلى الحياة الطبيعية بعد كورونا

على الرغم من اختلاف بيانات هذه الشركات حول مسألة تخفيض التوظيف، أرجعت جميعُها ذلك إلى صعوبة الأحوال الاقتصادية والمخاوف من ركود اقتصادي مقبل.

لكنْ هناك أسباب واضحة للتخفيض؛ فخلال موجة وباء كورونا الذي ضرب العالم وحالة الإغلاق التي أجبر السكان على التزام بيوتهم، ولجوء أغلب المدراس والجامعات والشركات التجارية والمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام إلى خيار العمل من المنزل، شهدت شركات التكنولوجيا نمواً كبيراً ولجأت إلى توظيف سريع للآلاف من الموظفين.

ونتيجة لانتهاء تداعيات وباء كورونا وحالة الإغلاق انخفضت إلى حد كبير التجارة الإلكترونية؛ حيث كان التسوق - في فترة الإغلاق - عبر الإنترنت ونتفليكس والعملُ عن بُعد أسلوباً جديداً للحياة، إلا أن ذلك لم يعد متوفراً وانخفض الإنفاق على الإنترنت.

كانت معظم تخفيض الوظائف في نتفليكس في مجال التسويق، في حين أن الجزء الأكبر من النسبة 20% من الموظفين الذين سرحتهم شركة "سناب"، كانوا يعملون في فريق مبيعات الإعلانات وقسم تجريبي يصنع أجهزة الواقع المعزز. ويشير تحليل "إيكونوميست" إلى أن اللوم يقع جزئياً على التوسع الكبير الذي نفذته شركات التكنولوجيا خلال جائحة كورونا، واعتمادها على توقعات متفائلة، بدا في النهاية أنها كانت خاطئة، فعلى سبيل المثال، زادت "ميتا" من قوتها العاملة بنسبة 60% تقريباً على مدار عامي 2020 و2021، وبعد أن كان تطبيق "روبنهود" لتداول الأسهم شائعاً خلال الوباء، قلص أيضاً قوته العاملة بنسبة 30%، واعترف مؤسسو "سترايب" في رسالتهم للموظفين التي أعلنوا فيها تسريحَ بعض الموظفين أن الشركة كانت "متفائلة للغاية" بشأن النمو، الذي ارتفع في العامين الماضيين بفضل إقبال المستهلكين على التجارة الإلكترونية التي تباطأت، (الحرة – 9 نوفمبر 2022).

اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي

هناك عامل مهم يلعب دوراً متزايداً في عمليات التسريح، وهو الإحلال التكنولوجي، وقد لفتت شركة "فيسبوك" النظر إليه عندما عرضت استراتيجيتها الجديدة لهذه السنة. فالتطور السريع في التكنولوجيا دفع شركات تكنولوجية مثل "فيسبوك" وغيرها إلى استبدال المبرمجين وبعض الوظائف التقنية بالروبوتات، حيث تمكنت الأخيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي من القيام بأعمال عدة.

"فيسبوك" على سبيل المثال قالت، إن بعض المبرمجين من الإدارات الوسطى يمكن استبدالهم بروبوتات الذكاء الاصطناعي. وفعلياً يستطيع تطبيق "شات جي بي تي" حالياً القيام بأعمال المبرمجين، حيث يمكنه كتابة "كود" كامل، وتصحيح "أكواد"، وبرمجة ملفات كاملة والرد على العملاء وغيرها من الوظائف التي كانت قبل عام أو عامين حكراً على فئة من المبرمجين فائقي الذكاء، (اندبندنت – 22 فبراير 2023).

تأثيرات الحديث عن ركودٍ اقتصادي أمريكي

هناك سبب آخر سرع اللجوء إلى تسريح الآلاف من الموظفين وهو الركود في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبدأ الخوف من ذلك منذ يوليو 2022 عندما أظهرت بيانات من مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي انكماشاً في الاقتصاد للربع الثاني على التوالي. 

عندما ضرب التضخم الاقتصاد بشدة في يونيو 2022، شهد المستهلكون زيادات في الأسعار بنسبة 9.1% مقارنة بالمعدل السنوي المعتاد البالغ 2% للتضخم الثابت وذلك وفقاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. شهد عام 2022 أعلى معدل تضخم في 40 عاماً وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS). ضعف الاقتصاد حيث بدأ الناس في شراء كميات أقل لاستيعاب هذه الأسعار المرتفعة. قفزت تكلفة المعيشة بشكل كبير، واضطر الناس والشركات إلى إجراء تخفيضات.

شهدت شركات التكنولوجيا ارتفاعاً في أسعار الخدمات، لذلك كان على الشركات تقييم وإجراء تخفيضات إذا لزم الأمر؛ تتطلع الشركات إلى خفض التكاليف لتغطية نفقاتها المتزايدة بسبب التضخم. عادةً ما يكون تسريح الموظفين أولَ تدابير خفض التكاليف لأن الرواتب من أكبر نفقات الشركات. تخسر شركات التكنولوجيا عائداتها عندما تقوم الشركات المعلِنة بخفض إعلاناتها. تمتلك شركات التكنولوجيا، مثل ميتاوغوغل وانستغرام وغيرها نماذج أعمال تعتمد على بيع الإعلانات، (شركة تيك تارجيت – شركة أمريكية متخصصة في التكنولوجيا – 1 فبراير 2023).

خلاصات 

من غير المتوقع أن يكون لتسريح الآلاف من موظفي شركات التكنولوجيا تأثير كبير، وذلك لأن هذه الإجراءات تعمل على إعادة التوازن داخل هذه الشركات وتعيد الوضع إلى ما قبل الطفرة في النمو واندفاع الشركات إلى التوظيف السريع والهمجي، حيث سيتم تسريح من تم توظيفهم خلال ازياد الطلب على خدمات التكنولوجيا أثناء حالة الإغلاق بسبب مرض كورونا.

على العكس من ذلك فإن إيقاف عدد من الموظفين الذين تم توظيفهم بدون اختبار لإمكانياتهم بالإضافة إلى الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي سيخفف النفقاتِ من جهة ويجعل العمل أكثر دقة، خاصة بعد أن تم منح الموظفين القدامى تعويضاتٍ قيمةً.



111