رفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي.. الأسباب والتداعيات
رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس (ربع نقطة مئوية)، في 22 مارس الجاري، في محاولة لمجابهة التضخم المرتفع بشدة، ومعالجة المخاطر على الاستقرار المالي، وهذا كان متوقعاً إلى حد كبير وسط اضطرابات شهدها القطاع المصرفي الأميركي.
هذه الزيادة هي بنفس مقدار الزيادة التي أقرها مطلع فبراير الماضي، ليصل اليوم سعر الفائدة القياسي إلى نطاق من 4.75% إلى 5%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2007، أي قبل الأزمة المالية العالمية، وأشار الفيدرالي الأميركي في بيانه إلى أنه قد يتخذ مزيداً من القرارات بتشديد السياسة النقدية، مؤكداً أن التضخم لا يزال مرتفعاً، في إشارة إلى أنه لم ينته بعد من زيادة أسعار الفائدة رغم خطر تفاقم أزمة البنوك التي تعصف بالأسواق العالمية، وأشار البنك المركزي الأميركي إلى أنه على وشك التوقف مؤقتاً عن رفع أسعار الفائدة، في ظل الاضطرابات الأخيرة في الأسواق المالية التي حفزها انهيار بنكين أميركيين.
أساس المشكلة
ويأتي قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الذي بلغ فيه التضخم 6 في المائة على أساس سنوي في فبراير، ولا يزال من بين أعلى المستويات منذ عقود، على الرغم من انخفاضه عن أعلى مستوياته في 2022، وفي أواخر العام الماضي، كانت هناك مؤشرات على تباطؤ نمو الوظائف والأجور وتراجع التضخم. لكن مكاسب الوظائف قفزت في أوائل هذا العام وارتفع التضخم في يناير وفبراير.
نتجت مستويات التضخم المرتفعة في المقام الأول عن ارتفاع أسعار الغاز والغذاء والمساكن، وخلال فترات التضخم المرتفع، يكون للدولار قوة شرائية أقل، مما يجعل كل ما تشتريه أغلى ثمناً - على الرغم من أنه من المحتمل ألا تحصل على أموال أكثر.
بعد أقل من عقد ونصف على أزمة 2008 المالية العالمية الطاحنة، التي وضعت النظام المالي الرأسمالي برمته على المحك، نشهد اليوم معالم أزمة جديدة تبدو حتى الساعة أقل حدة من سابقتها. ومن المفارقة هنا أن بطلي الأزمة هما بنكان كانا يمثلان علامة نجاح في الرأسماليتين الأمريكية والأوروبية.
فبنك "سيليكون فالي"، الذي يحمل اسم وادي السيليكون في كاليفورنيا متخصص في دعم شركات التقنية العالية، محور عجلة التكنولوجيا والابتكار في الولايات المتحدة. أما البطل الثاني فهو بنك "كريدي سويس" السويسري العريق المتخصص في إيداع واستثمار أصحاب الملايين والمليارات، فمعروف بخبرة عريقة مكنته من الحصول على تصنيف أحد أهم البنوك في العالم وأنجحها، انهيار بنكي "سيليكون فالي" و"كريدي سويس" أثار الكثير من المفاجآت والتكهنات والتهم. ف
المفاجآت جاءت بحكم نجاحات كثيرة للبنكين في عالم المصارف. وبخصوص التهم فقد ركزت على سوء الإدارة وضعف التقيد بالضوابط المالية وسوء تقدير مخاطر المغامرة في الأسهم والسندات التي تم الاستثمار فيها من طرف البنكين. ويبدو أن "سيليكون فالي" الذي تزيد قيمة أصوله على 200 مليار دولار انتهك شروط الائتمان، التي ما تزال الرقابة على تنفيذها رخوة، بحسب رأي مصرفيين مثل ماركو كولانوفيتش، مسؤول التسويق لدى بنك جي بي مورغان الأمريكي. وفيما يتعلق بالبنك السويسري فإنه مرتبط بفضائح عديدة، بينها غسيل أموال تم كسبها بشكل غير شرعي (دويتشه فيليه ، 23 مارس 2023).
ماذا يعني رفع سعر الفائدة؟
في كل مرة يقوم بها البنك المركزي الأميركي برفع سعر الفائدة تزيد نسبة الفائدة بشكل فوري على القروض، كما أن هذه الزيادة لا تأثر على الشخص الذي لديه ودائع في البنك كونه سيحصل على فوائدها لكن ستأثر على من يقوم بطلب قرض من البنك.
خبير الأسواق المالية، نديم السبع، رأى أن "الوضع يختلف بين المودع في المصرف أو من يقترض، فالمودع يناسبه رفع الفائدة لأنه يحقق أرباحاً إضافية، لكن الأمر يختلف بالنسبة للشخص المقترض من المصرف كونه يتكبد بعض التكاليف الإضافية مقابل قرض العقار أو السيارة أو القرض الشخصي مثلاً.
ما يزيد من ضرر المقترض هو أن رفع الفوائد يحصل بسبب التضخم، وتالياً يكون الأخير تحت وطأة مشكلتين، كون قدرة المقترض الشرائية تتآكل جراء ارتفاع الأسعار لتأتي زيادة الفائدة وتزيد الأعباء الأمر الذي يزيد التكاليف. المودع والمقترض عرضة للخطر جراء رفع الفائدة التي بدأت انعكاساتها تظهر على القطاع المصرفي. لذلك على الأفراد في فترة التضخم هذه بالتروي باستثماراتهم وبشراء العقارات، والانتظار وذلك كون الفيدرالي يقول إنه لن يخفض الفوائد حتى نهاية العام (الحرة – 23 مارس الجاري).
يعني رفع سعر الفائدة الفيدرالي الأخير أن المقترضين سيستمرون في رؤية معدلات فائدة أعلى على الرهون العقارية وبطاقات الائتمان والقروض الشخصية. على الجانب الآخر، مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، يمكن للمدخرين الاستفادة من زيادة الأرباح في أرصدتهم. لكن من الجدير بالذكر أن معدل التضخم يفوق معدلات الادخار - لذلك لا يمكنك "التغلب" على التضخم. الأسعار المرتفعة المقترنة بالديون باهظة الثمن تجعل الخبراء والمستهلكين على حد سواء لا يزالون قلقين بشأن مستقبل سوق العمل وإمكانية حدوث ركود (موقع سي نت الأميركي – 23 مارس).
كيف تتأثر البنوك المرتبطة بالدولار؟
التأثيرات خارج الأسواق المحلية الأميركية بدأت باكراً حيث وفي اليوم الثاني لرفع سعر الفائدة تراجعت أسعار النفط، كما انخفض الدولار.
ورفعت معظم البنوك المركزية في دول الخليج أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، في انعكاس لرفع مجلس الاحتياطي الاتحادي لسعر الفائدة بالنسبة نفسها، ورفع البنك المركزي السعودي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليبلغ سعر إعادة الشراء 5.5 في المئة وخمسة بالمئة لإعادة الشراء المعاكس، وقالت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) إن البنك المركزي الإماراتي رفع أيضاً سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.9 في المئة>
ورفع مصرف قطر المركزي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس على الودائع لتبلغ 5.25 في المئة والإقراض لتبلغ 5.75 في المئة وإعادة الشراء لتبلغ 5.5 بالمئة. وأبقت قطر أسعار الفائدة دون تغيير في فبراير شباط بعد أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة المستهدفة أيضا بمقدار 25 نقطة أساس>
ورفع مصرف البحرين المركزي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس الأربعاء بما في ذلك سعر الايداع لمدة أسبوع واحد، الخبير الاقتصادي مدحت نافع، رأى أن "نظام ربط العملات المحلية بالدولار الأميركي يضع البنوك المركزية أمام ضرورة الانصياع. الدول العربية نفطية بغالبيتها، ولديها احتياطات نقد أجنبي كبير، وتتبع نظام الربط بالدولار الأميركي. نظراً لأن معظم احتياطاتها وتجارتها بالدولار الأميركي، فمن الضروري جداً كي تحافظ على قوة عملتها مقارنة بالدولار أن تُقدم على رفع مستويات الفائدة" (الحرة – 23 مارس).
وفي تلك الأثناء أعلنت سويسرا والنروج وبريطانيا ارفع أسعار الفائدة لكبح التضخم على رغم الاضطرابات التي يشهدها القطاع المصرفي العالمي، غداة رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي كلفة الإقراض، واتخذ بنك إنجلترا قراراً مماثلاً أوصل سعر الفائدة الرئيسي إلى 4.25 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008 (اندبندنت عربية ، 23 مارس).
خلاصات
منذ انهيار بنكي "وادي السيليكون" و"سيغنتشر" الأميركيين، واستحواذ بنك "يو بي إس" على منافسه الرئيسي "كريدي سويس" المتعثر في سويسرا، تسود الأسواق المالية العالمية اضطرابات على أثر المخاوف بشأن مستقبل القطاع المصرفي العالمي.
وأعادت هذه التطورات إلى الأذهان أزمة عام 2008 حيث انهارت الأسواق المالية حول العالم إلا أن الحكومة الأمريكية تدخلت وأنقذت القطاع المصرفي الأميركي والعالمي، إلا أن تكرار ذلك لا يبدو قريباً إلى الواقع، حيث وعلى الرغم من حالة عدم اليقين التي ضربت الأسواق العالمية إلا أنه لم تحدث موجة انهيارات دولية لافته للنظر.
وفيما يخص التخوف من امتداد أزمة إفلاس المصارف كما حدث مع مصرفي "وادي السيليكون" و"سيغنتشر" الأميركيين فمن المتوقع أن تكون البنوك الأخرى أكثر تحفظًا بشأن تقديم القروض، وقال بيان مجلس الاحتياطي الفيدرالي: "من المرجح أن تؤدي التطورات الأخيرة إلى شروط ائتمانية أكثر صرامة للأسر والشركات وأن تؤثر على النشاط الاقتصادي والتوظيف والتضخم".
تؤدي شروط الائتمان الأكثر صرامة مثل ارتفاع أسعار الفائدة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. يمكن أن يوفر ذلك مساعدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في كبح التضخم لكنه يزيد أيضاً من مخاطر دفع الاقتصاد إلى الركود.
يرى الصحفي المتخصص في الشؤون الدولية، أحمد مصطفى أنه وفي الأزمة المالية العالمية تضررت كل البنوك والمؤسسات المالية كبيرة وصغيرة، أما هذه المرة فالمتضرر بشدة هي البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم. كما أنه في أزمة 2008 كانت هناك فقاعة عقارية انفجرت، وانهار قطاع المشتقات الاستثمارية العديدة المرتبطة بضمان قروض الرهن العقاري. ووسع ذلك من نطاق الأزمة في المرة السابقة. ربما يكون اختلاف الوضع الاقتصادي قبل 15 عاماً عن الآن من النقاط المهمة التي تخفف من القلق والتوتر في شأن أزمة المصارف الحالية. (اندبندنت عربية – 18 مارس).