مقالات تحليلية

اتفاق بريتوريا بين أثيوبيا وجبهة التيغراي .. تحديات ومعوقات

28-Dec-2022

في 26 ديسمبر 2022 وصل إلى مدينة ميكيلي عاصمة إقليم التيغراي، وفد من مسؤولين أثيوبيين من الحكومة الفيدرالية لمتابعة تنفيذ اتفاق بريتوريا. ونقلت وكالة «إينا» الرسمية عن مكتب الاتصال الحكومي، أن الوفد هو الأول من نوعه كهيئة حكومية اتحادية رفيعة المستوى تزور ميكيلي منذ عامين، مشيرةً أن هذا يعد مؤشراً على أن الاتفاق في حالة جيدة. 

خلال الزيارة تم الإعلان عن استئناف الرحلات الجوية إلى إقليم تيغراي. وكشف الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية الإثيوبية، عن استئناف الرحلات العادية إلى ميكيلي، حسبما ذكرت وكالة "إينا" الرسمية.

 وكان الرئيس النيجيري السابق اولوسيغون أبوسانجو قد أعلن أن الحكومة الفيدرالية الأثيوبية وجبهة تحرير التيغراي وقعتا بتاريخ 2 نوفمبر 2022، بمدينة بريتوريا بجنوب أفريقيا اتفاق هدنة لإنهاء القتال ووقف العدائيات، وقال أن اليوم هو بداية جديدة لأثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي، وأضاف أن ذلك لا يعني نهاية عملية السلام.

ينص الاتفاق المبرم، على نزع سلاح التيغراي، واستئناف إيصال المساعدات إلى المنطقة التي تعاني أزمة إنسانية حادة منذ اندلاع الحرب قبل عامين. واتفق طرفا النزاع أيضاً على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها في إقليم تيغراي، والمناطق المجاورة في شمال إثيوبيا، (صحيفة الاتحاد، 27 ديسمبر 2022).

آبي أحمد رئيس وزراء أثيوبيا عبر عن التزامه بتحقيق السلام وتنفيذ الاتفاق، وذكر رئيس وفد التفاوض الأثيوبي رضوان حسين أن علينا أن نقبل بما تم التوصل إليه، بينما قال رئيس جبهة التيغراي جيتاشو رضا أن تنازلات مؤلمة قد حدثت (الغارديان، 2 نوفمبر 2022).

 هدنة بعد جولات من القتال

 وقع الاتفاق عن أثيوبيا المارشال هانو جولا رئيس أركان القوات المسلحة الأثيوبية، وعن جبهة التيغراي تأنسي وردي القائد العام لقوات جبهة تحرير تغيراي، وقد بدأ مسؤولون عسكريون من الطرفين إجراءات نزع سلاح جبهة التيغراي تمهيداً لدخول الجيش الأثيوبي لميكيلي عاصمة الإقليم. يعتبر ما تم في بريتوريا دفعة كبيرة إلى الأمام وبداية لنهاية الحرب التي بدأت بين الطرفين قبل عامين، وعودة تدفق المساعدات الإنسانية.

تم تحقيق اتفاق بريتوريا بعد ممارسة ضغوط على الطرفين من قبل كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بمساعدة من الاتحاد الأفريقي، بجانب الجهود الماراثونية التي قام بها المبعوث الأمريكي مايك هامر.

كان القتال قد اندلع بين الطرفين في نوفمبر 2020، عندما قامت جبهة تحرير التيغراي باحتلال العاصمة ميكيلي والقواعد العسكرية التابعة للحكومة الفيدرالية في الإقليم، ما اعتبر نتيجة لتدهور العلاقات بين الجبهة والحكومة الفيدرالية منذ وصول آبي أحمد إلى رئاسة الوزراء في عام 2018.

بعد فترة من المواجهات تم إعلان وقف إطلاق النار في مارس من نفس ذلك العام والموافقة على دخول المساعدات الإنسانية مؤقتاً، غير أن الحكومة بعد ذلك استطاعت أن تسترد مناطق غرب وشمال وجنوب التيغراي بمساعدة القوات الأريتيرية.

سمح اتفاق بريتوريا بعودة نظام الاتصالات والبنوك والخدمات إلى إقليم التيغراي بعد أن كانت الحكومة قد أوقفتها منذ اندلاع القتال، وبموجب الاتفاق تستطيع قوات الحكومة الفيدرالية دخول عاصمة الإقليم ميكيلي ونزع سلاح قوات التيغراي ودمجها في القوات الأثيوبية، على أن تتعهد جبهة التيغراي بعدم دعم أية جماعات مسلحة أخرى من المعارضين للاتفاق.

يعتقد بعض المراقبين أن الاتفاق قد حافظ على وحدة أثيوبيا وتحييد الدور الأريتري الذي غاب عن المفاوضات، ورحب عضو البرلمان عن جبهة الأمهرا ديسالجين شاني بالاتفاق، غير أنه عبر عن أسفه لأن الاتفاق لم يحل مشكلة إقليم غرب التيغراي المتنازع عليه بين إقليم الأمهرا وإقليم التيغراي (واشنطن بوست، 3 نوفمبر 2022).

أهم بنود الاتفاق

  1. تفكيك قوات التيغراي ودمجها في القوات الفيدرالية وتكوين جيش واحد.
  2. سيطرة الحكومة الأثيوبية على كل مناطق الإقليم.
  3. فتح المجال أمام المساعدات الإنسانية.
  4. إعادة تعمير الإقليم الذي دمرته الحرب.
  5. احتفاظ جبهة تحرير التيغراي بوضعها كحزب سياسي وعدم تصنيفها من قبل الحكومة حركة إرهابية.
  6. التزام الطرفين بالدستور الفيدرالي القائم.

المعوقات والتحديات التي تواجه الاتفاق

يعتبر الاتفاق منسجماً مع أهداف آبي أحمد حول ما أسماه قبل عامين عملية إنفاذ القانون في المنطقة ضد جبهة تحرير التيغراي (بي بي سي، 7 نوفمبر 2022)، غير أن هناك بعض المعوقات التي لا بد من تجاوزها بسبب العجلة التي لازمت التوقيع خلال فترة قصيرة من المفاوضات في بريتوريا، وما تزال هناك بعض القضايا الخلافية وغموض حول كيفية وضع الاتفاق موضع التنفيذ بجانب عدد من التحديات منها:

  1. سيطرة عدم الثقة على العلاقة بين الطرفين في ظل مطالبة البعض في الداخل الأثيوبي بضرورة القضاء على جبهة التيغراي (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 21 نوفمبر 2022).
  2. بعد تفكيك قوات التيغراي لم يوضح الاتفاق وضع القوات التي تحت سيطرة الجبهات الأخرى مثل الأمهرا والعفر والأرومو.
  3. غموض الطريقة التي سوف يتم بها تحقيق العدالة ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم الحرب.
  4. معارضة الاتفاق من قبل بعض المكونات في إقليم تيغراي التي وصفت الاتفاق بأنه يخدم مصالح الذين وقعوا عليه.
  5. معارضة مؤيدي جبهة تحرير التيغراي في الخارج للاتفاق.
  6. يعتبر الاتفاق حلاً جزئياً لمشكلة القوميات في أثيوبيا في ظل تأزم الوضع في الكثير من الأقاليم مثل العفر والأوغادين.
  7. لم يوضح الاتفاق مستقبل المزارعين الذين طردهم الأمهرا من التيغراي الغربية خلال الأسابيع الأولى من الحرب.
  8. هناك مشكلة في آلية الرقابة التي تقع تحت صلاحية الرئيس أوباسانجو وموسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وهي رقابة خارج نطاق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي.
  9. لم يرد في الاتفاق إشارة لخروج القوات الأريترية من الإقليم، وهو ما ظلت تطالب به مختلف الجهات الدولية وجبهة التيغراي، وقد أوكل حل هذا الإشكال حسب رئيس جنوب أفريقيا بومزيلي ملابو نغوكا إلى طرفي النزاع بعد عودتهم إلى أثيوبيا (يورونيوز، 9 نوفمبر 2022).

مناقشة وتحليل

يشير الخبير في الشؤون الأفريقية الدكتور أبو بكر فضل محمد في حديث لصحيفة الشرق الأوسط (26 ديسمبر 2022)، إلى أن أبرز نقاط اتفاقية بريتوريا إثارة للجدل والتي تمثل اختباراً حقيقياً لنجاح الاتفاقية أو فشلها هي نزع سلاح جبهة تيغراي وإعادة دمج قواتها وانتشار القوات الفيدرالية في إقليم تيغراي وانسحاب ميليشيات الأمهرة من مناطق تيغراي وكذلك قبول إريتريا بالاتفاق وانسحابها من الإقليم والتخلي عن هدفها الأساسي وهو تدمير جبهة تيغراي. كما أن تبعية بعض المناطق المتنازع عليها تاريخياً، خاصة في غرب تيغراي بين القوميتين التيغراوية والأمهرية، كل ذلك تمثل نقاطاً ساخنة في النقاشات الجارية في عملية تنفيذ الاتفاقية.

ويتوقع أن يواجه الاتفاق صعوبات عديدة خلال مرحلة التنفيذ إذا ما صمدت الهدنة بين الطرفين، فالاتفاق لم يصل بعد إلى مرحلة اتفاق سلام كامل، وهو رهين بدرجة التزام الطرفين ومقدرة الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا على الوفاء بالتزاماتها، خاصة إعادة إعمار الإقليم الذي تم تدمير معظم بنيته الأساسية في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع الاحتياطي النقدي للحكومة الأثيوبية إلى مليار ونصف مليار دولار، بينما تقدر التكلفة المبدئية لإعادة الإعمار بنحو 20 مليار دولار.

من التحديات أيضاً التي يمكن أن تواجه الاتفاق مستقبل الحكم الفيدرالي في ظل طموحات آبي أحمد التي تهدف إلى تعديل نظام الفيدرالية القومية إلى نظام حكم مركزي، وهو ما يمكن أن يجد معارضة من التيغراي وبعض القوميات الأخرى، خاصة بعد توقيع اتفاق بريتوريا الذي أكد على سيادة الدستور الفيدرالي الحالي.

كذلك يواجه الاتفاق غموض موقف الحكومة الأريترية وبعض القوميات التي لم تشارك في المحادثات، على الرغم من الدعم الذي قدمته أريتريا والأمهر للحكومة الفيدرالية خلال فترة الحرب، إذ يشير الاتفاق إلى أريتريا وهي ليست طرفاً في الاتفاق في وقت ما زالت الحكومة الأريترية تحتضن جبهة (دمهيت) التي تعارض جبهة تحرير تيغراي، وتستطيع أريتريا استخدامها في ظل عودة الصراع بين جبهة التيغراي وأريتريا.

79