مقالات تحليلية

التسوية السياسية في السودان واشكالية تباعد المواقف

22-Nov-2022

في 16 نوفمبر 2022،  أعلنت قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي- خلال مؤتمر صحفي عقد بدار حزب الأمة القومي بأم درمان ، عن التوصل إلى اتفاق إطاري مع المكون العسكري يتم بموجبه تكملة ما تبقى من الفترة الانتقالية. كان قد سبق ذلك تسريبات عن وصول المكون العسكري في المجلس السيادي الانتقالي السوداني إلى تفاهمات مع المدنيين من خلال الجهود التي تقوم بها الآلية الثلاثية، التي تتكون من بعثة الأمم المتحدة الشاملة لتسهيل عملية الانتقال السياسي في السودان (يونيتامس)، والمنظمة الحكومية  للتنمية  (إيقاد) ، والاتحاد الأفريقي، يتم بموجبها إعلان اتفاق على مرحلتين، تتضمن الأولى  اتفاق إطاري لتثبيت القضايا التي تم الاتفاق عليها، والثانية إبرام اتفاق نهائي على القضايا المختلف حولها.

ما بعد قرارات 25 أكتوبر 2020

بعد قرارات القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، التي صدرت في 25 أكتوبر 2021، والتي تم فيها فض الشراكة بين المكونين العسكري والمدني الذي ظلت تقوده قوى الحرية والتغيير، لم يتمكن المكون العسكري من تكوين حكومة مدنية. وبعد عدة محاولات من القوى السياسية لحل الأزمة السياسية رعت البعثة الأممية ولجنة رباعية تتكون من سفراء أربع دول مفاوضات بين المدنيين والعسكريين (حامد فتحي، حفريات، 19 نوفمبر 2022). ومن بين عدة مبادرات تقدمت بها قوى سياسية مختلفة، تبنت قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي- دستور اللجنة   التيسيرية لنقابة المحامين وقبلها المكون العسكري بعد إجراء ملاحظات عليها.

وجدت هذه الوثيقة رفضاً من تيارات إسلامية، مثل التيار الإسلامي العريض، وحركة دولة القانون، وقوى سلفية، والتحالف الديمقراطي، وبعض الحركات المسلحة التي اعترضت على النص الذي ورد في الوثيقة بمراجعة اتفاقية جوبا التي وقعت في أكتوبر 2020.  ويعتبر قبول (المجلس المركزي) لقوى الحرية والتغيير تحولاً في موقف حزب المؤتمر السوداني وحزب الأمة وتجمع الاتحاديين الذي سبق أن رفضوا الجلوس أو التفاوض مع العسكريين.

أربعة بنود رئيسية

جاء الإعلان عن هذا الاتفاق الإطاري بعد أن سبق أن أعلن المكون العسكري بتاريخ 4 يوليو 2022، الخروج من العملية السياسية، والانسحاب من المفاوضات التي كانت تجري في ذلك الوقت وطالب القوى السياسية على تكوين حكومة كفاءات مستقلة لاستكمال المرحلة الانتقالية وأعلن عن اتجاه القوات المسلحة تشكيل مجلس أعلى لقوات المسلحة (موقع قناة الحرة، البرهان يعفي الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة،  6 يوليو 2022). كانت قوى الحرية والتغيير قد وصفت بيان رئيس المجلس الانتقالي بالمناورة والتراجع التكتيكي، ولم تتعامل مع التصريحات بطريقة جادة إلى أن تم الإعلان عن وثيقة تيسيريه لنقابة المحامين التي تستند التفاهمات في مرحلتها الأولى على أربعة بنود رئيسية هي:

1/ تكوين مجلس سيادة مدني. 

2/ مجلس وزراء مدني.

3/ الاتفاق على مجلس تشريعي.

4/ الاتفاق على مجلس للدفاع والأمن يضم قادة الأجهزة الأمنية.

خلافات حول وثيقة دستور المحامين

 على الرغم من التعديلات التي أدخلت بواسطة العسكريين على دستور المحامين، التي من أبرزها توفير حصانة للعسكريين وقادة الأجهزة العسكرية، وعدم اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم تمت قبل التوقيع على الدستور الانتقالي، ومراجعة القرارات التي صدرت بعد 25 أكتوبر 2021 بدلاً من الغائها، ومراجعة المؤسسات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة التي ليست ذات طبيعة عسكرية، وعدم مشاركة أعضاء المجلس المكون العسكري في الانتخابات، وتعيين رئيس الوزراء المجلس العدلي المؤقت المسؤول عن تعيين المحكمة الدستورية ورئيس القضاء والنائب العام ، وأيلولة كل مؤسسات المؤتمر الوطني المحلول إلى وزارة المالية، يبدو أن كل تلك التعديلات لم ترض بعض الأطراف مثل حزب البعث العربي الذي رفض أي وجود للعسكريين في السلطة أو القوات المسلحة وطالب بمحاكمة أعضاء المكون العسكري على الانقلاب وقتل المتظاهرين ( سودان تربيون 20  نوفمبر 2022).

علاوة على ذلك انتقد الحزب الشيوعي السوداني  صياغة دستور المحامين من قبل جهات أجنبية، وأن الدستور منح المكون العسكري صلاحيات أفضل، كما رفضت الدستور بعض تنسيقيات لجان المقاومة والتحالف الديمقراطي الذي يشارك فيه الاتحادي الأصل الذي يمثله جعفر الميرغني، ونداء أهل السودان، وبعض مكونات الإدارة الأهلية.

وتتركز أبرز القضايا المختلف عليها والتي اتفق على بعضها بين الطرفين العسكري والمدني تجاه دستور المحامين في ما يلي:

1/ كيفية التعامل مع قضية العدالة الانتقالية.

2/ إصلاح المؤسسة العسكرية.

3/ تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989.

4/ أن يكون هناك رئيس مجلس سيادي مدني.

5/ أن تكون الفترة الانتقالية 24 شهراً.

6/ أن يكون رئيس الوزراء المدني هو المسؤول عن مجلس الأمن والدفاع. (صحيفة السوداني الدولية، 17 نوفمبر 2022).

مناقشة وتحليل

يتمحور المشهد السياسي اليوم حول تيارين رئيسيين في هذه المرحلة، تيار  يرى أن على القوات المسلحة أن تبتعد عن السياسة والسلطة تماماً ، وتيار اَخر يرى أن من الضروري مشاركة القوات المسلحة في السلطة  نسبة للظروف السياسية  والأمنية التي تمر بها البلاد.

 ولعل ما زاد من تعقيد المشهد السياسي هو عودة العسكريين للعملية السياسية من جديد وموافقة كل من الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية للسفراء على تبني المفاوضات بمشاركة العسكريين رغم إعلان العسكريين انسحابهم من العملية السياسية.

كان من المفروض أن يقتصر تدخل الوسطاء على تسهيل عملية التفاوض بين المدنيين بمختلف مكوناتهم بعيداً عن العسكريين، كما أن استمرار البلاد دون حكومة متفق عليها منذ عام 2021، فتح الباب أمام تيارات رافضة ومجموعات من التيارات الإسلامية، بل ظهور أعضاء المؤتمر الوطني الذين  أصبحوا يشاركون في المواكب الذي يقودها التيار الرافض للتسوية  وطالبوا بطرد البعثة الأممية.

في ظل كل العقيدات التي تحيط بالمشهد السياسي جاءت عودة زعيم الطائفة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني من القاهرة لتمثل رسالة جديد بعد خطابه بتاريخ 16 نوفمبر 2022،  ومساندته للسيد جعفر الصادق الذي يساند الرافضين للتسوية الثنائية ودستور تيسيريه نقابة المحامين ، الأمر الذي يجعل موقف الحزب متناقضاً بعد توقيع نجله الأكبر الحسن الميرغني على وثيقة دستور المحامين.

على ذلك يبدو أن حسم الموقف من وثيقة دستور المحامين سوف يصبح قي يد الحزبين الطائفيين حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وكلاهما يتمتع بمساندة قوى إقليمية، ومن الواضح أن التسوية السياسية في السودان في صورتها النهائية قد خرجت من يد السودانيين بمختلف مكوناتهم وأصبحت في يد القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الساحة السياسية.

 ولعل من غرائب السياسة في السودان أن موقف الحزب الاتحادي الأصل اليوم يضع الحزب في تقارب واضح مع كل من الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي  من وثيقة دستور المحامين،  كأنما يعيد التاريخ نفسه فقد سبق أن ساند الحزبان  اتفاقية السلام السودانية التي وقعها محمد عثمان الميرغني مع جون قرنق عام 1988. 

37