مقالات تحليلية

انقلاب النيجر .. التطورات الجارية وردود الفعل الدولية

18-Aug-2023

مع عودة "إيكواس" إلى التلويح بالتدخل العسكري في النيجر، وعدم تنازل قادة الانقلاب عن موقفهم المتشدد. وفي ظل دعم باريس لموقف "إيكواس" وارتباك واشنطن بين دعم "إيكواس" وبين عدم معاداة الانقلابيين، بل وعدم استبعاد بناء علاقات معهم في حال استمروا في السلطة، تزداد التعقيدات المتعلقة بهذه الأزمة، دون أن يعني ذلك انعدام فرص الدبلوماسية التي لا يزال معظم الفاعلين في الأزمة متمسكاً بها.  

وفي وقت شهدت فيه الجهود الدبلوماسية بين قادة المجلس العسكري في النيجر وبين القوى الافريقية والدولية بعض التراجع، حازت التهديدات العسكرية على اهتمام أكبر. تراوحت هذه التهديدات بين تلويح "إيكواس"، مجدداً، بالتدخل العسكري، وبين عمليات موجعة نفذها الجهاديون بالفعل ضد جيش النيجر.

بعد أيام من سقوط قتلى وجرحى من الجيش النيجري في هجوم نفذه جهاديون، تجددت أعمال العنف مجدداً في البلاد، حيث قتل جهاديون 17 جندياً نيجرياً على الأقل في كمين في جنوب غرب البلاد. وأعلنت وزارة الدفاع في بيان يوم 17 أغسطس، أنّ وحدة من الجيش وقعت "ضحية كمين إرهابي عند أطراف بلدة كوتوغو" في منطقة تيلابيري القريبة من بوركينا فاسو"، مضيفة أن 20 جنديا أصيبوا، جروح ستة منهم بالغة، في هجوم هو الأكثر دموية من حيث حصيلة القتلى منذ انقلاب 26 يوليو 2023. 

يعد هذا الهجوم السابع الذي يستهدف جنوداً منذ إطاحة عسكريين بالحكومة في نيامي، وفق شبكة بي بي سي، فيما نقلت وكالة أسوشيتدبرس عن محلل في الشأن الجهادي قوله إن هذا أول هجوم كبير من قبل الجهاديين على جيش النيجر منذ نحو ستة أشهر، وهو علامة "مقلقة على تصعيد محتمل" مستقبلاً.

يقول المحللون إن "الهجمات الإرهابية ضد المدنيين" في النيجر انخفضت إلى النصف تقريباً (بنسبة 49 %) هذا العام (2023)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى وجود 2600 جندي فرنسي وأمريكي يقومون بتدريب ومساعدة القوات النيجيرية واستراتيجية متعددة الجوانب لمكافحة التمرد من قبل الرئيس المخلوع محمد بازوم، حسب تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 16 أغسطس 2023. 


المواقف الأفريقية

كررت الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "إيكواس" استعدادها للتدخل عسكرياً في النيجر وذلك بالتزامن مع اجتماع قادة جيوش التكتل في غانا، في 17 و 18 أغسطس 2023، لتنسيق تدخل محتمل في النيجر. وقال مسؤول كبير لقادة الجيش خلال اجتماع غانا، لمناقشة تفاصيل القوة الاحتياطية، إن دول "إيكواس" مستعدة للتدخل عسكرياً في النيجر إذا فشلت الجهود الدبلوماسية. وقال عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في " إيكواس": "لا ينبغي لأحد أن يشك في أنه في حالة فشل كل شيء، فإن القوات الباسلة في غرب إفريقيا مستعدة للاستجابة لنداء الواجب"، حسبما نقلت رويترز.

وقال موسى لوزراء الدفاع المجتمعين: "بكل الوسائل المتاحة، سيتم استعادة النظام الدستوري في البلاد"، وذكر بعمليات الانتشار السابقة التي قامت بها دول "إيكواس" في غامبيا وليبيريا وأماكن أخرى كأمثلة على الاستعداد للتدخل العسكري، مضيفا بأن معظم الدول الأعضاء في الكتلة البالغ عددها 15 مستعدة للمشاركة في القوة الاحتياطية التي قد تتدخل في النيجر. أما الاستثناءات فتشمل الدول الواقعة تحت الحكم العسكري - مالي وبوركينا فاسو وغينيا - والرأس الأخضر.

موسى رفض الاتهام بأن فرنسا أو أي قوة خارجية أخرى تتلاعب بـ “الإيكواس" وتحرضها على القيام بعمل عسكري، متهماً قادة الانقلاب في النيجر "بلعب دور القط والفأر" مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من خلال رفض الاجتماع مع مبعوثيها والبحث عن مبررات لتوليهم السلطة.

وفي تصريح آخر مهم، باعتباره صادر عن دولة رئيسية في "إيكواس"، قال كريستوفر غوابن موسى، رئيس الأركان في نيجيريا إن "الديمقراطية هي ما ندافع عنه ونشجعه"، مضيفاً، خلال اجتماع غينيا، أن "إيكواس" لا تركز على القيام برد فعل على الأحداث فحسب، بل تهدف "لرسم مسار بشكل استباقي يؤدي للسلام ويدعم الاستقرار". 


المواقف الأميركية

بالرغم من إعلان وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن تدعم جهود "إيكواس" لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، بما في ذلك التدخل العسكري كخيار أخير، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، يوم 17 أغسطس، أنّ سفيرة جديدة لأميركا ستتوجّه قريبا إلى النيجر في إطار جهود دبلوماسية هناك. وقال المتحدث باسم الخارجية فيدانت باتيل إنّ واشنطن تتطلّع إلى وصول السفيرة كاثلين فيتسغيبون إلى نيامي، مشدّداً على أنّ توجّهها إلى النيجر ليس قبولاً باستيلاء العسكريين على السلطة. وفيتسغيبون دبلوماسية متمرّسة ذات خبرة واسعة في شؤون إفريقيا وكان مجلس الشيوخ قد صادق على تعيينها في 27 يوليو، أي غداة الانقلاب، حسبما ذكرت وكالة الانباء الفرنسية.

هذا أحدث مؤشر على رغبة البيت الأبيض في عدم إحداث قطيعة مع قادة الانقلاب، لما له من تأثير على مصالح واشنطن التي تعد النيجر المنفذ الوحيد المتبقي لها في الساحل، والذي من خلاله تسعى لمواصلة العمليات الاستخباراتية والعسكرية، ليس ضد الجهاديين فقط، وإنما لمراقبة التحركات الروسية (عبر مجموعة فاغنر) وكذلك الصينية، حيث تخشى أميركا من أن يستفيد الجانبين من أي فراغ أميركي بالمنطقة.

من هنا، تبحث إدارة الرئيس جو بايدن عن طرق للاحتفاظ بالقوات العسكرية والأصول الأمريكية في النيجر، حتى عندما يصبح من غير المحتمل على نحو متزايد أن يتنازل المجلس العسكري عن السلطة إلى الرئيس المنتخب ديمقراطياً"، حسبما نقلت شبكة سي ان ان الأميركية عن مسؤولين مطلعين في إدارة بايدن يوم 17 أغسطس. 

ويقوم البنتاغون بتقييم السلطات التي يمكن أن تستخدم لمواصلة العمل في جمع المعلومات الاستخبارية بشكل أساسي في النيجر، خاصة إذا اعتبر الاستيلاء العسكري هناك انقلاباً من قبل وزارة الخارجية - وهو قرار قانوني من شأنه تجريد الجيش الأميركي من بعض سلطاته وتمويله للمشاركة في تعاون أمني مع القوات النيجيرية. وبحسب سي ان ان فإنه "إذا تم اتخاذ قرار بشأن الانقلاب، فقد يبحث مسؤولو الإدارة أيضاً إمكانية إصدار تنازل للسماح بمواصلة أنشطة عسكرية أمريكية معينة"، وفق المسؤولين. يشار إلى أن الكونغرس قام ولأول مرة في العام الماضي بدمج الإعفاء في مشروع قانون الإنفاق الشامل لعام 2023، مما يسمح لوزارة الخارجية بالتنازل عن قيود قائمة على أسس الأمن القومي.

وقال مسؤولون أميركيون إن المهمة العسكرية في النيجر هي أحد الأسباب الرئيسية وراء تأجيل واشنطن، حتى الآن، الإعلان القانوني عن الوضع بحدوث انقلاب عسكري، وبدلاً من ذلك تقوم بالانخراط في دبلوماسية مكثفة لمحاولة عكس الانقلاب، وذلك بخلاف "إيكواس" وفرنسا والاتحاد الأوروبي، التي اعتبرت الوضع انقلاباً.

ويعتقد العديد من مسؤولي الإدارة أن الحفاظ على وجود في النيجر أمر حيوي لجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة ويجادلون بأنه ممكن حتى في ظل الاضطرابات السياسية الداخلية هناك. ويقول مسؤولون إن العديد من قادة المجلس العسكري عملوا مع أميركا ودربوا من قبلها كجزء من التعاون الأمني لأميركا مع النيجر، ولم يعرب القادة العسكريون النيجيريون عن مشاعر معادية لأمريكا ولم يطلبوا من أميركا المغادرة.


المواقف الروسية

بالرغم من عدم وجود أي مواقف أو تصريحات روسية حديثة تجاه النيجر، تزعم تقارير صحفية بأن هناك تحركات تجري بالفعل بين الروس والحكام الجدد في نيامي. وبحسب تحليل نشرته نيويورك تايمز في 16 أغسطس 2023، حذر مسؤولون في غرب إفريقيا "من أن مجموعة مرتزقة فاغنر قد تتحرك لملء الفراغ إذا غادرت القوات الفرنسية، وسط شائعات بأن مسؤولاً في المجلس العسكري النيجيري التقى مؤخراً بممثلين من المجموعة شبه العسكرية في مالي، والتي استضافت حوالي 1500 من عملاء فاغنر لمحاربة التمرد الإسلامي".


خلاصات 

يقول المحللون إنه كلما طال الواقع الراهن في النيجر، كلما قل احتمال حدوث تدخل عسكري في المستقبل، مع إحكام المجلس العسكري قبضته على السلطة، مما يجبر المجتمع الدولي على الأرجح على قبول الوضع الراهن. 

تضم إيكواس 15 دولة؛ من بينها دول لن تشارك في قوة الاحتياط، وهي: مالي وبوركينا فاسو، الواقعتين تحت الحكم العسكري، وأبدتا استعدادهما لدعم المجلس العسكري في النيجر. وهناك شكوك حول تنفيذ "إيكواس" العملية العسكرية رغم اللغة الحازمة لمسؤولي الكتلة خلال اجتماع غينيا الأخير، حيث يواجه عدد من الدول الرئيسية التي قالت إنها ستزود القوات – من بين العديد من العقبات - معوقات سياسية وأمنية، محلية وخارجية، بما في ذلك نيجيريا وغانا، فقد أعرب مجلس الشيوخ النيجيري عن رفض التدخل، بينما شككت أحزاب المعارضة في غانا في الأساس القانوني للتدخل بموجب الدستور. 

حجر عثرة آخر أمام التدخل هو الاتحاد الأفريقي. فقد اجتمع مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد في أديس أبابا يوم 14 أغسطس لإجراء محادثات حول النيجر. وأفاد دبلوماسي تحدث لوسائل إعلام فرنسية بأن هناك تقارير تفيد بأن اجتماعاً "صعباً" رفض تدخل "إيكواس" المقترح، حيث قيل إن دول جنوب وشمال إفريقيا "تعارض بشدة أي تدخل عسكري"، وفق لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية يوم 17 أغسطس. وفي حين أن قرارات "إيكواس" من الناحية النظرية لا تتطلب موافقة الاتحاد الأفريقي، فإنها تحركت في كثير من الأحيان بالتنسيق مع الاتحاد.

كذلك ليس من الواضح إلى أي حد يمكن أن تدعم واشنطن، بخلاف باريس الداعمة لأي تدخل عسكري – أي عملية عسكرية في النيجر، حيث تشير المواقف الواردة من واشنطن إلى أن إدارة بايدن لا تزال تفضل الحل الدبلوماسي.



37