مقالات تحليلية

حكومة نتنياهو الجديدة.. تحديات الائتلاف اليميني

03-Jan-2023

للمرة السادسة في حياته المهنية، أدى بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود المحافظ، البالغ من العمر 73 عاماً، اليمين رئيس وزراء لإسرائيل في 29 ديسمبر 2022.

لكن الحكومة التي انضمت إليه في المقاعد الأمامية للكنيست، لا تشبه أي حكومة إسرائيلية سبقتها، ما أثار قلق الشارع الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، من بين هؤلاء الوزراء الجدد عضو سابق في منظمة تم استنكارها لترويجها الإرهاب وأصبح وزيراً للأمن القومي. أيضاً وزير المالية الذي يؤمن بأن اتباع وصايا الله هو مفتاح السياسة الاقتصادية، ووزير عدل يخطط لنزع سلطات المحكمة العليا الإسرائيلية، التي طالما اعتبرت معقلاً لاستقلال الفكر الليبرالي.

وللعودة إلى منصبه رئيساً للوزراء، كان على نتنياهو تشكيل ائتلاف مع حزبين دينيين متشددين، وثلاثة أحزاب من أقصى اليمين، فازوا معاً بـ14 مقعداً في الانتخابات. فدخل بذلك قادة الأحزاب، بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية) وإيتمار بن غفير (حزب عوتسما يهوديت/ القوة اليهودية) وآفي ماعوز (حزب نوعام) إلى المشهد السياسي واستقطبوا الرأي العام في الداخل والخارج، حتى قبل تشكيل الحكومة. (DW, 29 December).

ومن المعروف أن أيديولوجية اليمين الإسرائيلي تتمحور حول الفلسفة القديمة لإسرائيل الكبرى، ويقول جدعون رهات، الباحث السياسي في الجامعة العبرية في القدس إن مصطلح "إسرائيل الكبرى" يشير عادة إلى أيديولوجية يمينية تقول إن أرض إسرائيل تشمل جميع الأراضي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الضفة الغربية. ويقول أصحاب تلك الأيديولوجيا: "هذه أرضنا التوراتية، لدينا الحق في كل ما يوجد هنا". (DW, 29 December).

مخاوف المجتمع الإسرائيلي

تسود الشارع الإسرائيلي مخاوف من هذا الائتلاف اليميني، الذي وصفته صحيفة هآرتس اليسارية بأنه الأكثر تطرفاً وعنصرية، وأن لديه رهاب المثلية، ويعد الأكثر ثيوقراطية (حكم رجال الدين) في تاريخ إسرائيل، الأمر الذي من الممكن أن يعمق الانقسامات الداخلية أكثر، ويحد من حقوق الأقليات، ويفاقم الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل أكبر. فضلاً عن مخاوف الرأي العام على حقوق المرأة والعلاقات مع العرب ويهود العالم. فلدى حلفاء نتنياهو رؤية واضحة للبلاد، وقد أجبروه على تبني أجزاء كبيرة منها، على الأقل وفق اتفاقيات الائتلاف مع الأطراف المختلفة.

ومن المتوقع حدوث تغييرات كبيرة من حكومة نتنياهو التي سيحظى فيها اليمين المتطرف والأرثوذكس المتطرفون بسلطة غير مسبوقة. وستكون هي الأكثر يمينية ودينية في تاريخ إسرائيل، فهي تضم حزب الليكود إلى جانب الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة واليمين المتطرف، وسط تخطيط لتشريع شامل من شأنه أن يغير وجه إسرائيل بطرق عميقة.

وقد لخصت هآرتس مخاوف المجتمع من الحكومة الجديدة، في عدة محاور، هي: سيادة القانون، والتربية والوضع الديني الراهن، وحقوق المرأة، والساحة الفلسطينية والمستوطنات، وحقوق المثليين. وليس من قبيل المصادفة أن يكون الهدف الرئيس هو إضعاف القضاء، لاسيما من خلال تمرير ما يسمى بشرط الإلغاء. فقد يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في ميزان القوى بين السلطتين القضائية والتشريعية، مما يسمح للكنيست بتمرير قوانين تتناقض مع دستور البلاد، والقضاء على قدرة المحكمة العليا على تجاوزها. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يقر الكنيست لاحقاً قانوناً يلغي محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد المتهم بها، فلن يكون لدى المحكمة العليا سلطة إسقاطه. كما يريد الليكود تغيير تركيبة محكمة العدل العليا المقسمة حالياً بالتساوي بين الليبراليين والمحافظين، حتى يمكنها تصعيب الأمور على الجماعات الحقوقية التي من الممكن أن تقدم التماسات إلى المحكمة ضد تصرفات الحكومة.

كذلك يعد ضم بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف إلى الحكومة وزيراً للمالية، من الأمور الخطرة في التعامل مع القضية الفلسطينية، فهو يؤيد الضم الكامل للمستوطنات، وصرح من قبل بأن السلطة الفلسطينية عبء على إسرائيل. وسيعمل بتسلئيل أيضاً مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الدفاع له سلطة على الوحدات العسكرية المسؤولة عن السياسة المدنية في الضفة الغربية، مما يمنحه نفوذاً غير مسبوق على السياسة المتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية.

كما كشفت هآرتس أيضاً عن مطالب حزب يهدوت هتوراة التي قدمها أثناء التفاوض مع نتنياهو، والتي يمكنها إثارة عاصفة من الجدل في الشارع الإسرائيلي. وتتعلق هذه المطالب بقطع الكهرباء أيام السبت، وتوسيع الشواطئ التي تفصل بين الجنسين، واتخاذ تدابير مهمة للردع ضد العبادة غير الأرثوذكسية في حائط المبكى. كذلك إصراره على إصدار قانون يعفي الرجال الحريديم (اليهود الأصوليون) من الخدمة العسكرية، مما سوف يثير بالتأكيد غضب الإسرائيليين العلمانيين، بمن فيهم ناخبو الليكود، الملزمين بموجب القانون بإرسال أبنائهم وبناتهم إلى الجيش في سن 18 عاماً. فضلاً عن مناهضة حقوق المرأة في التمثيل النيابي، وإضفاء طابع متشدد على مناهج اليهودية الأكثر تسامحاً في المدارس، والتشدد ضد المثلية الجنسية. (Haaretz, 25 December).

ويرى محللون إسرائيليون أن تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو مدعومة من اليمين المتشدد سيعمق الفجوة بين تل أبيب واليهود الأمريكيين. فعلى حد قول الحاخام والمحلل الإسرائيلي إلحنان ميلر في تصريحه لوكالة الأناضول، فإن التحرك نحو اليمين في السنوات الماضية في إسرائيل خلق نوعاً من الفرقة بين يهود إسرائيل ويهود الولايات المتحدة. ولفت إلى أن اليهود الأمريكيين في معظمهم ليبراليون ويحسبون على المعسكر الليبرالي المتقدم واليساري في السياسة الداخلية الأمريكية، وهذا يخلق نوعاً من الفجوة بينهم وبين أقربائهم بإسرائيل. (الأناضول، 29 نوفمبر 2022).

إن المخاوف لدى اليهود الأمريكيين تتعلق بإمكانية التجنيس في إسرائيل، فاليوم توجد إمكانية للتجنيس التلقائي حال وجود جد أو جدة يهودية لمقدم الطلب، ولكن الأحزاب اليمينية هددت بتغيير هذه القوانين واعتبار أن اليهودي هو فقط من له أم أو أب يهودي. وهذا من شأنه أن يقلل عدد اليهود الحاليين الذين يمكنهم التقدم بطلبات الحصول على جنسية. وهذه الفئة لا يعتبرون يهوداً حسب الشريعة اليهودية، ولكن إسرائيل تعتبرهم يهوداً لأغراض التجنيس، وهو ما يتسبب بقلق كبير لدى يهود الولايات المتحدة. (TRT, 1 December 2022).

وأشارت تقارير في نوفمبر الماضي إلى أن الغالبية العظمى من ائتلاف نتنياهو اليميني تعارض حل الدولتين، وتؤيد ضم الضفة الغربية، وتطالب القوات الإسرائيلية برد أقوى من قبل على الهجمات الفلسطينية المسلحة. وقد صرح وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ بأن السلطة الفلسطينية تريد أن ترى ما إذا كان هناك شريك في إسرائيل مستعد لاستئناف محادثات السلام. وأشار إلى أنه إذا لم يكن هناك مثل هذا الشريك، فسوف تدخل المفاوضات إلى مرحلة جديدة. (الحرة، 3 نوفمبر 2022).

أسس اتفاق نتنياهو مع الأحزاب اليمينية

كان اتفاق نتنياهو مع أحزاب اليمين الإسرائيلي قبل تشكيل وزارته يتمحور حول العديد من النقاط الرئيسة، كشفها الباحث السياسي الإسرائيلي باراك رافيد، الذي أوضح أن اتفاقيات الائتلاف تنص على أن "للشعب اليهودي حق حصري على كل الأرض"، أي بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. وأن "رئيس الوزراء سيعزز سياسة فرض السيادة على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) مع مراعاة التوقيت والمصالح الدولية لإسرائيل".

أيضاً تضع الاتفاقات الائتلافية خططاً مفصلة للسيطرة على أجزاء أخرى من الضفة الغربية، بما في ذلك إعطاء الأولوية لبناء المستوطنات، وهي خطوات تجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية. كما ينص قسم السياسة الخارجية منها على أن الحكومة ستعمل على تعميق التعاون مع دول الاتفاقيات الإبراهيمية، التي أدت إلى التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وأنها ستحاول الترويج لاتفاقيات سلام جديدة من أجل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. والعمل على سن إجراءات للإعفاء من التأشيرة مع الولايات المتحدة.

واشترط الائتلاف على نتنياهو تعيين نائب الليكود إيلي كوهين في منصب وزير الخارجية، لمدة عام واحد، ثم يتناوب مع عضو الليكود يسرائيل كاتس الذي تم تعيينه حالياً وزيراً للطاقة. كما اتفق نتنياهو مع الائتلاف على تعيين رون ديرمر، المقرب منه، والسفير السابق في الولايات المتحدة، وزيراً للشؤون الاستراتيجية. ومن المتوقع أن يكون الشخص الرئيس في التعامل مع واشنطن، والمسؤول أيضاً عن قيادة الجهود الرامية إلى التطبيع مع المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاق تم تعيين صديق نتنياهو المقرب ياريف ليفين وزيراً للعدل. كذلك تعيينه لتساحي هنغبي مستشاراً للأمن القومي، والذي يتسم بالتشدد تجاه إيران. وقد صرح مؤخراً إن نتنياهو من المرجح أن يأمر بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال فترة رئاسته للوزراء.

يذكر رافيد أيضاً أن الائتلاف قرر تخصيص 500 مليون دولار لما أطلق عليه "تعزيز الهوية اليهودية"، ويعني ذلك من وجهة نظر اليمين العمل على "التلقين الديني الأرثوذكسي في إسرائيل". ومن المتوقع أن تصدر الحكومة الجديدة قانوناً يجعل دراسة التوراة قيمة مساوية للخدمة العسكرية، مما سيسمح للحكومة لأول مرة بإقرار قانون يعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة في الجيش. (Axios, 29 December).

خاتمة

على الرغم من اعتماده على الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، تعهد نتنياهو خلال مقابلته مع قناة "NBC" بعدم السماح بتغيير القوانين. وأن الوضع الراهن بشأن الدين والدولة سيتم الحفاظ عليه. لكنه في الوقت ذاته قدم تعهدات في اتفاقيات الائتلاف تقول عكس ذلك. ودلل البعض على صدق نياته، وأنه ربما وافق على شروط الائتلاف لضمان وصوله إلى مقعده، بأن عضو الليكود أمير أوحانا أدى اليمين رئيساً للكنيست، وهو أول رجل مثلي الجنس يخدم في هذا الموقع المهم، وقد ألقى زعماء اليمين قسم مناصبهم بدورهم أمامه دون أي اعتراضات أو تحفظات. يذكر نتنياهو أن ذلك إشارة إلى أن الحكومة الجديدة لن تكون متشددة دينياً للدرجة التي يخشاها البعض.

وربما تكون تلك الاتفاقيات غير ملزمة قانوناً، ويمكن لنتنياهو مراجعتها بعد استقراره في منصبه، لكنها في الوقت نفسه تشير إلى سياسات متشددة محافظة قد تتخذها الحكومة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وبناءً على ذلك، إذا التزم نتنياهو باتفاقه مع الأحزاب اليمينية، فمن المتوقع أن يتخذ خطوات نحو ضم الضفة الغربية. وقد يتم تأجيل تلك الخطوة حتى تنتهي الانتخابات الأمريكية المقبلة في عام 2024 إذا فاز جمهوري بمقعد الرئاسة في البيت الأبيض، نظراً لمعارضة بايدن لتلك الخطوة.

وهكذا نجد أن اتفاق الائتلاف مع نتنياهو إذا تم تنفيذه فسوف ينتهج سياسات غير مسبوقة، من شأنها أن تمنح المزيد من السلطة للمؤسسات الدينية، فتتضرر حقوق غير اليهود والنساء ومجتمعات المثليين والمتحولين جنسياً، وحتى المناهج الدراسية، والعلاقات مع يهود الولايات المتحدة. 

33