مقالات تحليلية

تجييش الشارع السوداني ومخاوف من انقسام قبلي وحرب أهلية

10-Jul-2023

في 27 يونيو الماضي أطلق رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان نداءً للشباب في السودان لحمل السلاح أو الانضمام للجيش للدفاع عن بلادهم ضد ما قال: (إنها أطماع تُهدد وجودها).

قال البرهان في خطاب بمناسبة عيد الأضحى بثه تلفزيون السودان: (إن حجم المؤامرة يتطلب من الجميع اليقظة والاستعداد للتصدي للمهددات الوجودية لدولتنا، ولذلك نطلب من جميع شباب بلادي وكل من يستطيع الدفاع أن لا يتردد أو يتأخر في أن يقوم بهذا الدور أو بالانضمام للوحدات العسكرية لنيل شرف الدفاع عن بقاء الدولة السودانية التي تداعت عليها المؤامرات داخلياً وخارجياً).

 اختلفت الآراء وتباينت ردود الفعل حول دعوة القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان الشباب للقتال في صفوف الجيش، وفيما وجد الإعلان عن التعبئة العامة والاستنفار تأييداً من قبل المساندين للجيش والداعين لاستمرار الحرب خاصة الإخوان المسلمين، فسر آخرون الخطوة بأنها تعكس مدى نقص المقاتلين في الجيش واستشعاره ضعف مقدراته وضرورة سد الثُغرات التي لازمته منذ بداية الحرب.

فقبل اعلان الاستنفار العام، طالب مناصر لتجييش الشارع بالتعبئة العامة واستنفار قوات الاحتياط، فمشاركة المواطنين المنظمة وقوات الاحتياط في العمليات الحربية المعقدة بحكم الجغرافيا وطبيعة العدو وتنوع العمليات الضرورية يفترض ان يكون جزء من الترتيبات والخطط العملياتية لخوض المعارك، إذ ان تلك المشاركة تلعب دوراً محورياً مسانداً للقوات المسلحة وتقوم ببعض المهام التي تحتاج الي كثير من المرونة وتجاوز القواعد النظامية للعمليات، (الفاتح شبو، الرواية الأولى، 23 يونيو 2023) 

أما الباحث في مجال العلوم السياسية محمد خليفة صديق، يقول: إن "مناداة الشباب لحمل السلاح غير مناسبة سواء من ناحية التوقيت أو المضمون، فالجيش كان في البداية يرفض هذه الدعوة لعلمه أن معظم الشباب غير مستعد للقتال المباشر في ساحة العمليات، بخاصة أن الحرب الدائرة الآن في البلاد بين جيشين لديهما قدرات عسكرية كبيرة، بالتالي لا يمكن الزج بهؤلاء الشباب في مثل هذا الصراع الدموي الذي يتطلب معرفة تامة باستخدام السلاح والنواحي التكتيكية والقتالية"، (اندبندنت عربية، 5 يوليو 2023).

 فماذا يعني تحشيد البرهان الشباب للحرب، وماهي ردود الأفعال المنتظرة، وما دور الإسلاميين في الاستنفار والآثار الخطيرة التي يخلقها؟

الإخوان يؤيدون بشدة

منذ اليوم الأول للحرب (15 أبريل) ظلت عقيرة الاتهامات ترفع رأسها نحو الإخوان المسلمين بالسودان مشيرة بأنهم من أشعل الفتنة وكانوا وراء إطلاق صافرة المعارك بعد أن دبروا مكيدة بواسطة عناصرهم في الجيش لتقوم بدورها بمهاجمة الدعم السريع في معسكره بالقرب من المدينة الرياضية، وذلك لقطع لقاء بين الجنرالين (البرهان – حميدتي) كان من المفترض أن يلتئم في ذات اليوم لتجاوز النقاط الخلافية حول عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

والإخوان لديهم وجود مقدر داخل الجيش بحكم أنهم عملوا على اختراق المؤسسة العسكرية منذ العام 1978 في إطار خطتهم العشرية للاستيلاء على السلطة بالانقلاب، ولقد حدث ذلك بالفعل في العام 1989، وما أن آلت لهم مقاليد الأمور والسيطرة على السودان حتى وضع عرابهم الدكتور حسن الترابي خطة لتمكين عناصره داخل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية.

  بعد سقوط عمر البشير في العام 2019 بثورة شعبية حاول الإخوان الصعود مرة أخرى إلى سدة الحكم وفي كل محاولاتهم كان الجيش (حصان طروادتهم) ، ولكن بعد انقلاب (البرهان وحميدتي) على الحكومة المدنية برئاسة دكتور عبدالله حمدوك في 25 اكتوبر 2022م ، رفض حميدتي تعيين حكومة قوامها الإخوان ، ومنذ ذلك الوقت نشبت خلافات بينه وقادة الجيش من جهة والإخوان من جهة أخرى ، زاد حدة هذه الخلافات انحيازه للاتفاق الإطاري الذي وقعه هو والبرهان مع قوى سياسية مدنية ، وبعد أن فشل الإخوان في قطع الطريق على الاتفاق الإطاري لم يجدُ سبيلاً غير إشعال الحرب وكانوا يعتقدون أن الخلاص على الدعم السريع لا يحتاج لأكثر من 4 ساعات.

بدأ الإخوان التعامل مع الجيش بالتنسيق والإسناد الإعلامي وما أن تصاعدت وتيرة المعارك وطال أمدها ولم يوف العسكريون بالآجال التي قطعوها لإنهاء التمرد، بل سيطرة قوات الدعم السريع على 70% من ولاية الخرطوم عاصمة السودان حتى انخرط الإخوان مقاتلين في صفوف الجيش تحت لافتة (لواء البراء بن مالك) ليتم توزيعهم في سلاح المدرعات والسلاح الطبي لحراسة البشير كما أشارت بعض المصادر.

وفي تقرير نشرته وكالة رويترز في 28 يونيو الماضي قال إسلامي يقاتل إلى جانب الجيش: (نحن نقاتل وندعم الجيش لحماية بلادنا من التدخل الخارجي والحفاظ على هويتنا وديننا)، وقال حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق الذي يتزعمه البشير في بيان إنه لا علاقة له بالقتال وإنه يدعم الجيش فقط سياسياً. 

 في وقت سابق اتهم الجيش قوات الدعم السريع بالترويج للإسلاميين والموالين للنظام السابق في صفوفهم العليا، وهو ما نفته قوات الدعم السريع.   وبالرغم من نفى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي يرى المحللون أنه رجل جيش غير أيديولوجي (بحسب رويترز)، بالرغم من نفيه المزاعم بأن الإسلاميين يساعدون قواته وتساؤله “أين هم؟” صارخاً ليهتف الجنود في شريط فيديو نُشر في مايو بعد وجودهم، إلا أن الوقائع كذبت ذلك عندما نعى رئيس الإخوان علي كرتي عبر لافتتهم (الحركة الإسلامية) محمد الفضل نجل أخ وزير الخارجية السابق الإخواني مصطفى إسماعيل والمقاتل في صفوف (داعش)، كما قتل في معارك الثالث من يوليو الحالي عمار عبدالقادر محنن أمير مجاهدي (الحركة الإسلامية) اللذين يقاتلون مع الجيش.

 في المقابل لم يسمِ البرهان مسؤول الاستنفار بعد، أما الإخوان فسموا محمد أحمد حاج ماجد مدير منظمة الشهيد مسؤولاً ليُرسل بدوره عدداً من الوفود للتعبئة والاستنفار وحتى الآن معظم الذين حملوا السلاح يقاتلون مع الجيش هم الإخوان، وبذلك أصبحت مشاركتهم في الحرب لا تحتاج لدليل دامغ لإثباتها وإن ألبسوها ثوب الوطنية.

ووفق العرب اللندنية من المتوقع أن يلجأ الجيش إلى تنظيم بعض منتسبي الحركة الإسلامية في صورة مجموعات قتالية بشكل غير علني، فالجيش لا يريد منح قوات الدعم السريع فرصة لتأكيد روايتها التي تفيد بأن الصراع ضد إسلاميين يدعمهم الجيش ويحركهم، ولذلك يريد البرهان توظيف ورقة الإسلاميين سياسيا وعسكريا كأفضل ما يكون التوظيف دون استعداء سافر لبعض الدول الإقليمية أو تحويل الصراع من نزاع عسكري إلى صراع ديني، (صحيفة العرب، 7 يوليو 2023).


الشباب منقسمون

 انقسم الشباب القادرين على السلاح إزاء دعوة البرهان إلى مجموعتين، الأولى اعلنت رفضها بشدة خاصة المنتمين للجان المقاومة التي أسقطت نظام البشير، مشيرين إلى أن البرهان لم يحمهم، بل تآمر مع الدعم السريع لتصفيتهم أمام القيادة العامة للجيش فيما عرف بمجزرة فض الاعتصام، فضلاً عن أن مهمة الجيش هي حماية الشعب وليس القتال معه وتساءلوا كيف يستطيع البرهان جمع السلاح مجدداً بعد توزيعه على الشباب بالأحياء؟ معتبرين ذلك الفوضى بعينها والتي ستمهد الطريق لانزلاق البلاد في أتون الحرب الأهلية الشاملة.

  هذا لا يعني أن دعوة البرهان مرفوضة فهناك من يؤيدها من الشباب غير المنتمين للإخوان خاصة وأنها جاءت بعد إلحاح من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي منهم (الإنصرافي – غالب طيفور)، وكان (الإنصرافي) دعا لجمعة غضب احتجاجاً على اغتصاب قوات الدعم السريع للنساء بعد بث (فيديو) يشير إلى ذلك، نفته قوات الدعم ووصفته بالمفبرك، ومع ذلك من الواضح حتى الآن أن التأييد معنوي وليس هناك انعطافا كبيراً بانضمام الشباب للجيش للمقاتلة في صفوفه، وما زالت الاستجابة الأكبر لعناصر الإخوان.

حرب الأهلية

 لعل أول التداعيات السالبة لإعلان التعبئة والاستنفار، هو إعلان المجموعات العربية وقبيلة الفلاتة بولاية جنوب دارفور الاثنين 3 يوليو الحالي، دعمها وتأييدها لقوات الدّعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني وحثها لأبنائها في القوات المسلحة على الانضمام للدّعم السريع.

وسبق أن أعلنت عدد من القوى الدينية والقبلية في السودان عن دعمها للجيش السوداني إلا انها لم تعلن عن حشد أبنائها في القتال إلى جانب الدعم السريع. وقال بيان مُشترك للقبائل العربية بولاية جنوب دارفور وقبيلة الفلاتة: (نُعلن دعمنا لقوات الدّعم السريع في معركتها الحالية تحقيقا لإرادة الشعب السوداني وتطلعه للحكم المدني الديمقراطي، كما ندعو أبنائنا في الجيش الانضمام للدعم السريع والوقوف معهم).

 ووقع على البيان كل من التوم الهادي عيسي دبكة ناظر عموم قبيلة البني هلبة وهو قيادي بارز في حزب المؤتمر الوطني “المحلول”، ومحمد يعقوب إبراهيم ناظر قبيلة الترجم وهو عضو وفد حكومي في مفاوضات ابوجا 2006.

كما وقع عليه ناظر الهبانية علي يوسف إبراهيم، ومحمد الفاتح أحمد السماني ناظر قبيلة الفلاتة، علاوة على التجاني محمد عثمان ناظر المسيرية، ومحمود عبد الرحمن ناظر التعايشة، بجانب الأمير علي حسين ضي النور أمير قبيلة الرزيقات بولاية جنوب دارفور. وكانت قبيلة بني جرار بولاية النيل الأبيض بايعت الجيش وأعلنت عن استعدادها لدفع بـ(20) ألف من أبنائها للمقاتلة في صفوفه.

لذلك يتخوف مراقبون من أن تفتح هذه الخطوة الباب على مصراعيه أمام حرب أهلية شاملة خاصة مع إعلان الجيش البدء في استيعاب المتطوعين للالتحاق بصفوفه لمقاتلة الدعم السريع.


خلاصات:

  يتخوف السودانيون منذ اندلاع حرب الخرطوم، بين الجيش وقوات الدعم السريع، في الخامس عشر من أبريل المنصرم، واتساع رقعتها إلى إقليم دارفور الملتهب منذ العام ٢٠٠٣، من نشوب حرب أهلية شاملة، ومع استمرار القتال بين الطرفين، وغياب أفق الحل، وضعف رغبة المجتمع الدولي في التدخل لوقف نزيف الدم السوداني فإن الواقع ليس ببعيد من مسألة الحرب الأهلية.

المحلل عبدالمنعم الزين يقول من خلال إفادة في تقرير نشرته (اندبندنت عربية) في 29 يونيو الماضي حول دعوة البرهان للشباب بحمل السلاح: (إن فداحة حجم الخسائر البشرية والمادية المتزايدة كل يوم في هذه الحرب، والتي تجاوزت حدوداً غير متوقعة مع إطالة أمد الحرب، خلفت انطباعاً لدى المواطنين المحاصرين داخل المنازل والأحياء المفتقدين إلى الحماية اللازمة، بأن الجيش لا يأبه لما يتعرضون له من ترويع ونهب بقوة السلاح داخل أحيائهم ومنازلهم، فهم يشعرون بأنهم المكتوون بنار هذه الحرب المؤذية، ويرون العاصمة كلها تنهب ولا يشعرون بأن هناك جهة تتصدى لحمايتهم) وبالتالي حاول الجيش الاستفادة من نار الحرب الساخنة لدعمه وإعادة ثقة المواطنين في مقدرته على حمايتهم. لذلك يكمن حل الأزمة السودانية المتفاقمة في التفاوض، لأن المزايدة والإصرار على الحرب تعني مزيد من الدمار وصعوبة الوصول إلى الدولة المدنية.




48