أطلقت إيران ما
يقرب من 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل في الأول من أكتوبر. وأعلن الجيش
الإسرائيلي إن معظم المقذوفات تم اعتراضها. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، حيث قال رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن طهران ارتكبت خطأ كبيرا وستدفع ثمنه. وأن
بلاده ستستمع إلى نصائح الولايات المتحدة لكنها ستتخذ القرارات النهائية بناء على
مصلحتها الوطنية. وقد أبلغ الرئيس بايدن
خلال مكالمة هاتفية نقلت وقائعها واشنطن بوست أنه على استعداد لاستهداف مواقع
عسكرية في إيران، لكنه لن يستهدف منشآت نووية أو نفطية.
لم تعلن
إسرائيل رسميا متي وكيف تنوي الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني الثاني خلال ستة
أشهر، لكن وزير الدفاع يوآف غالانت قال في وسائل إعلام إسرائيلية إن الرد سيكون
"قاتلا ودقيقا ومفاجئا قبل كل شيء.. لن يفهموا ما حدث وكيف حدث، سيرون
النتائج".
دعم أميركي
للموقف الإسرائيلي
تتمتع إسرائيل
بدعم دبلوماسي وعسكري قوي من الولايات المتحدة، التي حذرت إيران من تصعيد الصراع
أكثر من ذلك. هذا الدعم، إلى جانب القوة العسكرية الإسرائيلية، يمكن أن يجعل طهران
حذرة من المبالغة في رد الفعل على الضربة العسكرية المحتملة ضدها من إسرائيل.
قال محللون إن
ضرب منشآت النفط الإيرانية قد يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع، وبالتالي تؤثر على استطلاعات
الرأي، التي تشير حاليا إلى سباق متقارب بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس
السابق دونالد ترامب. وقد ارتفع سعر
النفط الخام بالفعل بنسبة 5٪ في بداية شهر أكتوبر بعد أن تحدث بايدن عن إمكانية
توجيه ضربة إسرائيلية للبنية التحتية النفطية الإيرانية.
يبدو أن الولايات المتحدة لا تدعم أي ضربة محتملة على
المواقع النووية الإيرانية، وهو مسار عمل روج له البعض في إسرائيل، بما في ذلك
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت. وفي الوقت نفسه، قالت واشنطن إنها
ستساعد في تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية، من خلال نشر نظام ثاد المضاد
للصواريخ الباليستية (BBC News: 15 October 2024)، تلك المنظومة التي قد تغير وجه الحرب. وقد أعلن المتحدث باسم
وزارة الدفاع الأميركية بات رايدر وصول الفريق الأميركي مع المكونات الأولية
لتشغيل بطارية ثاد الدفاعية إلى إسرائيل (الأهرام: 15
أكتوبر 2024)، مما يدل على أن إسرائيل قد استقرت على خطة وتوقيت، لكنها لم
تعلنهما بعد.
وهكذا على الرغم
من التوترات العلنية، فإن كافة المعطيات تؤكد أن إسرائيل لا تزال تحتفظ بدعم
حليفتها الأقوى في الدفاع عن أراضيها. ولا تزال إيران تنتظر الرد الذي وعد القادة
الإسرائيليون بأنه سيكون قويا. والواقع أن الجمهورية الإسلامية أصبح لديها ما يكفي
من الأسباب للشعور بالتوتر.
توتر إيراني واضح
غردت وزارة
الخارجية الإيرانية في 12 أكتوبر الجاري، أن وزير خارجية البلاد عباس عراقجي أرسل
إلى نظرائه في جميع أنحاء العالم رسالة جاء فيها "هناك حاجة إلى جهود
دبلوماسية جماعية لوقف اعتداءات وجرائم النظام الصهيوني".
يبدو أن ذلك
دعا المصادر والخبراء في تصريحات مختلفة لصحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست
وغيرها على مدار الأيام الماضية إلى استخدام كلمات مثل "متوتر"
و"قلق" عند وصف المزاج الحالي في طهران، بينما تنتظر البلاد رد إسرائيل
على هجومها الصاروخي في الأول من أكتوبر، وإذا كان الإيرانيون متوترين بالفعل، فقد
يكون ذلك علامة جيدة لإسرائيل.
بطبيعة الحال لدى
طهران أسباب وجيهة للتوتر، فقد تلقت الوكيلتان الإيرانيتان المتاخمتان لإسرائيل
ضربات هائلة. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، منذ الهجوم الأول ضد إسرائيل في إبريل،
اغتيل زعيم حماس إسماعيل هنية في يوليو في طهران نفسها، كما قُتل زعيم حزب الله
حسن نصر الله وخليفته في غارتين على بيروت، وسبق ذلك الهجوم على أجهزة الاتصالات
في سبتمبر، الذي شهد انفجار آلاف من أجهزة النداء الإلكترونية التابعة لأعضاء حزب
الله في وقت واحد في جميع أنحاء لبنان، ما أدى إلى إصابة مئات من قادته.
تروج الصحف
الإسرائيلية فكرة أن العمق الذي يمكن لإسرائيل أن تضرب به إيران دفع المرشد الأعلى
الإيراني آية الله خامنئي إلى قضاء بعض الوقت تحت الأرض خوفا من أن يكون التالي
على قائمة إسرائيل للأهداف (Time
of Israel: 13 October 2024).
ومع إعلان
البنتاغون نشر منظومة ثاد، ظهر توتر إيران في تهديد وزير خارجيتها بشكل غير مباشر للقوات
الأميركية التي قد تديرها في إسرائيل. وكتب على منصة X يوم 13 أكتوبر: "كانت الولايات المتحدة تسلم كمية ضخمة من
الأسلحة لإسرائيل. وهي الآن تعرض حياة قواتها للخطر من خلال إعلانها نشر وتشغيل
أنظمة صواريخها. بينما بذلنا جهودا هائلة في الأيام الأخيرة لاحتواء حرب شاملة في
منطقتنا، أقول بوضوح الآن أنه ليس لدينا خطوط حمراء في الدفاع عن شعبنا
ومصالحنا".
كل هذا يضع
إيران في موقف حساس. في حين تسعى إلى تعزيز قواتها بالوكالة في المنطقة، فهي حذرة
بشأن استفزاز انتقام إسرائيلي واسع النطاق، وتحاول إدارة الصراع بالتصريحات
والتهديدات وحث واشنطن على عدم التدخل. في اعتقادنا أنها أيضا ستبحث عن وسيط يمكنه
النجاح في تهدئة الموقف وعدم الوصول إلى حرب كبرى. إن القدرات العسكرية المتفوقة
لإسرائيل، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة، ووحدات الحرب السيبرانية،
والعمليات الاستخباراتية، تمنحها ميزة كبيرة في أي مواجهة مباشرة، وهو بالتأكيد ما
تخشاه إيران.
طبيعة الرد
الإسرائيلي المحتمل
المحرر السياسي
لصحيفة جيروزالم بوست يوناه جيريمي بوب يرى أنه من غير المتوقع أن تهاجم إسرائيل
البرنامج النووي الإيراني، لكنها قد تركز بدلا من ذلك على أنواع مختلفة من القواعد
العسكرية ومواقع الاستخبارات. وعلاوة على
ذلك، من الواضح حسب تصريحات مسئولي إسرائيل أن الهجوم سيكون أكثر أهمية بكثير من
ردها الضيق في 19 إبريل، عندما أضرت بنظام الصواريخ المضادة للطائرات S-300 الإيراني (Jerusalem Post: 14 October 2024).
على الرغم من
طرح فكرة أن السياق الحالي قد يكون فرصة مرة واحدة كل 50 عاما لمهاجمة المنشآت
النووية الإيرانية، أشارت كافة المصادر إلى أن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني لن
تكون بالضرورة متسقة مع أهداف الحرب كما حددها مجلس الوزراء الأمني. لكن كافة المعطيات تشير إلى أن الرد الإسرائيلي
المحتمل على إيران قد يتضمن استهداف البنية التحتية العسكرية والطاقة، أو حتى
اغتيال بعض المسؤولين الإيرانيين البارزين.
ومع استبعاد قصف
المنشآت النووية وتأكيد إسرائيل على ذلك، لكن سيد رضا صدر الحسيني الخبير في قضايا
غرب آسيا، قال لوكالة شينخوا الصينية، إن إسرائيل قد تهاجم المنشآت النووية
بالفعل، إضافة إلى البنية التحتية النفطية وبعض المراكز العسكرية واغتيال
المسؤولين الإيرانيين المشاركين في المجالات العسكرية والأمنية والدفاعية التي
أضرت بها. توقع الحسيني
أيضا أنه في حال قيام إسرائيل بضرب إحدى محطات الطاقة الإيرانية، فقد يؤدي ذلك فقط
إلى انقطاع التيار الكهربائي لعدة ساعات في البلاد، لكن ذلك لن يستمر طويلا بسبب
شبكة الكهرباء الوطنية التي تضم العديد من مراكز توليد الطاقة. وأن إيران اتخذت كل
الاستعدادات الضرورية والممكنة للهجوم الإسرائيلي المحتمل، بتعزيز دفاعاتها الجوية
في المناطق الرئيسية، وبالتالي إذا اتخذت تل أبيب أي إجراء، فإن طهران ستوجه لها
ضربة قاسية.
لكن حسن بهشتي
بور، خبير الشؤون الدولية المقيم في طهران، أكد لشينخوا أن إسرائيل ربما تفكر في
بدائل مختلفة، لكنها لن تتنازل وستتخذ أي إجراء لتحقيق أهدافها. وربما كان التأخير في الرد يرجع إلى
انتظارها استلام منظومة ثاد الأميركية الدفاعية أولا. وعلى غرار الحسيني، يعتقد بهشتي أيضا أن إيران مستعدة إذا أدت التطورات
الأخيرة إلى حرب شاملة (Xinhua: 15 October 2024).
قسم فرانك جاردنر المحرر السياسي لشبكة بي بي سي خيارات العملية
الإسرائيلية المحتملة، التي من المؤكد أنها ستكون بمساعدة
الاستخبارات الأميركية عبر الأقمار الصناعية وعملاء الموساد على الأرض في إيران، إلى
ثلاث فئات:
الفئة الأولى: استهداف الجيش
التقليدي، بتوجيه ضربات مركزة على القواعد التي أطلقت منها إيران صواريخها
الباليستية. ما يعني قصف منصات الإطلاق ومراكز القيادة والتحكم وخزانات التزود
بالوقود ومخابئ التخزين. إضافة إلى الهجوم على قواعد تابعة للحرس الثوري الإيراني،
فضلا عن بطاريات الدفاعات الجوية والصواريخ الأخرى. بل وقد تحاول اغتيال أفراد
رئيسيين متورطين في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني بواسطة عملائها على
الأرض، أو بضربات جوية لمواقعهم.
الفئة الثانية: استهداف الاقتصاد،
بقصف الأصول الحكومية الأكثر ضعفا في إيران، مثل مصانع البتروكيماويات، وتوليد
الطاقة، وربما مصالح الشحن. وهذه الخطوة ستؤدي في النهاية إلى إيذاء حياة الناس
العاديين، وسيكون أثرها أكبر بكثير من أي هجوم على الجيش.
الفئة الثالثة: قصف أهداف نووية،
وهو أمر مهم بالنسبة لإسرائيل، خاصة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثبتت أن
إيران تخصب اليورانيوم بما يتجاوز بكثير نسبة 20٪ اللازمة للطاقة النووية المدنية.
وتشتبه تل أبيب وغيرها، في أن طهران تحاول الوصول إلى "نقطة الانطلاق"
حيث تكون في غضون فترة زمنية قصيرة للغاية قادرة على صنع قنبلة نووية. وتشمل
المواقع التي قد تستهدف مركز البرنامج النووي العسكري الإيراني في بارشين،
ومفاعلات الأبحاث في طهران وبوناب ورامسار، فضلا عن المنشآت الكبرى في بوشهر ونطنز
وأصفهان وفردوي (BBC News: 2 October 2024).
وفي الوقت
نفسه، ذكر تقرير لشبكة إن بي سي أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن إسرائيل قد
ضيقت الأهداف في ردها المحتمل، وستهدف إلى ضرب البنية التحتية العسكرية والطاقة
فقط. وأكد على أن تل أبيب لم تتخذ قرارات نهائية بشأن كيفية ومتى ستتصرف (NBC: 12 October 2024).
تحليل الموقف
أصبح الشرق
الأوسط على شفا حرب عميقة ومدمرة مرة أخرى بين طرفين يتواجهان منذ أكثر من أربعة
عقود، لكننا نشهد الآن واحدة من أكثر اللحظات خطورة على المنطقة بأسرها، نظرا
لتطور التسليح والتقنيات عما كانت عليه من قبل.
لقد وضع احتمال
اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران المنطقة على حافة الهاوية، حيث تدعم إيران
شبكة من الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما يشدد الحزام حول إسرائيل،
التي انخرطت منذ أكثر من عام في معركة مع الجماعات المدعومة من إيران، حماس في غزة
وحزب الله في لبنان، وأخيرا جماعة الحوثي في اليمن.
وبطبيعة الحال،
سوف يتضمن جزء كبير من حسابات تل أبيب محاولة تخمين رد فعل إيران في المقابل،
وكيفية التخفيف من حدته قبل البدء في المعركة. وفي المقابل ترى إيران أن الحساب قد
حسم بعد إطلاق صواريخها على إسرائيل، ولا داعي للتصعيد أكثر من ذلك، لأن أي خطة
إسرائيلية جديدة ستقابل برد غير متوقع. قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
"هذه مجرد لمحة عن قدراتنا". وعزز الحرس الثوري الإيراني هذه الرسالة
قائلا: "إذا رد النظام الصهيوني على عمليات إيران، فسوف يواجه هجمات
ساحقة".
على أية حال، نظرا
لعزم إسرائيل على مواجهة جميع أعدائها في وقت واحد، في لبنان وغزة واليمن وسوريا
وإيران، يبدو أن حكومة نتنياهو ليست في مزاج يسمح لها بالتراجع. ومن المرجح أن المخططون الإسرائيليون يناقشون الآن، ليس ما إذا كانوا سيضربون
إيران ومتى، بل مدى قوة عمليتهم العسكرية.