خلال الأيام الماضية تبارت وسائل الإعلام في كشف (كواليس) اتصال بين القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان ورئيس حزب المؤتمر السوداني المهندس عُمر الدقير. وقد انقسم الرأي إزاء الاتصال الذي تناول عدم ممانعة الجيش الانخراط بإيجابية في محادثات منبر جدة بين مؤيد ومعارض.
الدقير أوضح أن المقترح المطروح الآن هو الوصول إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار يتراوح بين 45 يوماً إلى ثلاثة أشهر ضمن شروط محددة، ووفق مراحل تدريجية تبدأ بوقف اطلاق النار وفصل بين قوات الطرفين ثم النظر في المسائل الأمنية.
وبالرغم من نفي مصدر عسكري للمهاتفة ووصفه لما راج بالشائعة، فإن عددا من المراقبين أكدوها مستدلين بتكرار البرهان الحديث عن رغبة القوات المسلحة في وقف الحرب والانخراط بإيجابية في محادثات جدة.
أثار الاتصال الجدل واسعاً خاصة من قبل الاسلاميين الذين احتفوا بالنفي العسكري، مستبعدين عودة العلاقة بين قوى الحرية والتغيير مرة أخرى، ومدللين بعودة وفد التفاوض من منبر جدة إلى الخرطوم.
موقفهم هذا كشف بأنهم من يشكلون العقبة التي ستواجه أي إتفاق لوقف إطلاق النار نسبة لوجودهم وتحركاتهم بالقطاعات العسكرية خاصة بعد إعادة الضباط الذين ينتمون إليهم للخدمة. ليبقى السؤال هل يستطيع البرهان القفز فوق نوايا الاسلاميين التي لا تعرف طريقاً غير المواصلة في الحرب التي أزهقت الأرواح ودمرت البلاد.
يتصل مع ذلك أن قيادات الحرية والتغيير انتقدت ترتيبات يجريها الإتحاد الأفريقي لعقد حوار موسع يجمع القوى السياسية في السودان، متوقع أن تشارك فيه قيادات بارزة في حزب المؤتمر الوطني (المحلول).
يقول القيادي بقوى الحرية ياسر عرمان في تصريح صحفي: (تُجرىَ إتصالات لتوحيد القوى المدنية ودعوتها لحوار وطني في مقر الإتحاد الافريقي في 25 أغسطس الجاري، في ظل غياب التحضير الكافي والمشاركة الواسعة لقوى الثورة وقوى ثورة ديسمبر بفعل ظروف الحرب).
عرمان أشار لتوجه يدعو لتأكيد مشاركة إسلاميي المؤتمر الوطني وواجهاته والقوى المعادية للإنتقال الديمقراطي في الحوار المرتقب، ورأى بأن مشاركتهم ستعيد إنتاج تجربة اجتماع سابق في الخرطوم دعت له الآلية الثلاثية وقاطعته قوى الحرية والتغيير في يونيو 2022.
يقول: أوضح بأن مشاركة قيادات حزب البشير في الحوار سيكون مكافأة للمؤتمر الوطني وحلفائه وواجهاته على حربهم في السودان وموقفهم المعادي للإيقاد والإتحاد الافريقي ومكافأتهم على عقود من نشاطهم التخريبي ضد الاستقرار في بلدان المنطقة.
أراء الكتاب والباحثين
تباينت أراء الكتاب والباحثين حول إتصال البرهان بالدقير والتحركات المحمومة للقوى السياسية السودانية بالقاهرة وبروكسل ، وبدا المحلل السياسي محمد جميل متشائماً وذكر في مقال نشر بـ(إندبندنت عربية 27 يوليو) إن الغائب حتى اليوم عن تلك النخبة السياسية السودانية، هو أنها لم تنبته حتى الآن إلى وضع الحرب في السودان والانسدادات التي أدت إليها، وبالتالي هي ورقة ضغط ستستخدمها القوى الإقليمية والدولية في خدمة مصالحها قبل كل شيء، ما يعني أن الوضع السياسي للقوى الحزبية السودانية سيكون ضعيفاً، وعليها فقط تحسين شروطه كوضع أزمة هي فيه الطرف الأضعف.
جميل أضاف: قوى الحرية والتغيير بشقيها، التي اجتمعت كلا على حدا بالقاهرة ما زالت متنافرة ولا تنطلق من رؤية واحدة أو محددات متفق عليها لهوية الوطن وطبيعة حكمه بينها، فالاختلاف بينها ليس اختلاف درجة، وإنما هو اختلاف نوعي وانقسامي على هوية الوطن ومعناه وطبيعة تصورها للسلطة فيه، إذ إن لكل واحد من طرفي الصراع السياسي في السودان سرديته المختلفة عن مفهوم الوطن والسلطة.
الكاتبة بصحيفة (الجريدة السودانية) صفاء الفحل تخوفت في مقال نشر في (27 يوليو) من الاتصال بين البرهان والدقير وصنفته في عداد السرية، ورأت أنه يذكر الشعب السوداني بما تم في مفاوضات نيفاشا، والتي كانت محصلات جولاتها التفاوضية السرية استقطاع جزء عزيز من الوطن.
ورأت صباح أنه وبعيداً عن ضعف مجموعة البرهان الظاهر في السيطرة على الأوضاع وتعنت مجموعة العطا التي ترى في الأمر (استسلام) يعني النهاية الحتمية للإسلاميين فهناك في الجانب الآخر مطالب (ثورية) لشباب المقاومة وهم صلب القضية فقد فقدوا الرفاق وما زالت المشارح مليئة بهم ولا يمكن أن يمر الأمر دون القصاص لهم وتحقيق مطالبهم في السلام والحكم المدني، وشددت على أن أي تفاوض حول إيقاف الحرب لا يصطحب هذه المطالب هو بلا قيمة لدى شباب الثورة.
أما حسن إسماعيل - وزير الإعلام في عهد الرئيس السابق عمر البشير فقد استهجن اتصال البرهان بالدقير وبث مقطع فيديو على صفحته بـ(الفيسبوك) معتبراً أن أهم تعليق كتب عن هذا الإتصال هو: أن أذن البرهان ما زالت تصغى إلى الخارج، ساخراً من نفي الإتصال من قبل مصدر عسكري ورأى أن مثل هذا الإدعاء يستدعي إصدار بيان رسمي من الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة وليس مصدراً عسكرياً.
في نفس الاتجاه، يقول الصحفي المقرب من الإسلاميين عبد الماجد عبد الحميد في مقال نشره على صفحته بفيسبوك 27 يوليو الماضي: أخيراً جداً حصل بعض الناشطين الإسفيريين من حزب الإسلاميين جناح الحركة الإسلامية ورديفها المؤتمر الوطني على نتيجة متأخرة مفادها أنهم لا يثقون في قائد الجيش البرهان، وذهبوا إلى أبعد من حاجز الثقة الذي كسروا زجاجه، إنهم الآن يعتبرون البرهان خائن ومتواطئ ضد السودان.
خلاصات:
لقد كشف الاتصال بين البرهان والدقير مدى الضغوط التي يتعرض لها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان من (الاسلاميين وأنصار النظام السابق)، وهذا يشير بوضوح إلى أن مركز القرار في الجيش غير موحد، ويعكس مدى العراقيل التي يقوم بها الاسلاميون لوقف إي مجهودات من شأنها وقف الحرب في السودان وإحلال السلام.
وإذا كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يرى أن "المدنيين هم الذين يجب أن يحددوا طريق السودان، وأن يقودوا مساراً سياسياً لإعادة العملية الانتقالية الديمقراطية وتشكيل حكومة مدنية"، فلا بديل للبرهان غير التراجع خاصة بعد فشل جولات نائبه عقار الخارجية والتي شملت دولاً أفريقية بالإضافة إلى روسيا وتركيا.
من المؤكد كذلك إذا كان البرهان يريد الإبتعاد عن الضغوط القوية المناسبة التي ستقوم بها إدارة جون بايدن لدفع العسكر إلى التخلي عن السلطة للمدنيين، فالطريق الوحيد الذي أمامه لفك الحصار والطوق الملفوف على عنقه محلياً ودولياً، أن يستبق الضغوط بالعودة إلى الحوار مع القوى السياسية الثورية .