يتواصل التصعيد بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية بعد أن شنت الحركة هجوماً غير مسبوق على إسرائيل، حيث دخل مقاتلوها إلى المستوطنات القريبة من قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل مئات السكان واحتجاز عشرات الرهائن، وعلى الرغم من أن هذا التصعيد جاء بدون سابق إنذار إلا أنه حدث في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين حيث يمكن وصف هذا العام بأنه الأكثر دموية خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين.
بتاريخ 7 أكتوبر دخل مقاتلو حركة حماس، الأراضي الإسرائيلية باستخدام الدراجات النارية والقوارب، في حين تم إطلاق وابل من آلاف الصواريخ من قطاع غزة، على إثر ذلك قامت إسرائيل بالرد على هذه الهجمات عبر شن غارات جوية على مواقع في قطاع غزة، النتيجة قتلى بين الجانبين وأسرى إسرائيليين وتدمير واسع لمعدات ومناطق عسكرية ومدنية ليعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل "في حالة حرب ".
أهداف التصعيد
على الرغم من أن هذا التصعيد ليس بجديد وخلفيته تمتد إلى عقود شهدت الكثير من جولات المعارك والصراع بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية إلا أن حجم هذا الهجوم من حيث التخطيط المدروس والنتائج الكبيرة وفي هذا التوقيت يشير إلى أن منفذي ومخططي هذا الهجوم يريدون تحقيق أهداف محددة، ومن هذه الأهداف بحسب ما هو متوقع:
تسعى حركة حماس لتحقيق نصر داخلي يمكن استخدامه لزيادة شعبيتها داخل الأوساط والشارع الفلسطيني، وهذا تبين من خلال التركيز على هذه العملية إعلامياً بكافة تفاصليها وتحديداً مشاهد أسر مقاتلي حماس للجنود الإٍسرائيليين. تستغل حماس في ذلك أن القوات الإسرائيلية ارتكبت خلال هذا العام ومنذ وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في إسرائيل انتهاكات وهجمات عديدة على الفلسطينيين والمقدسات في الأراضي الفلسطينية كالمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف بالإضافة لتشديد الحصار، وهذا ما يمنح هجمات حماس نوع من التأييد الشعبي، حيث ينظر إلى هذه الهجمات على أنها انتقام فلسطيني.
بالإضافة إلى ذلك فإن حماس ومنذ الساعات الأولى بعد تنفيذ هذه العملية وأسر العديد من الإسرائيليين بدأت بالترويج بأنه سيتم استخدام هؤلاء الأسرى لمقايضتهم مع إسرائيل وإطلاق سراح نحو 4500 فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية - وهي قضية مثيرة للمشاعر للغاية بالنسبة لجميع الفلسطينيين.
تريد حماس من خلال ذلك التعويض عن حالة الضعف التي عانت منها خلال الفترة الماضية وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية، حيث لم تتمكن من إعادة علاقاتها مع الدولة السورية بشكل حقيقي إذ رفضت دمشق بحسب تقارير عديدة افتتاح مكاتب الحركة مجدداً على الرغم من استقبال الرئيس السوري بشار الأسد لقادة الحركة، بالإضافة إلى الحديث عن برود العلاقة بين تركيا وقادة حماس على خلفية تقليص أنقرة لتعاونها مع الأحزاب والقوى التابعة للإخوان المسلمين. بالإضافة إلى أن الفصائل الفلسطينية جميعها ترى في تقدم مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل تهديداً لها ويؤدي لضعف موقفها.
لم يكن التاريخ الذي اختارته حماس لهجومها على اسرائيل من قبيل الصدفة: فقد مرت خمسون عامًا تقريبًا على اليوم الذي انقضى منذ اندلاع حرب أكتوبر، المعروفة باسم حرب يوم الغفران في إسرائيل. سعى الحجم غير المسبوق لهجوم الحركة الفلسطينية على أهداف مدنية وعسكرية يوم السبت 7 أكتوبر، إلى إعادة خلط الأوراق في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على غرار الهجوم الذي شنه الرئيس المصري أنور السادات في 7 أكتوبر 1973. وهزت ميزان القوى العربي الإسرائيلي (لوموند – 8 أكتوبر 2023).
انعكاسات التصعيد
على الرغم من أن انعكاسات هذا التصعيد ستعود على مختلف دول المنطقة إلا أن هناك دول محددة هي الأكثر تضرراً وخاصة المجاورة للأراضي الفلسطينية.
من أكثر هذه الدول تأثراً، هي لبنان والتي سرعان ما تم ربطها بالتصعيد إذ تتهم إسرائيل حزب الله بدعم حركة حماس وفي حال تطور هذا التصعيد والتحول إلى مواجهة كبيرة فإنه لا يستبعد أن ينجر حزب الله إلى المشاركة في هذه المواجهة وخاصة إنه وخلال الأشهر الماضية تزايد التوتر بين حزب الله والقوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، كما أن التأثير المتوقع لن يكون عسكرياً وإنما سياسياً، ففي ظل هذا التوتر والتصعيد فإن حزب الله من المتوقع أن يتشدد بشأن الأزمة السياسية في البلاد ويعرقل أي تقدم يخالف مصالحه.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين مقربان من "حزب الله"، ومصدر أمني لبناني، بتاريخ 9 أكتوبر أن "أحد عناصر حزب الله قُتل في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان اليوم الاثنين".
وفيما يتعلق بالتصعيد، فإن الطرف الذي يجب مراقبته عن كثب هو حزب الله. وإذا ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين، فسوف يستسلم حزب الله لإغراء الانضمام إلى المعركة. فلديهم 150 ألف صاروخ يمكنهم إطلاقها على المدن الرئيسية في إسرائيل، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً. وسوف يتم جر الجميع إلى هذا الموقف (فورين أفيرز، 7 اكتوبر).
تأتي حساسية موقف الأردن بالدرجة الثانية بعد لبنان وخاصة في حال تطور التصعيد وتمدده إلى معظم الأراضي الفلسطينية من اعتبار الأردن مشرفاً على المقدسات الدينية هناك، بالإضافة إلى دوره كشبه ضامن للتهدئة في الأراضي الفلسطينية، وما يهدد الاستقرار في الأردن هو وجود الكثير من الفلسطينيين الذين من المؤكد أنهم سيحاولون التضامن مع الفصائل الفلسطينية، كل هذه عوامل تؤثر على الدولة الأردنية وتسبب لها قلق وإحراج.
أما بالنسبة إلى مصر فإنها ستواجه عدة تحديات، أبرزها التحدي الأمني خاصة في منطقة سيناء الهشة أصلا، كما ستواجه تدفقا من الهاربين من القتال إلى أراضيها.
جميع هذه الدول بالإضافة إلى معظم دول العالم العربي لديها تحديات مشتركة ومنها أن هذه العملية التي تعتبر بأنها نصر معنوي لحماس، وهذا من الممكن أن يعطي دافع معنوي أيضاً لجماعات الإسلام السياسي والاخوان المسلمين واستغلال ذلك لاستقطاب المزيد من المؤيدين، علاوة على أن الفلسطينيين الموجودين في هذه الدول وبعض الشبان العرب من الممكن أن يحاولون التحرك عبر حدود الدول المجاورة للأراضي الفلسطينية كتنظيم مظاهرات أو حتى العبور إلى هناك وبالتالي تكون المناطق الحدودية متوترة، إلى جانب إمكانية أن تستغل التنظيمات المتطرفة هذه الأجواء لتجنيد أعضاء جدد تحت عنوان نصرة فلسطين وإقامة نشاط في المناطق الحدودية وبالتالي يكون لهذه التنظيمات مجال لإعادة نشاطها.
من المتوقع أن تكون هناك انعكاسات اقتصادية على المنطقة والعالم، وعلى الرغم من ان إسرائيل وفلسطين ليسا لاعبين رئيسيين في مجال النفط، لكن الصراع يكمن في منطقة رئيسية أوسع لإنتاج النفط، وهذا ما سيؤدي لارتفاع أسعاره لكن في حال تطور الصراع وأخذ أبعاداً إقليمية، وتأثرت الأسواق العالمية للنفط بالأحداث، مع تصاعد المخاوف من تعطيل الحرب للإنتاج النفطي في الشرق الأوسط. وسجلت أسعار النفط قفزة بنسبة 4%، في تداولات يوم الاثنين 9 أكتوبر.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه وفي حال تزايد التصعيد المعقد والذي من الممكن أن يمتد إلى دول ومناطق أخرى فإن الكثير من القطاعات ستتأثر في دول المنطقة كقطاع السياحة والأعمال والتجارة والطيران والبنوك والاستثمارات حيث من المتوقع أن تتوقف جميع هذه القطاعات وسيقوم المستثمرين بالهروب من المنطقة.
خلاصات تحليلية:
من خلال ما سبق يتبين بأن هذا التصعيد يعد هو الأكثر تعقيداً كونه يرتبط بملفات إقليمية أبرزها مسارات التطبيع الإيراني، وإرادة إيران بإبراز قوتها من خلال ارتباط حماس بها. إن هذا التعقيد وتداخل الملفات والأوراق يضع أكثر من سيناريو متوقع للتطورات، ومنها:
توسع الحرب: أن تقوم إسرائيل باقتحام بري لقطاع غزة وهذا ما توقعه البعض نتيجة لتكبد إسرائيل خسائر فادحة بالإضافة إلى الاعتماد على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وحديث الولايات المتحدة الأميركية عن إرسال قوات عسكرية إلى الشرق الأوسط دعماً لإسرائيل، إلا أن ذلك يواجه تحديات منها إمكانية توسع هذه المواجهة إلى كامل الأراضي الفلسطينية، وبالتالي تكون إسرائيل مضطرة لاستخدام العنف المفرط وبالتالي ستتلقى انتقادات غربية بالإضافة إلى أن ذلك يمكن أن يعرقل مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي ويهدد علاقة إسرائيل مع الدول التي أبرمت علاقات مع تل أبيب وهذا ما لا ترغب به الإدارة الأميركية الحالية التي تسعى لتحقيق تهدئة وإكمال مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي لاستخدامه في الحملة الانتخابية المقبلة.
تصعيد محدود: نتيجة لما سبق فإن السيناريو الأقرب هو أن تلجأ إسرائيل كما يحدث الآن إلى تنفيذ موجات من القصف على إسرائيل ثم تكون هناك وساطة عربية مدعومة دولياً بشأن تبادل الأسرى.