مقالات تحليلية

من واشنطن إلى بروكسل..العملية العسكرية الأوكرانية المضادة رهن المقايضات

18-Dec-2023

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد زيارة بالغة الأهمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية قادته إلى البيت الأبيض ومبنى الكابيتول هيل، إن "أوكرانيا لا تُمكنها وحدَها مواجهة روسيا، وهي بحاجة إلى الدعم الأمريكي والأوروبي، وإن إيقاف أو تعطيل المساعدات يُعدّ أجمل هدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين". تصريحات زيلينسكي توافقت مع تصريحات الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن التي قال فيها إن "عرقلة الجمهوريين المساعداتِ العسكريةَ لأوكرانيا هي أجمل هدية عيد ميلاد يقدمونها للرئيس الروسي".

أحرجت زيارة زيلينسكي إدارة بايدن لكنها لم تغير الكثير في الكابيتول هيل، حيث يتمسك الجمهوريون بمقايضة المساعدات إلى أوكرانيا بقانون الهجرة المثير للجدل والذي يرفضه التقدميون من الحزب الديموقراطي. وفي محاولة محدودة لإنقاذ الزيارة، قال بايدن خلال مؤتمر صحفي مع زيلينسكي "سنواصل تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات الحيوية لأطول فترة ممكنة، بما في ذلك 200 مليون دولار وافقتُ عليها اليوم من المعدات المطلوبة بشدة، وصواريخ اعتراضية إضافية للدفاع الجوي، والمدفعية والذخيرة. لكن بدون تمويل إضافي، فإننا نقترب بسرعة من نهاية قدرتنا على مساعدة أوكرانيا على الاستجابة لمتطلبات العمليات العاجلة التي لديها".

في الواقع ليست واشنطن فقط مَن تُواجه معضلة سياسية داخلية بسبب حزم المساعدات المستمرة لأوكرانيا، فبروكسل بدورها هناك من يقايضها على هذه المساعدات وسط تململ أوروبي واضح، وتضارب في الآراء حول حرب تتحول أكثر فأكثر إلى حرب استنزاف لا يمكن توقع مداها الزمني. بل في أحسن الأحوال، وبتفكير بالتمني واضح، يتطلع الأوروبيون إلى بدء مفاوضات مع موسكو بعد الانتخابات الرئاسية في روسيا.. إلا أن هذه المفاوضات بدورها تحتاج تكثيفَ المساعدات لأوكرانيا، حتى تُحسِّن مقعدَها التفاوضي. دون أن نغفل هنا أن كييف بدورها ستواجه معضلة الانتخابات سنة 2024.


سياسات الهجرة مقابل المساعدات لأوكرانيا

عرقل الجمهوريون مشروع قانون إنفاق طارئ بقيمة 111 مليار دولار يتضمن حوالي 50 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا، وقدموا عرضاً مضادّاً وصفته صحف ديموقراطية أمريكية بأنه "يرقى إلى قائمة أمنيات عهد ترامب فيما يتعلق بالحدود".

وفقاً لتقرير جديد نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية "يفكر الرئيس بايدن والديمقراطيون في الكابيتول هيل بجدية في مطالب الجمهوريين بسياسات هجرة شديدة التقييد مقابل مليارات الدولارات كمساعدات لأوكرانيا، وهي خطوة يقول النشطاء إنها ستدمر التزامات أمريكا بالترحيب بالمهاجرين اليائسين الفارين من الحرب والقمع. قال بايدن إنه على استعداد لتقديم "تنازلات كبيرة" بشأن أمن الحدود لإرضاء الجمهوريين، الذين لن يدعموا أي مساعدات أخرى لأوكرانيا دون شن حملة جديدة على الهجرة".

من جهتهم قال الجمهوريون إنهم يريدون زيادة صعوبة الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة، وهو مطلب أشار البيت الأبيض إلى أنه مستعد للنظر فيه. لكنهم يقولون "إن هذا ليس كافياً". فهم يطلبون كذلك استعادة السياسات التي من شأنها إما إبعاد الأشخاص بسرعة على الحدود أو إجبارهم على الانتظار في المكسيك حتى يتم النظر في قضايا لجوئهم. علماً أن الرئيس السابق دونالد ترمب كان قد استعمل هذه الأساليب لإغلاق الحدود "بشكل فعال" أمام المهاجرين خلال إدارته.

كما يسعى الجمهوريون إلى توسيع سياسة تعرف باسم "الإبعاد المعجل" لترحيل المهاجرين غير الشرعيين بسرعة. ويريدون أيضاً تقييد استخدام سياسة الهجرة المعروفة باسم الإفراج المشروط الإنساني، والتي سمحت لآلاف الأفغان والأوكرانيين وغيرهم ممن فرّوا من الحرب والعنف، بالقدوم إلى الولايات المتحدة. في هذا السياق، يقول الجمهوريون إن "الإصلاح ضروري للتعامل مع المعابر على الحدود التي تجاوز عدد العابرين منها 10000 شخص يومياً مؤخراً".


هل يخضع البيت الأبيض؟!

قالت صحف أمريكية، إن البيت الأبيض أشار إلى أنه "منفتح على العديد من المقترحات الجمهورية"، وفقاً لمسؤولي إدارة بايدن والمشرعين في كلا الحزبين وأشخاص مطلعين على الأمر. ووفقاً للأشخاص المشاركين في المحادثات، وافق الديمقراطيون من حيث المبدأ على رفع المعايير التي يجب على المهاجرين الوفاء بها عندما يدعون أنهم بحاجة إلى اللجوء في الولايات المتحدة لأنهم يخشون الاضطهاد في بلدانهم الأصلية.

كذلك وعد البيت الأبيض بالنظر في سياسة مشابهة لقاعدة الطوارئ في عهد ترامب، والمعروفة باسم "الباب 42"، والتي مكنت عملاء الحدود من طرد المهاجرين بسرعة على الحدود. وقد نظر البيت الأبيض في فكرة إعادة ممارسة احتجاز العائلات المهاجرة التي تعبر الحدود معاً، وهو بند آخر في الاقتراح الأخير للحزب الجمهوري. لكن المقترحات الجمهورية الأخرى قد يكون من الصعب على البيت الأبيض قبولها، مثل إجبار المهاجرين على البقاء في المكسيك أثناء النظر في قضاياهم، وتقييد الإفراج المشروط لأسباب إنسانية، وأكد البيت الأبيض أنه لم يوقع على أي من المقترحات.


المجر بدورها تقايض مساعدتها بأوكرانيا

كان الاتحاد الأوروبي قد صرف حزمة 10 مليارات يورو من المساعدات، لكن أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان طالب بعد ذلك بالإفراج عما يصل إلى 30 مليار يورو (32.4 مليار دولار) من المساعدات المجمدة، حسبما ذكرت بلومبرغ، كشرط لتجنب الفيتو المجري عند التصويت على انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقال أوربان للجمعية الوطنية المجرية يوم الأربعاء إنه "سيعرقل اقتراحاً لبدء محادثات بشأن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي في قمة تعقد في بروكسل يومي الخميس والجمعة".

وفي كلمتها أمام أعضاء البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء، حثت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين الزعماء على دعم المساعدات المالية الضخمة لأوكرانيا، وطموحات كييف في محادثات العضوية. مضيفة: "يجب أن نعطي أوكرانيا ما تحتاجه لتكون قوية اليوم، حتى تكون أقوى غداً على الطاولة عندما تتفاوض على سلام طويل الأمد وعادل". 


39