مقالات تحليلية

تشكيل حرس إسرائيلي خاص.. الأهداف وردود الأفعال

06-Apr-2023

في ظل أزمة تعديل النظام القضائي، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تشكيل جهاز "الحرس الوطني" المثير للجدل والذي يلاقي معارضة من أوساط إسرائيلية عديدة، وفي وقت يرى كثيرون أن مهمات هذا الحرس ستكون محصورة في الأراضي الفلسطينية والمستوطنات، يرى البعض أن له مهماتٍ وأهدافاً تتعلق بالداخل الإسرائيلي.

سمحت الحكومة في إسرائيل يوم الأحد 2 أبريل الجاري بتشكيل وحدة حرس وطني تحت قيادة وزير الأمن القومي اليميني إيتمار بن غفير، الذي قال إن الحرس سيركز على الاضطرابات في مناطق العرب، بينما اتهمه خصومه السياسيون بتشكيل "ميليشيا"، ووافق مجلس الوزراء على استقطاعات في ميزانيات كل الوزارات من أجل تمويل المشروع المثير للجدل، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية عديدة. وقالت التقارير إن العديد من الوزراء عارضوا المشروع في البداية، لكنهم وافقوا عليه في النهاية، في ظل إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كما ذكرت التقارير أن ميزانية المشروع تبلغ حوالي مليار شيكل (276 مليون دولار). (دويتشه فيله – 3 أبريل). 

سمات الحرس الاسرائيلي 

من المتوقع أن تضم هذه القوة المثيرة للجدل نحو 2000 عنصر سيكونون مسؤولين بشكل مباشر أمام الوزير اليميني المتطرف، وسيتم تكليفهم بمعالجة "الجريمة القومية" والإرهاب و "استعادة السلطة عند الحاجة". الجدول الزمني لتشكيل مثل هذه القوة غير واضح، إلا أنه من المحتمل أن يستغرق شهوراً، (تايمز أوف إسرائيل – 2 إبريل).

وكرد على الانتقادات الداخلية حول موافقة مجلس الوزراء على هذه القوة دون أن يتم تحديد مهماتها ومعاييرها، عين مجلس الوزراء لجنة مؤلفة من هيئات عدة لتقديم توصيات بشأن هذا الأمر وغيره من القضايا في غضون 90 يوماً. 

بن غفير قال إنه يريد قيادة الحرس الوطني؛ لأنه من وجهة نظره لم يلق الاهتمام من جانب قادة الشرطة، لكنه قال لراديو الجيش الإسرائيلي إنه منفتح على إمكان وضع الحرس الوطني تحت سلطة قيادة الشرطة "إذا كانوا جادين ويريدون ذلك حقاً". وأضاف أن نشر قوات الحرس الوطني سيستغرق أشهراً وأنه يحاول دعم مراكز الشرطة بالتوازي، مضيفاً أن التمويل الحكومي سيمكن من ضم 1850 فرداً للقوة الجديدة، من بينهم ضباط شرطة ومتطوعون من العرب واليهود، (اندبندنت عربية – 3 أبريل).

ويشير الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي وعضو حزب الليكود أيوب قرا إلى أن الحرس الوطني كان موجوداً ضمن الأفكار التي طرحت خلال السنوات الأخيرة "بسبب انعدام الثقة لدى عناصر الشرطة والجيش بعد تدخل القضاء في مهماتهم والقوانين التي يعتبرونها ضد الجندي والشرطي"، وأوضح قرا أن الحرس الوطني سيكون "موازياً للجيش والشرطة الإسرائيلية"، مشيراً إلى أنه سيتكون من مجموعةٍ من الفرق الخاصة للسيطرة على أماكن حساسة، يصعب على الشرطة والجيش السيطرة عليها، ورأى قرا أن الحرس الوطني سيستهدف جنوداً سابقين، سيتم تدريبهم لتشكيل فرقٍ تفرض سيطرتها على الشارع، إضافة إلى تعديل بعض القوانين وحلّ بعض المشكلات الداخلية في إسرائيل حيث "أصبحت الديمقراطية أهمّ من القانون"، (بي بي سي – 30 مارس).

خطر متوقع على الفلسطينيين 

فكرة إقامة حرس وطني مدني طرحها رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت لمواجهة الحالة الأمنية منذ عام 2022، إلا أن إعادة طرحها الآن من قبل اليميني المتطرف بن غفير تتماشى مع رغبة الأخير وعموم اليمين المتطرف الذي نجح في الانتخابات الأخيرة وقام بتشكيل الحكومة في التصعيد ضد الفلسطينيين.

ما يعزز الرأي القائل بأن إنشاء هذا الحرس سيؤدي إلى تزايد حدة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو أن بن غفير ومنذ الانتخابات وتسلمه منصب وزير الأمن القومي سعى كثيراً للتصعيد ضد الفلسطينيين وخاصة أن مبادئه السياسية تدعو لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، وفي 14 فبراير 2023 قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إنه يريد أن يرى مزيداً من المستوطنات اليهودية، وذلك بعد أن قال وزراء خارجية أوروبيون ووزير الخارجية الأمريكي إنهم منزعجون من قرار اتخذته إسرائيل في الآونة الأخيرة بالترخيص لبناء بؤر استيطانية، كما هدّد إيتمار بن غفير، في أكثر من مرة باقتحام المسجد الأقصى، وسبق أن اقتحم بن غفير  المسجد في 3 يناير ما أدى إلى إدانات فلسطينية وعربية وإسلامية وانتقادات دولية.

كان بن غفير قد أعلن في فبراير الماضي عزمه إطلاق عمليات هدم واسعة للمنازل في القدس الشرقية بزعم "البناء غير المرخص"، في حين حذرت أوساط أمنية إسرائيلية من تأثير سياسات زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف على مجمل الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

وفي ديسمبر 2022، تحدث بن غفير، عن خطته تجاه الفلسطينيين، وفي برنامج على القناة 13 العبرية، قال بن غفير إنه سيمحو "السلطة الفلسطينية"، وسيضم الأراضي المقامة عليها مستوطنات يهودية إلى إسرائيل، وسيترك الفلسطينيين ليديروا أمورهم بأنفسهم في "تجمعات خاصة بهم"، لكن دون سلطة ولا امتيازات.

وفي يناير 2023، حذر وزير بن غفير من عملية عسكرية وشيكة تستهدف قطاع غزة داعياً لتعزيز الأجهزة الأمنية وإنشاء جهاز للحرس الوطني وسط مخاوف إقليمية ودولية من دور اليمين الديني المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو في إشعال الأزمات وتهديد السلام عبر التلويح بالحرب.

وخلال الأسابيع الأولى لوصول اليمين المتطرف إلى الحكم شهدت الأراضي الفلسطينية جولات من التصعيد، إلا أن ضغوطاً دولية وتخوف إسرائيل من انهيار اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية منعتها من التصعيد بشكل كبير، ما يشير إلى أن هناك حاجة من قبل اليمين المتطرف لوجود قوات خاصة غير رسمية لتنفيذ عمليات ضد الفلسطينيين ليتم التهرب من المسؤولية فيما بعد.

صحيفة هآرتس أفادت بأن أحد المرشحين لرئاسة الحرس الوطني هو العقيد الإسرائيلي المتقاعد مؤخراً أفينوعام إيموناه، الذي تم تصويره العام الماضي وهو يقول للجنود قبل عملية بالقرب من قطاع غزة: "سترونهم يفرون في معظم الأحيان، اقتلوهم أثناء فرارهم".

إعلان نتنياهو عن الحرس الوطني أثار غضباً عارماً بين فلسطينيي 48 وحذر قياديون بينهم من أن تتحول تلك الميليشيات لسيف يهدد وجود الفلسطينيين، ونبه رئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون فلسطينيي 48، محمد بركة، إلى خطورة الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير "لإقامة ميليشيات فاشية تأتمر بأوامر الوزير الفاشي، ومدى خطورتها الكارثية على الجماهير العربية بشكل خاص وعلى المجتمع الإسرائيلي بشكل عام، بوصفها ذروة التصعيد الفاشي لهذه الحكومة"، وأضاف "تتصاعد الأخطار على حقوق الجماهير العربية في إسرائيل، في ظل سياسة حكومة نتنياهو وبن غفير وسموطرتش الفاشية، في سياق الهجمة غير المسبوقة التي تقودها هذه الحكومة من أجل تصفية الهامش الديمقراطي الضيق أصلاً في إسرائيل".

تابع بركة، "بلغ هذا التصعيد الفاشي ذروته، عندما أعلن إقامة ميليشيات شخصية تحت أمر بن غفير، المدان بالإرهاب ضد العرب. الاتفاق أضفى شرعية رسمية على عصابات مسلحة، وهي تهديد وجودي مباشر للمواطنين ككل، وللجماهير العربية بشكل خاص. هذه العصابات يمكن أن تتحول إلى أداة سياسية بيد اليمين الفاشي لقمع كل مقاومة ديمقراطية لسياسته"، (اندبندنت عربية – 30 مارس الماضي).

دور في الداخل

وبالإضافة إلى أن جانبا من المهام المتوقعة لهذا الحرس ستكون حول التعامل مع الفلسطينيين، إلا أنه وفي ظل الظروف الداخلية وأزمة التظاهرات الأخيرة التي كشفت عن انقسام في المجتمع الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية نوعاً ما، فإن ذلك يحتم أن يكون لهذا الحرس دوراً مهماً في الداخل الإسرائيلي.

هذا الدور سيكون داعماً لخطط اليمين المتطرف الذي سعى لتغيير النظام القضائي حيث يهدف للحد من صلاحيات المحكمة العليا فيما يخص إصدار أحكام ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية وفي الوقت نفسه تمنح نواب أحزاب حكومة الائتلاف مزيداً من الصلاحيات في تعيين القضاة، حيث يتم حالياً اختيار القضاة عبر تشكيل لجنة باتفاق بين السياسيين والقضاة، إلا أن الخطة الجديدة تمنح الحكومة الائتلافية رأياً حاسماً بشأن ذلك.

وما يزيد قلق اليمين المتطرف هو أن المظاهرات الشعبية الأخيرة جذبت عدداً كبيراً من المواطنين بالإضافة إلى تجاوب الشارع بشكل سريع مع دعوات العصيان والشلل العام إلى جانب أن كثيراً من موظفي ومسؤولي المؤسسات الحكومية انضموا ودعموا هذه المظاهرات.

وإلى جانب ذلك كان هناك تأييد الكثير من قادة الجيش وضباطه والقوى الأمنية لهذه الاحتجاجات ومشاركتهم فيها، بالإضافة إلى أن مشاركتهم في العصيان وعدم تنفيذهم التعليمات وإيقاف العمل، تسبب بقلق للقيادة الإسرائيلية من أن يتطور الأمر إلى مرحلة انقسام المؤسسة العسكرية بشكل فعلي، حيث قام عدد متزايد من جنود الاحتياط العسكريين باتخاذ إجراءات احتجاجاً على الحكومة وأعلن 200 طيار من سلاح الجو الإسرائيلي و100 طبيب في الاحتياط العسكري وعشرات الأفراد من وحدة 8200 المرموقة فرع المخابرات، أنهم سيرفضون الخدمة احتجاجاً، وانضموا إلى مئات من العسكريين الآخرين الذين تعهدوا بالفعل بهذا التعهد، أو توقفوا عن الظهور.

وبالإضافة إلى القلق من انقسام الجيش فإن اليمين المتطرف والحكومة التي تمثله تأكدوا أنهم غير قادرين على الاعتماد على المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية لقمع الاحتجاجات وتنفيذ قراراتهم، لذلك هم بحاجة إلى قوات خاصة تأتمر بأمرهم.

وحذر مفوض سابق للشرطة من أن بن غفير قد يستخدم الحرس الوطني الذي يقترحه لتنفيذ انقلاب ضد الحكومة، لينضم بذلك إلى مجموعة من القادة السابقين للشرطة الذين حذروا من الخطوة، وقال موشيه كرادي، الذي قاد الشرطة بين 2004-2007، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينبغي أن يكون حذراً من منح مثل هذه القوة للوزير اليميني المتطرف، محذراً من أن بن غفير "سيستخدمها ضده يوماً ما"، وقال كرادي متحدثاً خلال حدث في المجلس الإقليمي عيمك حيفر إن نتنياهو "يجب أن يتعلم القليل من التاريخ وأن يرى ما يحدث في البلدان التي يمتلك فيها السياسيون قوات مسلحة خاصة بهم. كما حذر كرادي من موقف قد يكون كارثياً حيث تتلقى الشرطة والحرس الوطني المقترح أوامر متضاربة للتعامل مع محتجين، (تايمز أوف إسرائيل – 5 فبراير).

خلاصات:

على الرغم من أن الهدف الأبرز من تشكيل هذا الحرس قد يكون تسليح المستوطنين الإسرائيليين والضغط على الفلسطينيين بشكل أكبر، فإن هذا الحرس سيتحول مع مرور الوقت وفي ظل تزايد المشكلات الداخلية إلى ميليشيا يتم اللجوء إليها من قبل اليمين المتطرف لتصبح في النهاية أشبه بميليشيا خاصة.

بعيداً عن المبالغة إلا أن وجود ميليشيا خاصة في إسرائيل وفي ظل الانقسام المجتمعي وبوادر الانقسام في الجيش والقوات الأمنية التي برزت خلال المظاهرات الأخيرة سيزيد احتمالية حدوث حرب أهلية، وهذا ما توقعه الكثير من المراقبين والخبراء وحذرت منه أوساط إسرائيلية سياسية وأمنية.


47