مقالات تحليلية

مليشيا إسلامية متطرفة وراء مجزرة يوغندا الدامية

19-Jun-2023

دفنت عائلات منكوبة الأحد في غرب أوغندا أحبائها بعد هجوم نفذته مليشيا جهادية على مدرسة ثانوية تسبّب في مقتل عشرات الطلاب، فيما لا تزال أخرى تنتظر العثور على مفقوديها. وقد دانت دولة الإمارات بشدة، الهجوم الإرهابي  الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بالعمل بـ"المروّع" بينما ندّدت واشنطن التي  والاتحاد الإفريقي، بإراقة الدماء وقدّما تعزيتهما.

وقد قضى ما لا يقل عن 41 شخصاً معظمهم تلامذة ليل الجمعة السبت، في الهجوم، وهو الأسوأ الذي تشهده البلاد منذ سنوات. وتعهّد الرئيس يوويري موسيفيني في تصريحه الأول منذ الهجوم ملاحقة منفذي الهجوم "حتى إبادتهم". وقال "إن عملهم الإرهابي واليائس والجبان لن ينقذهم".

ميليشيا إسلامية موالية لداعش

استهدف الهجوم مدرسة لوبيريها الثانوية في مبوندوي بالقرب من الحدود مع جمهورية الكونغو الديموقراطية. واتهم مسؤولون في الجيش والشرطة الأوغنديين عناصر من القوات الديموقراطية المتحالفة، وهي ميليشيا إسلامية اعلنت الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، بالوقوف وراء هذا الهجوم.

وتعرّض الضحايا لهجوم بمناجل، ولإطلاق النار عليهم وإحراقهم أحياء، الأمر الذي أثار صدمة في أوغندا وقوبل بإدانة دولية شديدة وقال الجيش والشرطة الأوغنديان إنّ المهاجمين فرّوا إلى متنزه فيرونغا في الأراضي الكونغولية واختطفوا أيضاً ستة أشخاص بعد مداهمتهم القاتلة.

وقال إريفاز موهندي رئيس مقاطعة كاسيسي التي تشترك في حدود طويلة وغابات مع جمهورية الكونغو الديموقراطية، إنّ 15 شخصاً من بينهم خمس فتيات، ما زالوا في عداد المفقودين. وأُحرق 17 شخصاً عندما أشعل المهاجمون النار في مهجع مغلق، الأمر الذي يعيق جهود التعرّف عليهم.

أضاف موهندي أنّ تمّ نقل هؤلاء الضحايا لإجراء اختبار الحمض النووي، في عملية قد تستغرق بعض الوقت. وقال لوكالة فرانس برس "هذا ألم كبير لعائلاتهم". انتظرت العائلات اليائسة طوال الليل في البرد خارج مشرحة بويرا. وقد تسلم من تعرّفوا على أحبائهم داخل المشرحة الجثث في توابيت لدفنها. وراح آخرون يتنقلون بقلق، بانتظار أيّ معلومات عن أقاربهم.

 الحكومة اليوغندية قالت إنّها ستساعد في ترتيبات الجنازة ودعم الجرحى. من جهتها، أعلنت السيدة الأوغندية الأولى ووزيرة التربية جانيت موسيفيني أنّ 37 طالباً قتلوا في الهجوم.

تمّ العثور على جثث 17 طالباً محترقة في سكن الطلاب الذي دمّرته النيران. وقال شهود إنهم أغلقوا الباب عندما سمعوا طلقات نارية. وحاولت عشرون طالبة الهرب إلى برّ الأمان لكن تمّ ضربهن بالمناجل حتى الموت. وأشار محقّقون إلى أنّ حارس أمن عند بوابة المدرسة قُتل بالرصاص بينما اقتحم المهاجمون المكان، كما قتل ثلاثة أشخاص آخرين. غير أنّ أسئلة أثيرت عن الطريقة التي تمكّن من خلالها المهاجمون من التملّص من المراقبة في منطقة حدودية ذات وجود عسكري كثيف.

تقع المدرسة الثانوية على بعد أقل من كيلومترين من الحدود مع جمهورية الكونغو الديموقراطية، حيث تنشط القوات الديموقراطية المتحالفة وتُتهم بقتل آلاف المدنيين منذ التسعينات. وقال قائد الكتيبة الجنرال ديك أولوم السبت لوكالة فرانس برس إنّ أجهزة الاستخبارات تحدثت عن وجود القوات الديموقراطية المتحالفة في المنطقة قبل يومين من وقوع الهجوم على الأقل، مشيراً إلى ضرورة فتح تحقيق. وأضاف أنّ لدى المهاجمين معلومات مفصّلة عن المدرسة على ما يبدو.

كانت أوغندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية شنتا هجوماً مشتركاً في العام 2021 لطرد القوات الديموقراطية المتحالفة من معاقلها في الكونغو، لكن هذه العمليات فشلت حتى الآن في وقف هجمات هذه الجماعة. قبل ذلك في يونيو 1998، تمّ حرق 80 طالباً حتى الموت في مهاجعهم في هجوم للقوات الديموقراطية المتحالفة على معهد كيشوامبا التقني بالقرب من حدود جمهورية الكونغو الديموقراطية.


القوات الديمقراطية المتحالفة

تعتبر القوات الديمقراطية المتحالفة جماعة متمردة تعمل حاليا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن لها جذور أوغندية، وفقا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في عام 2021.

تشكل تحالف القوى الديمقراطية في شرق جمهورية الكونغو عام 1995 من خلال اتفاق بين جماعة التبليغ الأوغندية والجيش الوطني لتحرير أوغندا للقتال ضد الحكومة الأوغندية خلال ذلك الوقت.

وتلقت هذه القوات تدريبا مبكرا ودعما لوجستيا من الحكومة السودانية وترجمت هذه القدرات إلى هجمات عنيفة بدأت عام 1996، بما في ذلك سلسلة من الهجمات في كمبالا طوال أواخر التسعينيات. وأدت تلك الهجمات إلى زيادة العمل العسكري من قبل قوات الدفاع الشعبية الأوغندية، التي استخدمت وجودها العسكري شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال حربي الكونغو الأولى والثانية (1996-2003) لشن هجمات ضد تحالف القوى الديمقراطية. 

على النقيض من ذلك، دعمت الحكومات المتعاقبة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، القوات الديمقراطية المتحالفة من أجل تعطيل الوجود العسكري الأوغندي والرواندي في البلاد، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.


فترة من الركود

بحلول عام 2001، تراجعت القوات الديمقراطية المتحالفة، حيث سعت بشكل كبير إلى استخدام التضاريس النائية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لإعادة التعبئة من خلال تجنيد أعضاء كونغوليين، وفقا للمركز الذي يتخذ من واشنطن مقرا له.

خلال ذلك الوقت، بدأت القوات الديمقراطية المتحالفة بتطوير اقتصادها العابر للحدود من خلال دخول أسواق الأخشاب وتعدين الذهب والزراعة. مع ذلك، ظلت القوات في حالة من الركود إلى حد كبير فيما يتعلق بالأنشطة العنيفة، الأمر الذي يتضح من خلال انخفاض عدد الهجمات ضد قوات الأمن والمدنيين من عام 2003 إلى 2012. 

في عام 2013، عادت القوات الديمقراطية المتحالفة إلى الهجمات العنيفة التي وجهت بشكل كبير نحو الجيش الكونغولي. ومع تصاعد العنف، شنت القوات المسلحة الكونغولية عمليات جديدة ضد هذه القوات، مما دفع زعيمها، جميل موكولو، للفرار إلى تنزانيا حيث ألقي القبض عليه في عام 2015 ثم تم تسليمه لمحاكمته في أوغندا.


أيدولوجيا الجماعة

بصرف النظر عن بيان صدر عام 1997 يحدد هدف القوات الديمقراطية المتحالفة المتمثل في الإطاحة بالحكومة الأوغندية، قدمت الجماعة القليل من التفاصيل حول أهدافها السياسية الأوسع، مما أكسبها تسمية "تمرد بلا سبب"، بحسب تقرير مركز الأبحاث الأميركي نفسه.

وفي حين أن الإسلاموية كانت أحد مكونات البرنامج الأيديولوجي للقوات الديمقراطية المتحالفة منذ بدايتها، إلا أن مركزية الإسلاميين قد انحسرت، ولم تكن تاريخيا سوى مكون واحد من عدة مكونات تحفز أيديولوجية هذه القوات.

على سبيل المثال، في منتصف التسعينيات، كان للقوات الديمقراطية المتحالفة مكونات متعددة، إذ إن أحدها يسعى لإنشاء نظام حكم إسلامي بقيادة جمال موكولو، والآخر يقاتل من أجل تقرير مصير عرقية باكونغو (شعب الكونغكو) بهدف إعلان مملكة ذات سيادة. وبعد اعتقال موكولو عام 2015، أطلقت القوات الديمقراطية المتحالفة كميات متزايدة من الدعاية التي تعكس التوافق الأيديولوجي مع تنظيم داعش. يأتي ذلك خلال فترة شهدت صعود التنظيم الإرهابي وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا وإعلانه لما يسمى بـ "الخلافة الإسلامية". بالإضافة إلى ذلك، أصدر جهاز الدعاية التابع لتنظيم داعش عدة مقاطع فيديو تظهر الحياة داخل معسكرات القوات الديمقراطية المتحالفة، بما في ذلك احتفالات عيد الأضحى.


عقوبات دولية

في عام 2014، فرضت على القوات الديمقراطية المتحالفة عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية والأمم المتحدة بموجب نظام عقوبات مجلس الأمن بسبب أعمال العنف والفظائع التي يرتكبها.  كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على قائد الجماعة الجديد، سيكا موسى بالوكو، وخمسة أعضاء آخرين في القوات عام 2019 بموجب برنامج عقوبات ماغنيتسكي العالمي لدورهم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وقبل عملية المبايعة الرسمية، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن الجماعة المتمردة أقامت علاقات مع داعش في أواخر عام 2018. 

قبل انتمائها إلى داعش، حاولت القوات الديمقراطية المتحالفة التواصل مع الجماعات الإرهابية الإسلامية لعدة سنوات، بما في ذلك المنشورات عبر الإنترنت من قبل بعض أعضاء القوات في عامي 2016 و2017.

تنظيم داعش اعترف علنا بالقوات الديمقراطية المتحالفة على أنها فرع تابع لها في أواخر عام 2018 وأعلن مسؤوليته عن العمليات المنسوبة للجماعة المتمردة منذ أبريل 2019 بعد هجوم على قاعدة للقوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية بالقرب من كامانغو في 16 أبريل، بحسب الخارجية الأميركية.

ويصف داعش هذه الميليشيا بأنها فرع محلي له تحت اسم "الدولة الإسلامية-ولاية وسط أفريقيا". وفي مارس 2021، صنفت الولايات المتحدة القوات الديمقراطية المتحالفة بقيادة زعيمها الجديد، سيكا موسى بالوكو، على أنها "منظمة إرهابية".


مكافأة أميركية

وآنذاك، قالت واشنطن مستندة إلى أرقام وردت في تقرير سلم للأمم المتحدة، إن هجمات هذه الجماعة "أوقعت أكثر من 849 ضحية مدنية في عام 2020" في إقليمي كيفو الشمالية وإيتوري. ومنذ العام 2021، بدأت عملية عسكرية مشتركة بين القوات الكونغولية والأوغندية لاستهداف عناصر القوات الديمقراطية المتحالفة في الأراضي الكونغولية، لكن الهجمات الدامية مستمرة كان آخرها استهداف المدرسة الثانوية، السبت، بداخل الأراضي الأوغندية. وفي مطلع مارس 2023، أعلنت الولايات المتحدة عرض مكافأة مالية تصل إلى خمسة ملايين دولار في مقابل معلومات حول زعيم القوات الديمقراطية المتحالفة الأوغندي، سيكا موسى بالوكو.

وبحسب برنامج مكافآت من أجل العدالة الأميركي، فإن الجماعة تحت قيادة موسى بالوكو، ارتكبت أعمال قتل وتشويه واغتصاب وعنف جنسي والمشاركة في اختطاف المدنيين، بمن فيهم الأطفال في جمهورية الكونغو الديمقراطية.  كما تجند الجماعة الأطفال وتستخدمهم أثناء الهجمات وللعمل القسري في إقليم بيني بجمهورية الكونغو الديمقراطية. 


ما هي هجمات القوات الأخيرة؟

في مطلع الشهر الجاري يونيو 2023، قتل تسعة مدنيين على الأقل بإقليم شمال كيفو شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، في هجوم جديد نسب إلى متمردي "القوات الديموقراطية المتحالفة"، بحسب ما ذكرت فرانس برس نقلا عن مصادر محلية.

في مايو، قُتل مئات الأشخاص في هجمات شنها متمردون ومقاتلون في مليشيات بإقليم إيتوري الغني بالذهب شرق جمهورية الكونغو، حيث تنشط هناك "القوات الديمقراطية المتحالفة"، وفقا للوكالة ذاتها.

وفي أبريل، قتل حوالى عشرين شخصا في هجوم نُسب إلى متمردي "القوات الديمقراطية المتحالفة"، وفق فرانس برس، التي نقلت عن مسؤول محلي قوله إن الجماعة نصبت كمينا لمزارعين بالقرب من قرية إنيبولا. وخلال الشهر ذاته، أعلنت الأمم المتحدة أن عمليات قتل جديدة نسبت إلى القوات الديمقراطية المتحالفة، أوقعت في 2 و3 أبريل أكثر من 30 قتيلا في إيتوري أيضا.

ومنذ أكتوبر 2022 وحتى مارس 2023، أودى العنف بحياة نحو 1300 شخص بينهم أكثر من 100 طفل نفذتها  القوات الديمقراطية المتحدة المتحالفة مع الإسلاميين "كوديكو" وحركة "أم23"، وهو العنف الذي ندد به لمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، بحسب ما نقلت فرانس برس.

80