مقالات تحليلية

أوروبا وأسطول الظل الروسي.. أوهام أم مخاوف حقيقية ؟

02-Jan-2025

تزايد الحديث خلال الأشهر الماضية عما يسمى "أسطول الظل الروسي" حيث تواصل القوى الأوروبية التعبير عن قلقها من خطورة هذا الأسطول وما يحمله من تهديداته لها بحسب ما ترى.

هو اسم يطلق على مجموعة من السفن القديمة التي تمتلكها موسكو أو اشترتها شركات الشحن الروسية التي تتاجر بالوقود الروسي الخاضع للعقوبات خلف هياكل ملكية غامضة، وتقوم هذا السفن بإيصال النفط الروسي إلى الدول التي لا تفرض حظراً عليه. ووفقاً لدول أوروبية فإن هذا الأسطول يعتمد على مجموعة من الناقلات القديمة.

أهداف روسيا من المنظور الغربي

حسب تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية صدر عام 2020، فإن الناقلات التي تتبع "أسطول الظل" تقوم بتغيير الأعلام التي تحملها، وإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال حتى لا يتم تتبعها، أو حتى إرسال إشارات خادعة، إضافة إلى القيام بتبادل النفط في البحر. وأضاف التقرير أن بعض هذه الناقلات تقوم بتغيير اسم السفينة، وتعمد إلى استخدام أسماء شركات وهمية، أو تزوير المستندات لإخفاء ملكية الناقلة التي تُبحر عادة دون أي تأمين حقيقي عليها؛ وتهدف من خلال كل هذه الترتيبات إلى البقاء بعيداً عن متناول أجهزة المراقبة.

ووفق تقرير لوكالة "بلومبرغ" عام 2023، فإن طرق التفاف روسيا على العقوبات الغربية عززت أعمال عشرات التجار وشركات الشحن الذين يصعب تعقبهم، في وقت يبلغ فيه ما يتقاضونه بوصفهم "ناقلين بالظل" 11 مليار دولار سنوياً من عائدات موسكو من النفط بين وقت مغادرة النفط روسيا وحتى وصوله إلى المشترين. وقدّرت شركة الذكاء الاصطناعي البحري "ويندوارد" أواخر سنة 2023 أن "أسطول الظل" الروسي يتكون من نحو 1400 إلى 1800 سفينة، وهو ما يعادل خُمس تجارة النفط العالمية، وفق ما ذكرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

حقيقة وجود هذا الأسطول

في فبراير 2023، قدرت شركة ترافيجورا لتجارة السلع الأساسية أن الأسطول المظلم قد نما إلى نحو 400 سفينة نفط خام و200 ناقلة منتجات نفطية. وبحلول نوفمبر 2023، قدرت شركة فورتيكسا للاستخبارات في مجال الطاقة أن 1649 ناقلة فريدة كانت تعمل في "السوق المعتمة" منذ يناير 2021.

في سبتمبر 2024، قدرت شركة الذكاء الاصطناعي البحري "ويندوارد" أن رُبع سفن الشحن، أي ما مجموعه 2300 سفينة، تعمل خارج نظام الشحن الرسمي، كما ظهر شكل جديد من السفن الظلية يسمى سفن الزومبي التي تسرق هويات السفن العاملة بشكل شرعي والتي خرجت من الخدمة. وبعد شهرين، قدرت شركة "إس آند بي جلوبال" أن 889 ناقلة نفط متوسطة الحجم وما فوق قد استُخدمت لنقل النفط الخاضع للعقوبات ونظراً إلى أن السفن الظلية لا تعود إلى القطاع الرسمي، فإن رحيل مئات السفن من أسطول الظل يشير إلى أن هذه السفن القديمة وصلت إلى نقطة لم يعد من الممكن تشغيلها فيها.

جدية التحذيرات الأوروبية

في 16 ديسمبر 2024، قال وزير خارجية لاتفيا إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يدرس فرض قيود جديدة صارمة على الأسطول القديم من السفن التي تحمل النفط الروسي بشكل غير مشروع حول العالم، وذلك في أعقاب تقاريرَ عن تسرب نفطي في البحر الأسود بسبب ناقلتين روسيتين معطوبتين تحملان آلاف البراميل من الخام.

وبدورها قالت رئيسة وزراء إستونيا بتاريخ 17 ديسمبر 2024، إن السفن التابعة لأسطول ناقلات النفط الروسي المزعوم ستتعرض للصعود على متنها أو وضعها على قائمة العقوبات إذا لم تُقدم دليلاً على التأمين، وأضافت كريستين ميشال للصحفيين "إذا لم تتعاون السفن، فسيتم اتخاذ الخطوات التالية: وضعها على قائمة المحظورات، أو الصعود إليها في مناطق معينة".

كما أعربت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن مخاوفها بشأن "أسطول الظل" الروسي في أعقاب الأضرار التي لحقت مؤخراً بكابلات الإنترنت البحرية في جميع أنحاء أوروبا، وقالت بيربوك لمجموعة فونكي الإعلامية الألمانية في 28 ديسمبر 2024: "كل شهر تقريباً، تتسبب السفن في إتلاف كابلات بحرية مهمة في بحر البلطيق". ووصفت أنشطة مشبوهة تقوم بها أطقم السفن، بما في ذلك إسقاط المراسي وسحبها على طول قاع البحر لعدة كيلومترات دون تفسير.

ووافقت اثنتا عشرة دولة غربية وهي بريطانيا وألمانيا وبولندا وهولندا وخمس دول من شمال أوروبا ودول البلطيق الثلاث على "تعطيل وردع" أسطول الظل الروسي، وستبدأ ست دول منها بريطانيا والدنمارك والسويد وبولندا وفنلندا وإستونيا فحص وثائق التأمين الخاصة بالسفن في القناة والمضايق الدنماركية وخليج فنلندا والمضيق الواقع بين السويد والدنمارك، وقال رئيس الوزراء النرويجي يوناس جار ستوير إن الدول الساحلية تُمكنها الاستعانة "بحق الاشتباه" كذريعة للصعود على متن السفن وتفتيشها (رويترز – 17 ديسمبر 2024).

تركيز أوروبي على الأخطار

تركز الدول الأوروبية خلال حديثها عن أسطول الظل الروسي على الأخطار التي يمكن أن يتسبب بها هذا الأسطول على البيئة، ووفقاً للرواية الأوروبية فإن هذا الأسطول يتألف من سفن قديمة تعمل دون تأمين مناسب أو فحوصات أمان، مما أدى إلى تحذيرات متكررة من خطر حدوث تسربات نفطية كارثية على طول السواحل الأوروبية لكن يمكن أن ينظر إلى ذلك على أنه يأتي في إطار مسعى أوروبي لتشديد الضغط الاقتصادي على روسيا وإحراج الدول التي تتعامل مع موسكو من خلال القول بأن هناك تداعياتٍ على الأمن البيئي وعلى مصالح عموم دول المنطقة.

وما يوضح ذلك، أن الدول الأوروبية باتت تربط أيضاً هذا الأسطول بتمويل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وقالت كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في مقابلة مع صحيفة دي فيلت الألمانية نُشرت بتاريخ 30 ديسمبر 2024: "سيتخذ التكتل إجراءاتٍ أقوى لمواجهة الأخطار التي تشكلها هذه السفن"، وأضافت كالاس أن "أسطول الظل الروسي يهدد البيئة ويمول الحرب الروسية".

لكن رغم ذلك، فإن التحذيرات الأوروبية من هذا الأسطول بدأت إعطاء الأخطار طابعاً عسكرياً وأمنياً من خلال القول إن أهداف الأسطول الروسي باتت تتجاوز التهرب من العقوبات، وإن هذه السفن باتت تُستخدَم لأغراض عسكرية. واعتمدت هذه الرواية الغربية على ما تم رصده في بحر البلطيق من حوادث مشبوهة، كان آخرها حادث قطع كابلات الطاقة تحت البحر بين فنلندا وإستونيا، وتم الاشتباه في أن ناقلة النفط "إيجل إس" التي تحمل جميع السمات المميزة لسفن أسطول الظل الروسي، هي المسؤولة عن الحادث، حيث انطلقت من ميناء روسي قبل وقت قصير من قطع الكابلات الحيوية، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

حتى وإن تم منع السفن من الرسو في موانئ الاتحاد الأوروبي، فسوف يُسمح لها بالمرور عبر بحر البلطيق والبحر الأسود للوصول إلى الموانئ الغربية في روسيا، وكانت الدنمارك قد اقترحت في وقت سابق منعها من دخول مياهها الإقليمية وهو ما يعني فعلياً منعها من العمل في بحر البلطيق، ولكن حتى الآن فشلت مثل هذه الجهود في تحقيق نتيجة. كما أن من الأسباب التي تجعل أسطول الظل الروسي يواصل العمل بنجاح، أن الدول الغربية غير قادرة على تحديد السفن التي عليها استهدافها (بولتيكو – 16 ديسمبر).

الخلاصة:

رغم أن الرد الروسي على هذه التهديدات لم يظهر إلى العلن حتى الآن، فإنه من غير المتوقع أن تصل التطورات إلى مرحلة التصعيد غير المدروس الذي يمكن أن يُشعل مواجهة بين الغرب وروسيا، خاصة أن الطرفين ينتظران تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في البيت الأبيض، وهو الذي يمكن أن يبرم صفقة مع روسيا ينهي من خلالها الصراع حول أوكرانيا بحسب ما تعهد به خلال حملته الانتخابية.

بالتالي فإن الإجراءات المتوقعة يمكن أن تقتصر على محاولة الدول الأوروبية إيقاف التهرب الروسي من العقوبات وممارسة مزيد من الضغوط الاقتصادية على موسكو وعلى الدول التي تتعاون معها، وهذا -وفقاً لآراء الكثير من المراقبين- يأتي في إطار إجبار روسيا على الدخول في مفاوضات المرحلة المقبلة وتقديم تنازلات تُرضي جميع الأطراف، كما أنه من المستبعد أن تلجأ روسيا إلى الرد على ذلك بشكل تصعيدي. 

45