مقالات تحليلية

تدهور الأوضاع في دارفور ومواقف الحركات المسلحة من الحرب

20-Jun-2023

منذ الـ 23 من أبريل المنصرم، شهدت ولاية غرب دارفور خاصة حاضرتها الجنينة أعمال عنف ذات طابع عرقي، على خلفية معارك بين الجيش والدعم السريع.

  من المؤسف أن أحد محصلات القتال العرقي ونتائجه الأساسية بمدينة الجنينة هي قُتل والي ولاية غرب دارفور ورئيس التحالف السوداني خميس عبد الله أبكر. وفيما اتهم الجيش قوات الدعم السريع بارتكاب عملية اغتياله، نفت الأخيرة واتهمت استخبارات الجيش بقتل الوالي، وأشارت في بيان لها إلى أن متفلتين من عناصر مليشيات لديهم علاقة بالجيش اختطفوا الوالي من داخل مقره وقاموا بتصفيته.

حادثة اغتيال الوالي تعيد السؤال الذي ظل مطروحاً حول مواقف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا من الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع؟

الحياد موقف مشترك:

لقد بدا واضحاً أن القاسم المشترك للحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام مع الحكومة في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان في أكتوبر 2020، أن موقفها من الحرب هو الحياد، وبذلت الحركات جهوداً مقدرة لرأب الصدع بين الطرفين، وحتى قبل قوع المعارك بيومين أوضح حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في تغريدة على (تويتر) أن جهوده مع رئيس حركة العدل والمساواة ووزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم، وعضو مجلس السيادة مالك عقار، نجحت في وقف مواجهة وشيكة بين الجيش والدعم السريع.. لقد أوقفنا الحرب التي كادت أن تندلع، وجهودنا مستمرة، ولن ندعم القتال وتخريب وطننا". غير أنه بعد أقل من 48 ساعة اندلعت المواجهات العسكرية في الخرطوم.

وبالرغم من الانقسام السياسي الحاد وسط الحركات الدارفورية، حيث أيد رئيس الجبهة الثورية دكتور الهادي إدريس والقائد الطاهر حجر الاتفاق الإطاري، عارضه مناوي وجبريل معارضة شرسة، مع ذلك اتفقوا على الحياد وعدم الانحياز لأي طرف في المعركة، وغادر مناوي الخرطوم إلى الفاشر ومن ثم إلى تشاد، فيما اختار جبريل مواصلة العمل بوزارة المالية من مدينة بورتسودان، وبقي الهادي إدريس في الخرطوم، وحرك الطاهر حجر قواته صوب دارفور، وعين مالك عقال نائبا لرئيس مجلس السياد بدلا عن محمد حمدان حميدتي.

دعوة لحمل السلاح:

  في تصعيد لافت أثارت دعوة مناوي، حاكم اقليم دارفور، جميع مواطني دارفور، نساء ورجالاً، لحمل السلاح لحماية ممتلكاتهم ردود فعل واسعة. قال مناوي في تدوينة على تويتر: إن حركات الكفاح ستساند المواطنين في جميع حالات الدفاع، وأن الاعتداءات تزايدت في مواجهة المواطنين وأضاف كثيرون لا يرغبون في سلامة وحقوق المواطنين ويتعمدون في تخريب المؤسسات القومية.

مناوي برر دعوته بأنها جاءت على خلفية الغياب التام للحكومة، مشيراً إلى إحراق تام لأسواق ثلاثة مدن في دارفور، هي (زالنجي، الجنينة، نيالا)، وحرق جزئي لسوق الفاشر، بجانب حرق ونهب ممتلكات المواطنين ومقرات المنظمات، مشيرا إلى أن قوات الحركات المسلحة محدودة العدد والإمكانيات، وهي تعمل على تأمين الطرق من مدينة كوستي حتى مدينة الجنينة وتنتشر في المدن ومقرات المنظمات.

لقد وجدت دعوة مناوي اعتراضا من القوى السياسية والمدنية، حيث رأي طه عثمان القيادي في الحرية والتغيير- المجلس المركزي، في تحشيد مواطني دارفور لحمل السلاح، جرا لسكان الاقليم لحرب أهلية من جديد.

التحالف السوداني وتأييد الجيش:

 وبقدر ما اختارت حركات مسلحة موقعة على اتفاقية جوبا للسلام، كان لبعضها موقفاً مغايراً، حيث انحازت حركة تمازج إلى قوات الدعم السريع. في الأثناء أيدت قوات التحالف السوداني التي ترأسها والي غرب دارفور القتيل خميس أبكر الجيش، بالرغم من تحالفها وتنسيقها مع قوات الدعم السريع في السابق. 

نشطت قوات حركة التحالف السوداني بين أعوام 2006 - 2010 في مناطق بولاية غرب دارفور، ليختفي قائدها قبل أن يظهر مجدداً عقب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في العام 2019 مؤسساً لحركته ومُشاركاً في مفاوضات السلام التي رعتها حكومة جنوب السودان التي انتهت بالتوقيع على اتفاقية جوبا للسلام.

الحديث الأخير:

وكان والي غرب دارفور خميس أبكر، قال في مقابلة أجرتها معه قناة “الحدث”، إن مدينة الجنينة تعرضت لاستباحة كاملة من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات المسلحة المساندة لها، وأن جميع المنازل والممتلكات والمرافق تعرضت للتدمير التام.

الوالي كان قد نفى قبل مقتله توصيف ما يجري في الجنينة بأنه صراع قبلي بين المساليت والقبائل العربية مشيرا إلى أن الاشتباكات بدأت بين الجيش والدعم السريع في الأيام الأولى للحرب، ثم امتد الهجوم إلى الأحياء التي يقطنها المساليت، قبل أن يتسع نطاق الهجمات لتشمل جميع الأحياء والقبائل.

أشار إلى سقوط عدد كبير من القتلى وارتفاع عدد الجرحى إلى أكثر من ثلاث آلاف جريح، وإلى عدم إمكانية تقديم الاسعافات الأولية والخدمات العلاجية للجرحى بسبب خروج جميع المستشفيات عن الخدمة. كما وجه انتقادات لعدم استجابة حاكم اقليم دارفور والحكومة المركزية لنداءاتهم المتكررة قبل شهر، معرباً عن أسفه لعدم تدخل القوات المسلحة لحماية المواطنين منذ اندلاع الحرب، مبيناً أنها لم تخرج لحماية المواطنين. وقال إن المواطنين اضطروا للتسلح من أجل حماية أنفسهم وأسرهم، لكن لم يستطيعوا المقاومة بسبب التفاوت في التسليح بينهم وبين الدعم السريع والمليشيات.

الوالي القتيل عزا تركيز الدعم السريع على ولاية غرب دارفور لموقعها الاستراتيجي وحدودها مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى، وقال إن تشاد استطاعت السيطرة على حدودها وأغلقتها أمام دخول الأسلحة، لكن ليبيا وإفريقيا الوسطى لم تتخذا ذات الإجراءات.

 لقد سبق مقتل أبكر تحذير رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس، من أن العنف في دارفور، وخصوصاً في الجنينة، قد يرقى إلى "جرائم ضد الإنسانية. البعثة دعت في بيان إلى "الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية من أجل تهدئة الوضع، والتصدي للعنف العرقي المتزايد، والسماح بالحصول على المعونة الإنسانية، ومنع مزيد من التدهور الذي قد يؤدي إلى صراع واسع النطاق".


خلاصات:

 يشكل قتل والي غرب دارفور خميس أبكر تصعيداً في النزاع الذي اندلع في 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، ويتزامن مع تحذيرات متزايدة بتدهور الأوضاع في إقليم دارفور، الذي عانى على مدى عقدين نزاعاً دامياً، خصوصاً في الجنينة، مركز غرب دارفور، إحدى الولايات الأربع للإقليم الواقع بغرب السودان عند الحدود مع تشاد.

فعلى الرغم من محاولة قادة الحركات المسلحة الوقوف على الحياد إزاء الحرب بين البرهان وحميدتي، إلا أن تجدد العرقي في الجنينة، ووقوع ضحايا نتيجته أبرزهم أبكر ينذر بمخاطر أمنية وسياسية أكبر من حسابات القوات المسلحة السودانية في إخماد نفوذ وقوة الدعم السريع، خاصة مع تعذر تنفيذ اتفاق سلام جوبا للسلام الذي كان يستهدف نزع سلاح الحركات ودمج قواتها في الجيش النظامي.

   إن الصراع بين قبيلة المساليت الإفريقية والقبائل العربية في الجنينة ليس وليد اليوم، وإنما كانت بداياته في عام 1999، نتيجة للعدوان المستمر لتجمع القبائل العربية ضد القبائل الإفريقية (الفور، الزغاوة، المساليت). وعلى الرغم من التحذيرات التي أرسلت لحكومة الرئيس السابق عمر البشير، إلا أنها تمادت في دعم القبائل العربية، ما جعل القبائل الإفريقية تصطف وتأتلف معلنة تمردها على الحكومة عبر حركة تحرير السودان.

ويعضد الباحث في الشؤون الدارفورية د. أمين محمود هذه الفرضية، وقد أشار في كتابه (سياحة في دارفور) أن من الأسباب الرئيسية لإشعال النار في إلى هشيم العلاقات المتوترة بين القبائل في دارفور، قيام حكومة البشير (1989-2019) بتنصيب بعض الزعماء الذين لا تتوفر لهم كل أركان السلطة المتمثلة في (الشعب - الأرض) فهم - بحسب تعبيره- (أمراء بلا أطيان)، يزاحمون السكان الأصليين في مناطقهم. تابع أمين: من هنا بدأ النزاع حول الأرض خاصة وأن الحدود الغربية مفتوحة، إذ يستنفر الأمراء الجدد مواطنيهم من خارج السودان ليعززوا نفوذهم، لا سيما وهم مدعومون من الحكومة، أما السكان الأصليين يتمسكون بأرضهم، فهي بالنسبة لهم محدد هوية ومستودع موارد ولعل هذا يفسر تهديد قبيلة المساليت التي تعد ولاية غرب دارفور معقلها الرئيس، بتقرير مصيرها وفقاً لاتفاقية تعود للعام 1919، حال لم تفرض الحكومة التدابير اللازمة لمنع تجدد العنف وأن يضع مجلس الأمن مناطقها تحت الحماية الدولية.

في السياق نلاحظ عودة عدد كبير من نشطاء التواصل الاجتماعي من أبناء القبائل الأفريقية، لنفس حالة التعبئة مشددين على أن الليلة أشبه بالبارحة ولا بد من اتحاد القبائل الأفريقية في مواجهة الخطر المحدق عليها من العرب وقوات الدعم السريع، وربما أسهمت التعبئة في انحياز بعض الحركات للجيش.

إن المخاوف الواضحة من إطالة أمد الحرب، ليس مرده بالأساس، هو انزلاق بعض الحركات المسلحة إلى أحد جانبي الصراع، ولكن العواقب ستكون أكبر من ذلك بكثير، حيث إن السودان محاط بسبع دول معظمها ليست في حال أفضل منه. على سبيل المثال ليبيا في الشمال غير مستقرة، وتشاد في فترة انتقالية، ودولتا أفريقيا الوسطى وجنوب السودان غير مستقرتين أيضاً. 

عليه وفي حالة إطالة أمد الصراع الحالي، قد يستعين كل طرف بدول جارة، وهذا يوسع دائرة الحرب ويشمل الإقليم ويؤدي إلى خلق بؤرة لتنشيط جماعات إيديولوجية في المنطقة مثل بوكو حرام لأن يكون لها موطئ قدم، فهي تستغل عادة عدم الاستقرار والصراعات العسكرية للتوسع، خاصة مع وجود خلايا نائمة للإرهاب في السودان.


107