مقالات تحليلية

تغيرات المشهد السياسي في إسرائيل على خلفية مناهضة الإصلاح القضائي

07-Apr-2023

تشهد اسرائيل انقلابا في مشهدها السياسي ينادي بسيادة القانون متجاوزا الانقسامات التقليدية، وذلك بسبب الحركة الاحتجاجية التي وحدت مجموعة كبيرة من معارضي الإصلاح القضائي الذي تريده الحكومة بأي ثمن.

حتى تشكيل حكومة بنيامين نتانياهو في نهاية ديسمبر 2022 والتي تضم أحزابًا يمينية متطرفة وأخرى يهودية متشددة، كانت الانقسامات بين العلمانيين والمتدينين، ويسار الوسط ويمين الوسط، واليهودي الاوروبي "الاشكينازي" واليهودي الشرقي "السفارديم"، هي التي تشكل خطوط الصدع الرئيسية في المجتمع الإسرائيلي. لكن هذه الانقسامات اهتزت بسبب الإصلاح القضائي الذي اقترحته الحكومة والهادف الى منح سلطات أكبر للسياسيين وإضعاف صلاحيات المحكمة العليا.

ويعتبر الإصلاح القضائي برنامجا أساسيا في تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الحكومي والذي يضم أحزابا يهودية متشددة ويمينية متطرفة. وتؤكد الحكومة أن الإصلاحات تهدف إلى تصحيح حالة من عدم التوازن بين السلطة القضائية وأعضاء البرلمان المنتخبين.

ومنذ إعلان الاصلاحات القضائية في كانون الثاني/يناير وطوال ثلاثة اشهر، انطلقت احتجاجات كبيرة معارضة لها شملت العاملين في مجال التكنولوجيا وجنود الاحتياط في الجيش والجماعات المناهضة للاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، والجماعات النسوية والمدافعين عن حقوق مجتمع الميم وسواهم. ورفع جميع هؤلاء شعار "ديموقراطية".

وقالت المتخصصة في علم الاجتماع في الجامعة العبرية ايفا إيلوز لوكالة فرانس برس "في الواقع إنها المرة الأولى التي توجد فيها بالفعل حركة جماهيرية يمكنها أن تضم الجماعات التي لم يكن يجمعها اي قاسم مشترك حتى الآن. أناس من اليسار ومن اليمين المعتدل ومن العلمانيين ومن المتدينين، عرب ويهود ينتقدون سياسة الحكومة". واعتبرت ان دوافع نشوء هذا المعسكر السياسي الجديد "أخلاقية" و"اجتماعية".


 العلماني ضد المتدين 

يعتبر الاسرائيليون ان بلدهم هو الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. لكن العديد من المنتقدين خارج إسرائيل وداخلها، يشيرون إلى الطبيعة "غير المكتملة" لهذه الديموقراطية انطلاقا من التمييز الذي تعانيه الأقلية العربية واستمرار الاحتلال الاسرائيلي  للأراضي الفلسطينية.

تم التعبير عن الاحتجاج بشكل خاص في تل أبيب ، معقل اليسار الإسرائيلي، الا أن تظاهرات لليمين المعتدل مناهضة للاصلاح سجلت في مناطق مختلفة وشملت شخصيات بارزة من مثل وزير الدفاع الاسبق موشيه يعالون الذي أصبح من وجوه الحركة الاحتجاجية. وحتى داخل حزب الليكود اليميني بزعامة نتانياهو بدأت أصوات معارضة تُسمع بسبب الحجم الهائل للاحتجاجات.

لم تضم التظاهرات سوى عدد محدود من اليهود المناهضين للاحتلال الاسرائيلي، كما ان عرب اسرائيل الذين يشكلون نحو عشرين في المئة من السكان لم يشاركوا فيها الى حد بعيد. ولاحظت ايفا ايلوز "أن حركة الاحتجاج هي أيضًا تمرد العلماني ضد المتدين حتى لو لم يعلن ذلك في إسرائيل، حيث يشكل اليهود المتدينون المتشددون أكثر من 10٪ من السكان وهم معفون من الخدمة العسكرية".

هؤلاء المتشددون لا يعملون ويكرسون وقتهم للدراسات الدينية ويعتمدون على الإعانات الحكومية والإعفاءات الضريبية لإعالة أسرهم الكبيرة. وتدافع الأحزاب المتشددة داخل تحالف نتانياهو عن المجتمع المتدين المتشدد، الامر الذي يثير استياء قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي الذي يتهم المتدينين بالعيش على حسابه.


اصلاح شعبوي

تضاف الى ذلك مخاوف واسعة على اقتصاد البلاد الذي يعاني عدم استقرار سببه الإصلاح القضائي المأمول به. وتجلى ذلك خصوصا في انخفاض قيمة الشيكل مقابل الدولار هذا العام. وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسبوع الفائت أن 29 % فقط من السكان أبدوا رضاهم عن الطريقة التي يتم بها دفع الإصلاح القضائي إلى الأمام.

من جهته قال أمير فوكس الباحث في معهد الديموقراطية الإسرائيلي لفرانس برس "إن أكثر من 60٪ من الاسرائيليين يعارضون الاصلاح القضائي"، موضحا "أن الخط الفاصل بين اليمين واليسار والمتدينين والعلمانيين موجود، لكن العديد من ناخبي الحكومة الحالية من اليمين او من المتدينين ضد الإصلاح في شكله الحالي، ويرون أنه راديكالي وشعبوي" . وأكد أن "الديموقراطية بالنسبة اليهم ليست حكومة الأغلبية فقط، بل تعني الدفاع عن الأقليات وحقوق الإنسان واستقلال القضاء".

وتظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب السبت للأسبوع الثالث عشر على التوالي ضد الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي جمدته الحكومة، بينما تجري محادثات بشأنه بين ممثلي الأحزاب.

66