أعلن "حسام زكي" الأمين العام المساعد للجامعة العربية، في بيان عقد القمة 32 على مستوى القادة في 19 مايو المقبل في مدينة الرياض السعودية. وكانت قد عقدت القمة الأخيرة في الجزائر في نوفمبر 2022، بعد توقف لمدة ثلاث سنوات بسبب جائحة كوفيد. (AFP: 26 March 2023) وتأتي القمة المرتقبة وسط متغيرات على الصعيد الإقليمي والعربي في ظل الحراك المتعلق بعودة سوريا للجامعة العربية، والحرب في السودان، والأزمات التي تسببت فيها الحرب في أوكرانيا، وغيرها. فضلا عن عقدها في فترة اتسمت بالتفاهمات وتطبيع العلاقات، كالتقارب السعودي الإيراني، والسوري العربي، والسوري التركي، والتركي العربي. وتجري هذه التفاهمات بسرعات وأشكال وصيغ مختلفة تحدد نجاحها عوامل متعددة عند كل طرف.
ويرى الدكتور "ناصيف حتي" وزير الخارجية اللبناني الأسبق أن الثقل الإقليمي والدولي للمملكة العربية السعودية، التي ستستضيف قمة هذا العام، هو ما يشكل قوة دفع إيجابية على أي عمل أو مبادرة عربية مشتركة تنتج عن القمة. وقال "إن السياسة الناشطة والمبادرة والبراغماتية التي تتبعها المملكة، تهدف إلى بناء نظام إقليمي مستقر وعلاقات دولية متنوعة ومتوازية ومتوازنة مع القوى الكبرى". (وكالة أنباء الشرق الأوسط: 9 مايو 2023)
إن أهمية هذه القمة، وفقا لرأي المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية "سالم اليامي"، تكمن في أنها تتزامن مع ظروف إيجابية تطغى عليها أجواء المصالحات، والسعي للبحث عن حلول عملية لمشاكل العالم العربي السياسية والتنموية. ويؤكد ذلك المحلل السياسي السعودي "عبد الله الرفاعي"، حيث قال إن تطورات المنطقة والترتيبات السياسية والأمنية التي تقودها السعودية، ستكون حاضرة بقوة في قمة الرياض. (بوابة قناة المشهد في دبي: 9 مايو 2023)
المسالة السورية على رأس المناقشات
تعد المسألة السورية واحدة من أهم الملفات التي من المنتظر أن تكون على رأس طاولة الحوار في القمة العربية. ويرجح المتابعون أن الوضع الراهن في سوريا يشهد عددا من عناصر اكتمال البنية السياسية التي يمكنها تقديم حل شامل للأزمة (إندبندنت العربية: 26 مارس 2023). وربما يعجل ذلك قرار إنهاء تعليق عضويتها وإعادتها إلى أحضان الجامعة العربية في البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب. وقد صرح الأمين العام للجامعة "أحمد أبو الغيط" بأن الرئيس "بشار الأسد" يمكنه المشاركة في القمة المقبلة إذا رغب في ذلك. (BBC: 7 May 2023)
ويبدو أن عودة سوريا إلى الجامعة ليست إلا مجرد بداية لمعالجة أزمتها، بعد أن نجحت الإمارات العربية المتحدة في الدفع باتجاه إعادة العلاقات العربية لطبيعتها مع سوريا والأسد. وقال "أبو الغيط" في مؤتمر صحفي إن عودة سوريا لشغل المقعد بداية حركة وليست نهاية مطاف، وأن مسار التسوية للأزمة سيأخذ مرحلة من الإجراءات (DW: 7 May 2023). ويبدو أن المشهد السوري سيأخذ حيزا ليس بالقليل من أجندة القمة.
ومن جهته يرى "أحمد سيد أحمد" خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام، أن سوريا ستكون حاضرة بقوة في القمة، وقال "إن مشاركة الأسد ستكون بمثابة تتويج للجهود التي بُذلت خلال الأشهر الماضية لعودة دمشق إلى الجامعة"، وقد أعلنت الرئاسة السورية أن العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز" وجه دعوة للأسد للمشاركة في القمة (التليفزيون السوري: 10 مايو 2023). وبدوره يرجح "اليامي" أن قمة الرياض ستشهد إصدار قرارات ذات صلة بالحل السياسي في سوريا، ومساعدتها في بناء خطة وطنية للمصالحة. (المشهد: 9 مايو 2023)
الفراغ الرئاسي في لبنان
منذ نهاية أكتوبر عام 2022، والكتل النيابية اللبنانية تفشل في استبدال الرئيس المنتهية ولايته "ميشال عون"، حتى أنه في الجلسة الحادية عشر لاختيار الرئيس يوم 19 يناير الماضي، حصل "ميشال معوض"، الذي يفضله المعسكر المناهض لحزب الله، على 34 من أصل 86 صوتا مطلوبا للفوز بالجولة الأولى، وهو أضعف أداء له حتى الآن في مواجهة التحالف الموالي للحزب، الذي يفتقر إلى الإجماع الداخلي (اليوم السابع: 19 يناير 2023).
يبدو أن الحراك الخارجي المرتبط بالملف الرئاسي في لبنان، لم يفقد زخمه بعد، خلافا لما يجري الترويج له في الداخل اللبناني، بل أنه دخل حاليا فيما يُشبه استراحة مؤقتة إلى ما بعد انعقاد القمة العربية المقبلة في الرياض، حيث أن ما قد يصدر عنها في شأن لبنان يشكل عاملا مساعدا يُبنى عليه، لتزخيم الجهود أكثر من ذي قبل، ودفع الفرقاء اللبنانيين الى التوافق على رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن. (صحيفة الجمهورية اللبنانية: 9 مايو 2023)
وفي اعتقادنا إذا لم يتم الوصول إلى تسوية سياسية عادلة يرضى عنها الشعب اللبناني خلال قمة الرياض، فمن الممكن أن يستمر هذا الفراغ الرئاسي إلى أجل غير مسمى، فعلى الجامعة العربية الآن واجب الانخراط في مسار الحسم النهائي، والتفاعل الايجابي والواقعي والعقلاني مع أي مسعى توافقي يكسر الفراغ في سدة الرئاسة، ويؤسس الى انتخابات رئاسية قريبا.
الاقتتال في السودان
يتزامن مع انعقاد قمة الرياض مرور ما يزيد عن شهر على اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ومن المعروف أن مدينة جدة السعودية تستضيف حاليا مفاوضات بين طرفي النزاع، لكن وللأسف لم تحرز تقدما كبيرا حتى كتابة هذا المقال.
يذكر الكاتب العماني "عوض بن سعيد باقوير" أن الحرب في السودان تعد خطيرة ليس فقط على السودان وشعبه ومقدراته، بل على الدول العربية المجاورة، وستتدخل فيها قوى إقليمية ودولية، خاصة وأنها حرب للسيطرة على النفوذ والثروة، وهذه هي مشكلة السودان منذ الاستقلال في عام ١٩٥٦، وهو ما يدعو الجامعة العربية إلى إيجاد حل سريع للأزمة. (صحيفة عمان: 2 مايو 2023) ويتفق الخبراء والمحللون على أن الحرب في السودان ستكون الملف الأبرز خلال القمة، إذ يقول "عبد الله الرفاعي": "إن أوضاع السودان ستكون حاضرة باعتبارها أخطر تهديد للأمن القومي العربي حاليا".
على أية حال، سوف تكون قمة الرياض فرصة لمناقشة الوضع في السودان باستفاضة، ومحاولة لإقناع الشعب السوداني بقبول الحلول السلمية التوافقية، لإبعاد شبح الحرب والتقسيم الذي يخيم على بلادهم. وهي أيضا فرصة للبرهان لإقناع العرب بوجهة نظر الجيش الذي يعتبر صمام أمان للسودان. وعلى حد قول الباحث السياسي "مبارك آل عاتي" فإن الأزمة السودانية من أبرز الملفات الشائكة والمؤلمة للدول العربية، وقمة الرياض تستطيع خلق وجهة نظر موحدة تجمع الأطراف المتنازعة لبدء مفاوضات سياسية شاملة. (المشهد: 9 مايو 2023)
حضور حتمي للقضية الفلسطينية
يبدو أن التطورات اليومية التي تشهدها الأراضي المحتلة ستضع القضية الفلسطينية على طاولة المناقشات خلال القمة العربية. وقد طالب "محمود الهباش" مستشار الرئيس الفلسطيني الدول العربية بأن يكون صوتهم تجاه فلسطين قويا في القمة العربية، فالسلطة لا تعوّل على الإدارة الأميركية في وقف أعمال التصعيد الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني مستمر في الدفاع عن حقوقه وسيثير قادته العديد من المناقشات في أروقة القمة للحد من الممارسات الإسرائيلية في ظل حكومة نتنياهو، خاصة وأن إسرائيل تتهرب من الجلوس على طاولة الحوار منذ أكثر من 10 سنوات. (اليوم السابع: 9 مايو 2023)
كما ناشد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ "عبد اللطيف دريان" القادة العرب بأن تكون القضية الفلسطينية في مقدمة أولويات القمة المرتقبة، وتأمين كل أشكال الحماية والدعم للشعب الفلسطيني، والعمل على دعم صموده لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي يحدث على مرأى من المجتمع الدولي. (صحيفة الأهرام: 11 مايو 2023)
الانتخابات الليبية المتعثرة
أكدت القمة 31 في الجزائر على أولوية إجراء الانتخابات الليبية التشريعية والرئاسية المتعثرة. لكن بيانها الختامي لم يحمل أي حلول للأزمة، ولم يتطرق الى الخلاف الدائر بين الحكومتين المتنافستين، أو انقسام البلاد بين برلمان ومجلس أعلى للدولة، الأمر الذي يؤدي إلى مواجهات عسكرية متكررة. (بوابة إفريقيا الإخبارية: 4 نوفمبر 2022)
وفي الوقت الذي يستهدف فيه معارضي مبادرة المبعث الأممي "باتيلي" إطالة أمد الأزمة والبقاء في المشهد السياسي، تأتي قمة الرياض على أمل أن يقدم القادة الكبار الحلول الفاعلة لأزمة الانتخابات المتعثرة، وسط رغبات ملحة في أن تتبنى الجامعة مبادرة إقليمية بديلة، وتوحيد الصفوف الليبية للوصول بالبلاد إلى انتخابات تشريعية ورئاسية تخرج بها من عنق الزجاجة.
ملفات دولية ساخنة
لقد عرضت أزمة أوكرانيا البلاد العربية لمخاطر الأمن الغذائي بشكل واضح، وقد حان الوقت لأن يفكر القادة العرب خلال القمة القادمة في استراتيجية اقتصادية إنتاجية تكاملية، في مجالات الزراعة والتصنيع الزراعي، وفتح سبل التعاون بين العرب لتحقيق هذا الهدف.
ويجب الاتفاق في القمة على مشاركة مختلف الدول العربية التي تمتلك العناصر المختلفة من أرض صالحة للزراعة أو عمالة وافرة للتصنيع، أو قدرات مادية وفنية للاستثمار الذي يحمي شعوبها من تكرار الأزمة التي تسببت فيها حرب أوكرانيا. وفي رأي الدكتور "حتي" يعد التعاون الاقتصادي التكاملي مصلحة استراتيجية لكافة الدول العربية، ويعزز الأمن الوطني. (وكالة أنباء الشرق الأوسط: 9مايو 2023)
كذلك، من المتوقع حضور ملف الاتفاق السعودي الإيراني في جلسات القمة، نظرا لارتباطه بالعديد من الملفات المهمة، مثل الأزمة في سوريا وعلاقاتها مع إيران، والعلاقات العربية مع إسرائيل في ظل هذا الاتفاق، وحل الأزمة السياسية في لبنان وضرورة التوافق مع حزب الله، فضلا عن علاقات العرب بدول العالم. ووفقا للدكتور "أحمد بطاح" أستاذ السياسة في الجامعة الأردنية، من المؤكد أن هذا الاتفاق سوف يضاعف من مرونة العراق أيضا في التخلص من النفوذ الإيراني واستعادة علاقاته بالعرب والعالم لطبيعتها، الأمر الذي قد يساعده أيضا في الحد من النفوذ الأميركي القائم حتى بعد زوال الاحتلال الفعلي (Talaba News: 5 May 2023) وكل ذلك يحتاج إلى نقاش لتوفيق وجهات نظر القادة العرب خلال القمة المرتقبة.
رؤية ختامية
من المتوقع أن ينعكس التحول الجاري على مستوى الشرق الأوسط على أجندة قمة الرياض، والتي من الممكن أن تقوم بتحريك الأجندات الخاملة من القمم السابقة. وأن تحتوي الجلسات إلى جانب القضايا السياسية والأمنية على مناقشات تخص العلاقات العربية الصينية ومبادرة الحزام والطريق والتغيرات المناخية وسبل مواجهتها، والتطور التكنولوجي، وغيرها من الموضوعات التي تهم الشارع العربي. فضلا عن التحاور حول ضرورة تعزيز ميزانية الجامعة العربية لكي تستطيع التعامل مع الأوضاع الجديدة في العالم.
إن قمة الرياض تمثل أملا للعرب في أن ينجح القادة الكبار في إيجاد حلول جذرية تحافظ على الأمن القومي العربي الذي يواجه تحديات حقيقية بعد اندلاع الثورات العربية، والحروب الدائرة في محيط المنطقة، وأيضا الحروب الدولية المحتملة التي تنتظر شرارة الاشتعال، ودخول بعض الدول العربية في حروب أهلية، خاصة في سوريا واليمن وليبيا، وأخيرا السودان.
أمام القادة ملفات صعبة ومعقدة، ولا ينتظر أن تنجح القمة في حل تلك الأزمات دفعة واحدة، ولكن من المهم إيجاد طرف خيط لحلها، وإيجاد حلول توافقية تقوم على مبادئ يتم الاتفاق عليها بالتنسيق مع كافة المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد حلول تكاملية عاجلة للاقتصاد العربي.