تشهد الساحة التركية حالة من الجدل والسجال عقب إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تقريب موعد الانتخابات من 18 يونيو إلى 14 مايو، ما يشير إلى أن هناك ظروفاً سياسية واقتصادية جديدة يريد حزب العدالة والتنمية استغلالها في التوقيت المناسب في ظل حالة من الارتباك تسود موقف المعارضة التركية.
وتسعى ستة أحزاب تركية لقطع طريق الرئاسة أمام أردوغان ضمن تحالف "طاولة الستة" الذي تشكل أواخر فبراير 2022 ويضم حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليتشدار أوغلو وحزب الخير بزعامة ميرال أكشنار وحزب السعادة بزعامة تمل كرم الله أوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) الذي يتزعمه علي باباجان وحزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق الذي انشق عن حزب العدالة والتنمية والحزب الديمقراطي بزعامة غول تكين أويصال. وتعهد هذا التحالف بإعادة تركيا إلى الديمقراطية البرلمانية وإلغاء النظام الرئاسي التنفيذي الذي أدخله الرئيس الحالي بعد استفتاء عام 2017 إذا أطاح به في الانتخابات المقبلة. ولئن تثق المعارضة التركية في قدرتها على إزاحة أردوغان في الانتخابات المقبلة بعد عقدين من حكمه فإنها تدرك أن ذلك لن يتحقق سوى بالاصطفاف خلف مرشح رئاسي موحد وهو ما لم يتم الاتفاق عليه حتى الآن (ميدل إيست أونلاين 18 يناير).
لماذا أصبح خيار الانتخابات المبكرة أكثر ترجيحاً؟
لم يعد موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا موضع تكهن، بعد التلميحات التي أطلقها الرئيس، رجب طيب أردوغان وحليفه دولت باهشتلي خلال الأيام الماضية، مبديان استعدادهما لخوض المنافسة في الرابع عشر من شهر مايو، أي قبل قرابة شهر من التاريخ المحدد دستورياً في الثامن عشر من يونيو المقبل. (الحرة 19 يناير).
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه يرفض تصنيف الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستعقد في 14 مايو القادم، باعتبارها مبكرة، وأعلن أنه سيحل البرلمان، وأضاف أردوغان خلال لقائه مع مجموعة من الشباب في ولاية بورصة التركية "أشكر الله على أننا سنسير جنباً إلى جنب معكم، بعض شباننا سيدلون بأصواتهم لأول مرة، في انتخابات يوم 14 مايو". (زمان التركية 23 يناير).
وعلى الرغم من أن مسؤولي حزب العدالة والتنمية وحلفاءَهم أكدوا خلال عام 2022 أنه لا يوجد هناك تعديل على موعد الانتخابات كما كانت تطالب المعارضة التركية بضرورة إجراء انتخابات مبكرة إلا أنه وعلى ما يبدو بأن الظروف السياسية تغيرت ما دفع الحزب الحاكم إلى ترجيح خيار تقديم موعد الانتخابات ومن هذه الظروف هو تشتت المعارضة السياسية بعد أن كانت تهدد آمال حزب أردوغان وهذا ما يشكل فرصة مواتية للأخير.
وهناك طريقان لحسم موعد التنظيم في شهر مايو، الأول يمر بشكل أساسي من خلال البرلمان، إذ يجب أن يصوت 360 نائباً على الأقل لصالح قرار التقديم. ومع ذلك لا يمتلك تحالف حزب أردوغان والمقابل للمعارضة هذه النسبة للتمرير، ويشغل "تحالف الشعب" (العدالة والتنمية والحركة القومية) 334 مقعداً في البرلمان، وبالتالي يجب أن يؤيد 26 نائباً من المعارضة على الأقل قرار انتخابات 14 مايو، ولذلك تشير معظم تحليلات الصحفيين والباحثين الأتراك إلى أن الرئيس التركي سيمضي بهذه الخطوة بسلطته الدستورية، ويمكن لأردوغان أن يقود البلاد إلى الانتخابات باستخدام السلطة الممنوحة له بموجب الدستور، مع المادة 116، وبالتالي يبدو أن هذا الاحتمال هو الأقوى. وفي حال سلك الرئيس التركي هذا الطريق فعليه أن يعلن قرار التقديم والتاريخ المحدد قبل 60 يوماً على الأقل من الانتخابات. (الحرة 19 يناير).
دوافع تقديم موعد الانتخابات
هناك دوافع عديدة وراء لجوء حزب العدالة والتنمية لتقديم موعد الانتخابات وأبرزها، الدافع الأول وهو رغبة أردوغان بالتهرب من معضلة سياسية تتمثل بعدم جواز ترشيحه لمرة ثالثة، ويمنع الدستور الحالي ترشيح الرئيس لأكثر من دورتين، لكن في حال أجريت الانتخابات قبل موعدها يمكن للرئيس الفائز مرتين بالرئاسة المشاركة في الانتخابات للمرة الثالثة، وتولى أردوغان منصب رئاسة الوزراء في تركيا منذ عام 2003، قبل أن يصبح رئيساً لتركيا عام 2014، ويعاد انتخابه مجدداً لأول مرة ضمن النظام الرئاسي الجديد عام 2018 لفترة رئاسية تمتد لخمسة سنوات تنتهي منتصف العام الحالي.
كما أن أوساطاً داخل الحزب الحاكم ترى أن تقديم موعد الانتخابات ولو لشهر واحد سيكون ضرورياً من أجل تجنب انعكاسات سلبية لتنقلات الناخبين بين دوائرهم الانتخابية سواء بين محافظات داخل البلاد أو بين داخل وخارج البلاد وذلك لتصادف موعد الانتخابات المقرر حالياً مع قرب الإجازة الصيفية وتنقلات المواطنين من المدن الكبرى إلى مدنهم الأصلية ومن داخل تركيا وخارجها والعكس، حيث يعيش ملايين الأتراك في أوروبا وتلعب أصواتهم دورا مهماً في الانتخابات المقبلة التي يقول مراقبون إن "كل صوت فيها سيكون مهماً وربما فارقاً أيضاً"، كما تبرز أهمية التقديم في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في حال إجرائها، حيث يتوقع أن لا يتم حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى وبالتالي الذهاب نحو جولة ثانية ستكون -على الموعد الرسمي للانتخابات- في وسط العطلة الصيفية وهو ما يعني إرباكاً كبيراً في حساب أصوات الناخبين، وهو ما قد ينعكس سلباً على حظوظ المرشحين (القدس العربي 3 يناير).
المكاسب
وبالإضافة إلى الدوافع، هناك مكاسب يريد حزب العدالة والتنمية تحقيقها ومن هذه المكاسب محاولة أردوغان عبر تقديم موعد الانتخابات إرباك التحالف السداسي الذي لم يحسم أمره بعد بشأن مرشحه وسط أنباء عن تباين وخلافات في وجهات النظر بين قادة هذا التحالف الذي توحد في جبهة واحدة على أمل تقديم منافس قوي يواجه أردوغان.
وتجمع كلّ المؤشرات على أن سباق الرئاسة سيكون استثنائياً بكل المقاييس أمام تصميم المعارضة على إزاحة أردوغان مستغلة تدهور الأوضاع المعيشية واحتدام الأزمة المالية وتصاعد التوترات مع بعض حلفاء البلاد، بينما يشكل هذا التطور في توقيته محاولة من أردوغان لإرباك المعارضة التي شكلت في معظمها جبهة موحدة لعزله سياسياً. (ميدل إيست أونلاين 18 يناير).
وإلى حدّ الآن لم يتفق تحالف "طاولة الستة" على مرشح بعينه، بينما يبدو قرار الكشف عن اسم مرشحه في فبراير، محاولة لطمأنة أنصاره وقطعاً للطريق على محاولة أردوغان إرباك قواعده الانتخابية وإظهار أنه يعاني من خلافات. (أحوال التركية 20 يناير).
وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك بعد اقتصادي لهذه الخطوة حيث تأتي بعد مجموعة من القرارات التي أصدرتها الدولة التركية خلال الأسابيع الماضية حول زيادة الأجور ورواتب موظفي الدولة وتسهيلات القروض والسكن للأشخاص والشركات والتقاعد المبكر لملايين الموظفين ويريد حزب العدالة والتنمية استغلالها في التوقيت المناسب وأن يستثمر ذلك انتخابياً قبل أن تنتهي فاعلياتها في الشارع التركي.
يحمل موعد 14 أيار 2023 رمزية خاصة للأتراك، حيث يشير إلى تاريخ انتقال تركيا إلى التعددية الحزبية حين نجح "الحزب الديموقراطي" في هزيمة حزب "الشعب الجمهوري" في انتخابات 14 أيار 1950، ومنذ ذلك الحين لم يتمكّن الحزب من الحصول على أغلبية برلمانية تخوّله تشكيل الحكومة بمفرده، كونه كان الحزب الوحيد المخوّل بممارسة النشاط السياسي منذ إعلان الجمهورية التركية عام 1923، ويعتبر التيار الديني في تركيا يوم 14 أيار 1950 مناسبة "للتحرر من طغيان حزب الشعب الجمهوري" فيما يرى التيار القومي في هذه المناسبة ولادة للديموقراطية في تركيا. كل هذه الأسباب وغيرها تجعل من الموعد المذكور الأرجح لإجراء الانتخابات المصيرية التي ستحدد شكل تركيا في المئوية الثانية من تأسيس الجمهورية. (الخبير في الشأن التركي، سركيس قصارجيان – صحيفة النهار 12 يناير).
المعارضة التركية.. تشرذم يستغله أردوغان
عجل تلميح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية من يونيو إلى مايو تحركَ المعارضة التركية الرئيسية الممثلة في تحالف من ستة أحزاب وتعرف بالتحالف السداسي أو "طاولة الستة"، حيث قال مسؤول في حزب معارض، إن التحالف سيعلن في فبراير مرشحه للسباق الرئاسي لمنافسة أردوغان الذي يحكم البلاد منذ 20 عاماً، وقال أينال جيفيكوز وهو مستشار لزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار كأوغلو للصحفيين "اسم المرشح للرئاسة سيُعلن على الأرجح في وقت ما في فبراير" وأوضح أن زعماء أحزاب المعارضة الستة سيكشفون يوم 30 يناير في وثيقتين عن مقترحاتهم لفترة انتقالية نحو نظام برلماني وعن برنامجهم للحكومة. (أحوال التركية 20 يناير).
ومن أبرز المرشحين لمواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية كان عمدة بلدية إسطنبول والقيادي في حزب الشعب الجمهوري المنضوي في التحالف السداسي، أكرم إمام أوغلو، إلا أنه تم حرمانه من المشاركة بقرار قضائي، بالإضافة إلى الوزير والقيادي السابق في حزب العدالة والتنمية علي باباجان، كمرشح محتمل لمنافسة أردوغان. وقد أبدى استعداده للترشح رسمياً إذا زكاه التحالف السداسي. وفي حال لم يزكه سيترشح من تلقاء نفسه، ومن الأسماء الأخرى أيضاً التي يتردد اسمها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو لكن يبدو أنه لا يحظى بموافقة "طاولة الستة".
وما يزيد من تشرذم المعارضة، إعلان «جبهة الحرية والعمل» التي تضمّ «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي (على الأقلّ 10% من الأصوات تذهب إليه)، وأحزاباً يسارية أخرى، عن تسمية مرشّحها الخاص للرئاسة قريباً. وهذا يعني، بلغة الحسابات، أن الصوت الكردي سيذهب، في الدورة الأولى، إلى مرشّحه الخاص به، ولن يذهب إلى مرشّح المعارضة في حال قدّمت «الطاولة» مرشّحاً موحّداً ومشتركاً. كما يعني -أيضاً بلغة الأرقام- أن مرشّح المعارضة لن يفوز من الدورة الأولى، تماماً مثلما لن يفوز أردوغان في هذه الدورة، حيث يُتوقَّع أن ينال كلُّ منهما حدود 42% - 44% من مجموع الأصوات. وذلك، حسابيّاً، يصبّ في مصلحة الرئيس التركي، لأن الذهاب إلى دورة انتخابية ثانية يدفع قوى سياسية كثيرة، كما الناخب نفسه، إلى إعادة حساباته. وعلى خلفية ما تَقدّم كلّه، يشجّع أردوغان على تقديم موعد الانتخابات، قبل إتاحة الفرصة أمام المعارضة للتوحُّد أو إطلاق حملة انتخابية كاملة وشاملة في كلّ تركيا. (الخبير في الشأن التركي محمد نور الدين - صحيفة الأخبار 19 يناير).
وهناك عدة سيناريوهات أمام المعارضة التركية، السيناريو الأول هو اقتناع زعيم المعارضة كليتشدار أوغلو بعدم ترشيح نفسه وتقديم مرشح آخر من التحالف، أما السيناريو الثاني أن يضمن زعيم المعارضة دعم شركائه في الطاولة السداسية لترشيح نفسه، السيناريو الثالث هو توافق الطاولة السداسية على مرشح واحد ولكن من خارج الأحزاب الستة، أما السيناريو الرابع يتمثل في عدم قدرة الطاولة السداسية على التوافق على مرشح واحد قبل موعد الانتخابات وبالتالي نكون أمام أكثر من مرشح منها، بل قد يقرر كل حزب أن يقدم مرشحه الخاص. (الجزيرة 22 يناير).
خلاصة تحليلية
يسعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية إلى استغلال تشرذم المعارضة التركية وعدم اتفاقها على مرشح ما شجعه على تقريب موعد الانتخابات.
وعلى الرغم من أن المعارضة التركية كانت في الصدارة وباتت في مرحلة من الوقت تهدد آمال أردوغان بالفوز بولاية جديدة إلا أن أردوغان استعاد الزخم بسبب عدم توحد المعارضة بالإضافة إلى التطورات الخارجية وخاصة انطلاق مسار التطبيع مع حكومة دمشق والتعهد بحل قضية اللاجئين السوريين بالإضافة إلى تهدئة أردوغان مع دول المنطقة وخاصة الدول الخليجية ومصر وبروز الدور التركي في الحرب الروسية–الأوكرانية كوسيط في عدد من الملفات، كل هذه العوامل أعادت إنعاش آمال أردوغان.