مقالات تحليلية

انسحاب بايدن من السباق الرئاسي وتساؤلات حول كامالا هاريس

22-Jul-2024

يؤثّر انسحاب جو بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر أيضا على حملة خصمه الجمهوري دونالد ترامب الذي يعتبره هدفه الديموقراطي المفضل.

صحة الرئيس 

لعدة أشهر، ركز دونالد ترامب وحلفاؤه على المخاوف بشأن صحة الرئيس المنتهية ولايته والبالغ 81 عاما، وشاركوا مقاطع فيديو لكل تلعثم وخطأ وتعثّر في تصريحاته. وقال المرشح الجمهوري على شبكته الاجتماعية تروث سوشال بعيد إعلان الانسحاب "جو بايدن لم يكن مؤهلا لأن يكون مرشحا للرئاسة، وبالتأكيد ليس مناسبا للخدمة". لكن على الجمهوري، الذي نجا من محاولة اغتيال، أن يقوم بتحول استراتيجي.

نبأ سيئ لترامب 

يعتبر هنري أولسن من مركز "إثيكس أند بابلك بوليسي" المحافظ في تصريح لوكالة فرانس برس أن "هذا نبأ سيئ لترامب". ويشير المحلل السياسي إلى أنه قبل الإعلان عن انسحاب بايدن كان الأخير "يحظى بأدنى مستوى من الموافقة على الإطلاق تم تسجيله في استطلاعات الرأي لولاية أولى وسنّه عائق لا يمكن تجاوزه". ويضيف "من الأفضل لترامب أن يخوض الانتخابات ضده بدلا من أي منافس محتمل آخر".

مهاجمة هاريس 

وإذا كانت حملة الجمهوريين قد قللت حتى الآن من فرص مثل هذا الانسحاب، فقد عمل مسؤولوها مؤخرا خلف الكواليس على أفضل أساليب مهاجمة المرشح الديموقراطي البديل: نائبة الرئيس كامالا هاريس.

من المتوقع أن تدخل السيناتور السابقة عن ولاية كاليفورنيا البالغة 59 عاما، والتي أصبحت أول امرأة وكذلك أول شخص أسود وآسيوي يتولى منصب نائب الرئيس، في منافسة مع شخصيات أخرى من الحزب الديموقراطي على بطاقة الترشح.

انتقد فريق حملة دونالد ترامب الأحد هاريس، بعد أن دعمها بايدن للترشح عن الحزب الديموقراطي، قائلا إنها ستكون "أسوأ" من الرئيس المنتهية ولايته.

وقالت الحملة في بيان "ستكون هاريس أسوأ بالنسبة لشعبنا من جو بايدن. لقد كانت هاريس عامل التمكين الرئيسي لجو الفاسد طوال هذا الوقت. إنهما يملكان سجلات بعضهما البعض، ولا يوجد اختلاف بين الاثنين".

أما نائبة الرئيس، فقد أشادت بالقرار "الوطني" الذي اتخذه بايدن بعدم الترشح. وأضافت هاريس في بيان "يشرفني أن أحصل على تأييد الرئيس ونيّتي هي كسب هذا الترشيح والفوز به.... سأبذل كل ما في وسعي لتوحيد الحزب الديموقراطي - وتوحيد أمتنا - لهزيمة دونالد ترامب".

لا تغيير في الجوهر 

وقال دونالد ترامب مؤخرا "سأترشح وأقوم بحملة، سواء كانت ضده أو ضد أي شخص آخر"، في إشارة إلى استطلاعات الرأي التي منحته أيضا أفضيلة ضد العديد من الديموقراطيين الآخرين.

وقال جيسون ميلر، أحد أقرب مستشاري المرشح الجمهوري، لوكالة فرانس برس خلال المؤتمر في ميلووكي، إن الحملة "لن تتغير بشكل جوهري". وأضاف "سواء كان جو بايدن أو كامالا هاريس أو أي ديموقراطي يساري متطرف آخر، فإنهم جميعا مسؤولون عن تدمير اقتصادنا وانهيار حدودنا".

لقد أظهر الناخبون في استطلاعات الرأي منذ أشهر رغبتهم في أن يمثلهم مرشح أصغر سنا. وبالتالي فإن اختيار حاكم ديموقراطي شاب، من ولاية رئيسية، يمكن أن يمثل تهديدا للمرشح الجمهوري الذي سيبلغ 82 عاما في نهاية فترة ولاية ثانية محتملة.

ومن المحتمل أن يشكل ترشيح كامالا هاريس خطرا أيضا لأنها قد تجتذب المزيد من الناخبات اللاتي يصوتن تاريخيا أكثر من الرجال ويشكلن نقطة ضعف للحزب الجمهوري.

ثقافتان متناقضتان 

ومن شأن ترشيحها أيضا أن يمنح الديموقراطيين فرصة لإعادة تعريف هذه الحملة الرئاسية، في مؤتمر الحزب في أغسطس، باعتبارها صراعا بين ثقافتين متناقضتين.

في حال حصولها على بطاقة الترشح، ستواجه المدعية العام السابقة أول رئيس يُدان في محاكمة جنائية في تاريخ الولايات المتحدة وما زال ملاحقا في قضايا أخرى. إضافة إلى ذلك، جسّدت كامالا هاريس الدفاع عن حقّ الإجهاض في إدارة بايدن، وهو موضوع مثير للجدل تضرر منه الحزب الجمهوري سابقا في صناديق الاقتراع.

وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن كامالا هاريس ستحقق نتائج أفضل من جو بايدن ضد دونالد ترامب في ميشيغان وبنسلفانيا، وهما ولايتان يمكن أن تحسما الانتخابات. لكن نائبة الرئيس تشغل المنصب، ما يعني أن دونالد ترامب سيكون قادرا على مهاجمتها على نفس سجل جو بايدن، وخاصة في ما يتعلق بمسألة الهجرة.

وقد تم طرح أسماء العديد من النجوم الصاعدين في الحزب الديموقراطي كبدائل لهاريس، ومن بينهم حكام الولايات جوش شابيرو (بنسلفانيا) وغريتشين ويتمير (ميشيغان)، وغافين نيوسوم (كاليفورنيا). الثابت أنه أيا يكن مرشح الحزب الديموقراطي فإنه لن ينجو من هجمات الملياردير الشرسة.

صفحة جديدة 

بعدما أصبحت أول امرأة وأول شخص أسود يتولى منصب نائب الرئيس الأميركي، قد تكتب كامالا هاريس صفحة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة بعدما حصلت على دعم جو بايدن إثر انسحابه من السباق الرئاسي فضلا عن شخصيات ديموقراطية بارزة، لتصبح المرشحة الديموقراطية.

وفي يناير 2021 أصبحت هاريس أول شخص لديه أصول آسيوية يتولّى منصب نائب الرئيس. وقال عنها الرئيس الديموقراطي في مارس 2023 "لقد حطّمت السقف الزجاجي مرة تلو الأخرى".

وروت نائبة الرئيس البالغة 59 عاماً أنّها غالباً ما شاركت وهي طفلة في تظاهرات تنادي بالحقوق المدنية إلى جانب والدها الجامايكي أستاذ الاقتصاد الجامعي ووالدتها الهندية الباحثة المتخصّصة بسرطان الثدي. واستمدّت المدّعية العامة السابقة من طفولتها ذكرى سمحت ببروزها خلال مناظرة في إطار الانتخابات التمهيدية الديموقراطية في 2019.

طفلة الحافلة 

يومها، حملت هاريس، المولدة في أوكلاند، بقوة على بايدن بسبب معارضته قبل سنوات كثيرة إقرار قانون يزيل بعض تدابير الفصل العنصري ويقوم على نقل بعض الأطفال إلى مدارس بعيدة بالحافلة، وقد استفادت منها شخصياً.

وقالت يومها "الطفلة (في الحافلة) هي أنا". لفت كلامها هذا الانتباه لكنه لم يسمح لها بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي وقد انسحبت من السباق حتى قبل بدء الانتخابات التمهيدية. إلا أنّ بايدن استدعاها لتكون نائبة له ما عرضه لهجمات من منافسه الجمهوري دونالد ترامب.

في 2020 وصف الرئيس الجمهوري السابق كامالا هاريس بأنها "وحش" وهي ألفاظ تحمل في طيّاتها بُعداً عنصرياً وصوراً نمطية عن المرأة السوداء. وبعد أداء بايدن الكارثي في المناظرة مع ترامب في 27 يونيو 2024، عاد المرشح الجمهوري البالغ 78 عاماً ليشنّ الهجمات عليها. ويسعى ترامب دائماً إلى اختيار ألقاب ساخرة لنائبة الرئيس، إذ أطلق عليها لقب "كامالا الضحوكة" (لافين كامالا) في إشارة إلى ضحكتها الصاخبة.

وانتقد فريق حملة ترامب الأحد هاريس، قائلا إنها ستكون "أسوأ" من الرئيس المنتهية ولايته. وهاريس خريجة جامعة هاورد التي تأسّست في واشنطن لاستقبال الطلاب السود في خضمّ الفصل العنصري، وهي فخورة بمسيرتها التي تجسّد الحلم الأميركي.

كيف يجرؤون؟

بعدما كانت مدعية عامة في سان فرنسيسكو لولايتين بين العامين 2004 و2011، انتُخبت مرتين مدعية عامة لولاية كاليفورنيا بين العامين 2011 و2017 قبل أن تصبح أول امرأة وأول شخص أسود يدير الأجهزة القضائية في أكثر ولايات البلاد تعداداً للسكان.

وانتُقدت لقمعها الصارم للجرائم الصغيرة والذي أثّر خصوصاً، بحسب منتقديها، على الأقليات. وفي يناير 2017، أدّت اليمين عضواً في مجلس الشيوخ في واشنطن حيث أصبحت أول امرأة لديها أصول من جنوب آسيا وثاني سناتورة سوداء في تاريخ البلاد. وبعد انتخابها نائبة للرئيس أهدت خطابها إلى "فتيات أميركا الصغيرات".

في 2022، دافعت كامالا هاريس بزخم عن حقّ الإجهاض الذي عادت عنه المحكمة العليا. وقالت في مارس 2023 "بعض القادة الجمهوريين يحاولون استغلال القانون ضدّ النساء. كيف يجرؤون على ذلك؟ كيف يجرؤون على القول لامرأة ما يمكنها القيام به وما لا يمكنها القيام به على صعيد جسدها؟"

وأعطى هذا التصريح القوي والحملة النشطة التي تقودها منذ سنة عبر البلاد دفعاً جديداً لهاريس. وقد ارتكبت هاريس في مطلع ولايتها هفوات على صعيد مسائل حساسة في مجال الدبلوماسية والهجرة.

صورة بعي ة عن التكلف

ورأت الصحافة الأميركية أحياناً أنّها تفتقر إلى الهامة وهو أمر يعزوه أنصارها إلى صور نمطية تمييزية حيال النساء. واضطرت مجلة "فوغ" إلى أن تدافع عن اختيارها بعيد الانتخابات، على غلافها صورة لنائبة الرئيس وهي ترتدي حذاء رياضيا بدلا من صورة رسمية أكثر تبرز منصبها ومهامها.

إلا أنّ هاريس تحرص على إبراز صورة المرأة البعيدة عن التكلف، يساعدها في ذلك زوجها المحامي اليهودي داغ امهوف. فعلى شبكات التواصل الاجتماعي يتظاهر الزوجان أنهما يتشاجران بشأن كرة السلة، فهو من أنصار لوس أنجلس ليكرز فيما تدعم هاريس سان فرانسيسكو واريورز.

36