منذ إعلان الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران بوساطة صينية ، توالت ردود الفعل العربية المرّحبة بالتوافق بين القوتين الإقليميتين، ومن أبرزها بيانات صدرت عن مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وروسيا وعدد كبير من دول العالم.
بالنسبة لدولة الإمارات، قال وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، إن عودة العلاقات بين الرياض وطهران «خطوة مهمة نحو الاستقرار والازدهار في المنطقة». كما أشادت كل من تونس وسوريا بالاتفاق وبدور القيادة الصينية في هذا المجال.
كما أعرب معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، عن الترحيب باتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. وأضاف معاليه أن "الإمارات مؤمنة بأهمية التواصل الإيجابي والحوار بين دول المنطقة نحو ترسيخ مفاهيم حسن الجوار والانطلاق من أرضية مشتركة لبناء مستقبل أكثر استقراراً للجميع".
آراء عربية
مرآة الإعلام العربي حول هذا الإعلان فقد تركزت في جانب منها على نجاح الوساطة الصينية، يرى المحلل في الشؤون الإيرانية الآسيوية عامر تمّام لبي بي سي إن نجاح الوساطة يأتي بالتزامن مع علاقات متوترة بين إيران والغرب بسبب ملفها النووي، ورغبة سعودية باتخاذ خطوات أكثر استقلالية تجاه علاقاتها مع الولايات المتحدة وسياستها الخارجية بعد توتر علاقاتهما مؤخراً، لا سيّما في ملفات النفط وحقوق الإنسان. هذه المواقف السياسية من الولايات المتحدة -بحسب تمام- عززت فرص نجاح الوساطة الصينية، والتي يجمعها مع إيران العداء المشترك للولايات المتحدة، (بي بي سي، 11 مارس 2023).
وتحت عنوان هل ينجح الاتفاق في اختبار المصداقية؟ يقول حمود أبو طالب في صحيفة عكاظ السعودية إن من الدلالات العديدة للاتفاق على إعادة العلاقات السعودية الإيرانية أن سياسة المملكة في تعاملها مع الملفات الإشكالية، وخصوصاً الملف الإيراني، تتسم بطول البال والمهارة في إدارة المفاوضات مهما طالت وتخللتها الخلافات أو حتى بدت نهاياتها مسدودة في بعض الأوقات، هذا النهج هو ما كانت توصف به السياسة الإيرانية من خلال أساليب تعاطيها مع أمريكا والدول الغربية بشأن القضايا الشائكة التي صارت طرفاً فيها مقابل تلك الكتلة وغيرها من الدول.
ويعتقد جاسر الجاسر في صحيفة الشرق الأوسط أن هذا الاتفاق سيخضع لاختبار قريباً في الملف اليمني تحديداً، قائلاً: «يجب علينا أن نشهد نقطة جوهرية خلال فترة الشهرين، ماذا سيحدث في الملف اليمني، ما هي الخطوات، هذه نقطة محورية كبداية وتأكيد على الالتزام والجدية، إذا لم يتحقق ذلك فإن المسألة منتهية، كأن العلاقات لم تحدث، العلاقات ليست أمراً قسرياً، بل قائمة على المفاوضات، ولذلك فالبيان أكد تحديداً على النقطة الواضحة بعدم التدخل في سيادة الدول وشؤونها الداخلية، ولم يقل بين الدولتين».
وأجاب الجاسر عن سؤال: لماذا حدث الاتفاق وليس خلال السنوات الثلاث الماضية؟ بقوله: «الموقف السعودي لم يتغير ولم يتبدل، ما تبدل هو الالتزام الإيراني والضمانة الصينية». في أسوأ السيناريوهات، وفقاً للجاسر، وعدم التزام طهران بالاتفاق الأخير، ستعود الأمور إلى سابق عهدها: «قدمنا كل الخيارات وفُتحت كل الفرص لإيران ودخلت أطراف دولية، لكن إذا حدث ذلك سينتهي النظام الإيراني كلياً؛ لأن علاقته مع الصين، وإلى حدٍّ ما مع روسيا، سوف تتأثر... فهذا إخلال واستهانة بالعلاقات والالتزامات الدولية، وتلاعب غير مقبول».
من جانبه، أكد الدكتور خالد باطرفي، المحلل السياسي السعودي، أن الاتفاقية التي أُعلنت تتعلق بالتدخلات الإيرانية في الشأن السعودي، سواء بشكل مباشر أو عبر الميليشيات ومحور إيران في المنطقة. وقال باطرفي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن أمن المملكة هو الأمر الأول الذي تم النص عليه وإعلانه، «لكن لا أستبعد أن تكون سياسات إيران بزعزعة الأمن في المنطقة قد وُضعت على الطاولة، خاصة أن الأمن الخليجي والعربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن المملكة، لا سيما أمن الممرات البحرية في مضيق هرمز وقناة السويس وباب المندب».
وأشار الدكتور خالد في حديثه للشرق الأوسط إلى أن وجود الصين كضامن للاتفاق أمر مرتبط بعلاقاتها القوية مع الطرفين، وكذلك مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، قائلاً: «الصين لها علاقة قوية بالطرفين، وبالتالي يمكن أن تكون ضامناً للاتفاق، ولها مصلحة مباشرة في المنطقة؛ لأن معظم وارداتها من الطاقة من الخليج، والممرات البحرية في المنطقة تهمها بشكل مباشر، ولها مصلحة استراتيجية كبيرة في استقرار المنطقة وتحسين العلاقة بين أطرافها».
أصوات غربية
صحيفة "فايننشال تايمز" اعتبرت أن توسط بكين للمصالحة بين الرياض وطهران انتصار للدبلوماسية الصينية يسلط الضوء على نفوذ بكين المتنامي في منطقة الشرق الأوسط. وقالت إن هذا الاتفاق يمثل تحديًا للولايات المتحدة، التي أضعفت علاقاتها القوية تقليديًا مع الرياض مؤخرًا، في الوقت الذي أجرت فيه إيران والسعودية عدة جولات من المحادثات استضافتها العراق وسلطنة عمان.
ورأت "نيويورك تايمز" أن الاتفاق بين الرياض وطهران "من بين أكثر التطورات التي لا يمكن أن يتخيلها أي شخص وأكثرها تقلبًا، وهو التحول الذي ترك الرؤوس تدور في عواصم حول العالم"، قائلة: "لقد انقلبت التحالفات والمنافسات التي حكمت الدبلوماسية لأجيال في الوقت الحالي على الأقل".
وعن دور الولايات المتحدة، قالت "نيويورك تايمز" إن الأمريكيين، الذين كانوا الفاعلين المركزيين في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي، وكانوا دائمًا موجودين في الغرفة التي حدث فيها ذلك، يجدون أنفسهم الآن على الهامش خلال لحظة تغير كبير".
أما "واشنطن بوست"، فقالت إن توسط الصين من أجل الاتفاق بين السعودية وإيران والمصالحة بينهما يثير دهشة واشنطن، حيث اعتبر بعض المراقبين أن إدراج بكين في الصفقة ازدراء صحيحاً للإدارة الأمريكية. ونقلت الصحيفة عن نائبة الرئيس ومديرة السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز" سوزان مالوني، قولها إن ما هو ملحوظ بالطبع، هو قرار منح الصينيين انتصاراً كبيراً في العلاقات العامة - صورة فوتوغرافية تهدف إلى إظهار مكانة الصين الجديدة في المنطقة"، مضيفة أنه "بهذا المعنى، فيبدو أنها صفعة سعودية أخرى بوجه إدارة بايدن".
ونشرت يورونيوز عن حسب الباحثة في معهد "مجموعة الأزمات الدولية" دينا اسفندياري، قالها إنّ الاتفاق "نوع من تمهيد الطريق للقوتين العظميين في المنطقة لبدء حل خلافاتهما".
رؤى إيرانية
الصحافة الإيرانية تفاجأت مثل غيرها بالحدث وتناولته وفق توجه كل واحدة منها، وبينما صفت صحيفة "آرمان ملي" الخبر بـ “انفجار خبري من بكين"، وصفت صحيفة "اعتماد" التحركات الدبلوماسية بـ "موجة السلام" ودعت إلى توسيع نطاقها لتشمل المصالحة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية عموما لإنهاء عزلة إيران الدولية والتخفيف عن الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ الذي بات الإيرانيون يعانون منه بشكل كبير.
أما ردة فعل الصحف الأصولية فقد كانت لا تخلو من وتناقض، فبعد أن كانت هذه الصحف عند انقطاع العلاقات بين طهران والرياض مطلع عام 2016 من المؤيدين لقرار السلطات والمدافعين عن الذين اقتحموا السفارة السعودية في طهران، عادت اليوم لتصفق للاتفاق وتعتبره مكسبا لإيران التي تمر بأسوأ مراحلها عزلة.
صحيفة "كيهان" المعروفة بمواقفها المتشددة تصف الاتفاق بين إيران والسعودية بأنه "ضربة" لأميركا وإسرائيل ودعت "الإصلاحيين" إلى الاقتداء بالحكومة الأصولية الحالية لتعلم كيفية التفاوض والمصالحة مع الدول!
هاجمت صحيفة "كيهان" التيار الإصلاحي بسبب انتقادهم استمرار انقطاع العلاقات بين إيران والسعودية بعد ممارسات المتشددين الذين تدعمهم "كيهان" ومن دار في فلكها. قالت إن هجوم وانتقادات التيار المعارض للحكومة لا يستند إلى أسس قويمة حيث إنهم يدعون أن الحكومة عادت إلى المربع الأول بعد قطع العلاقات الذي قاد إليه المتطرفون في إيران.
وأوضحت كيهان أن ما يميز هذا الاتفاق على الاتفاقيات السابقة هو أنه لم يكن على غرار ما يقوم به الإصلاحيون أثناء توليهم للحكم، حيث إنهم يعطون الامتيازات ويقدمون التنازلات للطرف الأخر فقط دون أن يجنوا شيئا لصالح البلاد. أما الاتفاق الأخير مع المملكة العربية السعودية حسب الصحيفة فهو اتفاق متوازن من حيث تقديم الامتيازات والحصول على الامتيازات في المقابل دون أن تبين طبيعة هذه "الامتيازات" المتبادلة.
وتحت عنوان «رواية شمخاني عن نهاية سبع سنوات من المأزق في العلاقات الإيرانية والسعودية»، أفادت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» بأن الاتفاق جاء بعد مفاوضات مكثفة لعدة أيام بين الوفدين الإيراني والسعودي في بكين. وقالت إن إيران والسعودية «اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات والوكالات في غضون شهرين، على أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين لتنفيذ القرار واتخاذ الترتيبات». وقالت إن الصين وإيران والسعودية «شددت على عزمها الراسخ على توظيف جميع الجهود من أجل دعم الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي».
وبالعودة إلى مبتدأ الحدث والبيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية، فقد جرى الاتفاق السعودي الإيراني بمبادرة من الرئيس الصيني لتطوير علاقات حسن الجوار بين الرياض وطهران.. وأهم نقاط الاتفاق:
- الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية
-اتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما- اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998
-أعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
الخلاف والاتفاق
الجمعة العاشر من مارس الجاري أعلنت إيران والسعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين. وجاء في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) ووكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية، أنه على أثر محادثات، "تم توصل المملكة العربية السعودية وإيران إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".
وكانت العلاقات بين الرياض وطهران، انقطعت عام 2016 عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران. وجاءت عودة العلاقات الدبلوماسية بعد أن دعم البلدان أطرافا متعارضة في صراعات تمتد من سوريا إلى اليمن لما يقرب من عقد من الزمان.
في عام 2019، كانت الرياض وطهران على شفا الحرب عندما تم إلقاء اللوم على إيران في هجمات صاروخية وطائرات مسيرة على حقل نفط سعودي، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأفادت الصحيفة نقلا عن مسؤولين سعوديين وإيرانيين وأميركيين لم تكشف عن هويتهم، بأن إيران تعهدت بوقف الهجمات ضد السعودية كجزء من الاتفاق، بما في ذلك تلك التي يشنها المتمردون الحوثيون من اليمن.