ظلت قضية انفصال أسكتلندا من المملكة المتحدة قضية مثيرة للجدل منذ سنوات، وكانت الحكومة الأسكتلندية قد خسرت الاستفتاء الذي تم في عام 2014، عندما صوتت الأغلبية لصالح البقاء مع المملكة المتحدة الذي استمر لمدة ثلاثة قرون مع إنجلترا وويلز، وقد جاءت النتيجة 55% مقابل 45%.
منذ ذلك الوقت ظل عدد المطالبين بالاستقلال في تزايد وأصبحوا يشغلون معظم مقاعد أسكتلندا في مجلس العموم البريطاني في لندن، وظلوا يحشدون لجولة استفتاء جديدة (واشنطن بوست، 24 نوفمبر، 2022).
استمرت محاولات الانفصاليين الحصول على سند قانوني لإجراء استفتاء غير ملزم جديد، وأعلنا رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستورجن بتاريخ 28 يونيو 2022، عن خطة لإجراء استفتاء في 19 أكتوبر 2023، وتقدمت بطلب للمحكمة العليا لتحصل على حكم بإجراء الاستفتاء دون موافقة الحكومة البريطانية، غير أن الحكومة الأسكتلندية بقيادة ستروجن تلقت رفضاً من المحكمة العليا على الطلب الذي تقدمت به لإجراء استفتاء جديد دون موافقة الحكومة البريطانية، بحجة أن الدستور الأسكتلندي لا يمنح حكومة ستروجن هذا الحق.
يعتبر الرفض ضربة قوية للحزب الوطني الأسكتلندي الذي تبنى مشروع الاستقلال عن بريطانيا كجزء من برنامجه الذي أوصله إلى الحكم، ووفقاً لقرار المحكمة فإن القضايا الدستورية ليست من صلاحيات البرلمان في أسكتلندا، والمحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في المملكة المتحدة، وقد أكدت في حيثيات الحكم أن القرارات التي ترتبط بالسيادة تظل حكراً على مجلس العموم البريطاني، ويعتقد أستاذ القانون الدستوري (اَدم تومكينز) أن انتقال التاج البريطاني جاء في مرحلة تتسم بالهشاشة في وقت اكتسبت فيه الحركة الاستقلالية في أسكتلندا زخماً في السنوات الأخيرة مع غياب الشعبية التي كانت تحظى بها الملكة إليزابيث الثانية في أسكتلندا، (اَدم تومكينز، سكوتلاند هيرالد 23 فبراير 2022).
أسباب المطالبة بالاستقلال
اكتملت الوحدة بين إنجلترا وأسكتلندا منذ عام 1707، حيث تم إعلان بريطانيا العظمى بعد قرون من الحروب والعداء بين الإنجليز والأسكتلنديين في ظل اختلافات ثقافية وسياسية، وقد احتفظت أسكتلندا بنظامها القانوني والتعليمي واتحاد كرة القدم والبنوك الخاصة بها، وفي عام 1934 اتحد كل من حزب أسكتلندا الوطني والحزب الأسكتلندي وكونا الحزب الوطني الأسكتلندي الذي نجح في تنظيم استفتاء تم بموجبه حصول أسكتلندا على مجلس تشريعي خاص بها عام 1997، وقد عقد المجلس أول اجتماع له في أدنبره في 12 مايو 1999.
يطالب الحزب الوطني الأسكتلندي الذي يقود حملة الاستقلال بنقل المواقع النووية البريطانية خارج غرب أسكتلندا، والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي بعد إعلان المملكة المتحدة النية للخروج من الاتحاد، وقد حصل الحزب على 48 مقعداً من 59 مقعداً مخصصة لأسكتلندا في مجلس العموم في انتخابات 2019، وتولد شعور لدى الحكومة الأسكتلندية بأن نسبة كبيرة من الشباب الأسكتلندي قد يصوتون لصالح الاستقلال، وكان معظم الأسكتلنديين قد صوتوا في عام 2016، على البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي بينما صوتت أغلبية الإنجليز لصالح الانفصال عن أوروبا ( يورونيوز ،24 نوفمبر 2022).
يقول الأسكتلنديون أن انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي قد أضر بالصناعة السمكية، وأن الاستقلال سوف يمنحهم فرصة جديدة للعودة إلى الاتحاد الأوروبي، وما زالت حكومة ستروجن تسعى لإقناع الحكومة البريطانية بهدف الموافقة على إجراء الاستفتاء من جديد بطريقة قانونية، وتهدد بأنها قد تجعل من قضية الاستقلال القضية الرئيسية في انتخابات بريطانيا العامة القادمة، والتي سوف تتم في 2025.
ويشير (جون كيرتس) من جامعة سترازليد، أن عملية انضمام أسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبي سوف تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يتم حل مشكلة الحدود بين لندن وأدنبرة، وحل مشكلة العملة، وإنشاء بنك مركزي جديد لأسكوتلندا، وعلى الرغم من وجود عجز في ميزانية أسكتلندا بنجو 13%، إلا أنها تتمتع بعائد كبير من نفط وغاز بحر الشمال، والسياحة ويعتقد كيرتس أن إصرار أسكتلندا على الاستقلال سوف يكون ضاراً باقتصادها (جون كيرتس، صحيفة سترازليد تليغراف البريطانية، 26 يونيو 2022).
الخيارات التي أمام الانفصاليين
خلال البرنامج الانتخابي لرئيسة الوزراء ستروجن قالت إن أسكتلندا قد أجبرت على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بناءً على رغبة الحكومة البريطانية، وأن هذا الأمر وحده كاف للمطالبة بإجراء الاستفتاء، غير أن حكومة بوريس جونسون قالت قي ذلك الوقت أن هناك فرصة واحدة لإجراء الاستفتاء كل أربعين عاماً، وقال (لورد ليد) رئيس المحكمة، إنه في ظل عدم وجود اتفاق بين الحكومتين، فإن البرلمان الأسكتلندي ليس لديه صلاحية إجراء الاستفتاء، (بي بي سي 23 نوفمبر 2022).
بعد رفض المحكمة العليا إجراء الاستفتاء يتبقى عدد من الخيارات أمام الأسكتلنديين للمضي قدماً في قضية الاستقلال، الأول هو تجاهل قرار المحكمة العليا وإجراء الاستفتاء، وهو ما يعتبر مخاطرة لأنه ربما يقود حكومة ستروجن إلى مخالفات قانونية ودستورية تؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضدها، والثاني أن تنتظر الانتخابات القادمة في عام 2024، وتتحالف مع الحزبيين الوطني والخضر ودخول الانتخابات ببرنامج واحد بهدف الاستقلال عن المملكة المتحدة، وتشير استطلاعات الرأي إلى زيادة في عدد الأسكتلنديين الذين يؤيدون الاستقلال عن المملكة المتحدة خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
مناقشة وتحليل
شكل رحيل الملكة إليزابيث الثانية علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين بريطانيا وأسكتلندا، فقد كانت الملكة تتمتع بحب واحترام كبيرين من قبل الأسكتلنديين، وهناك اعتقاد أن الملك الحالي تشارلز الثالث لا يحظى بشعبية كبيرة بين سكان أسكتلندا البالغ عددهم حوالي 5 ملايين نسمة، وهو أمر ربما يزيد النزعة الانفصالية.
ليس من المتوقع أن تتم عملية الاستفتاء على استقلال أسكتلندا في وقت قريب في ظل التعقيدات القانونية والصعوبات التي ربما تواجه الحكومة الأسكتلندية، وفي حالة اتخاذ قرار بطريقة منفردة وحتى إذا ما نجحت الحكومة في إقناع حكومة حزب المحافظين الحالي حول قضية الاستفتاء، فإن عملية الانفصال سوف تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب مفاوضات ربما تستغرق سنوات حول تقاسم الثروة والديون وطبيعة العلاقة المستقبلية بين البلدين، ولن تستطيع الحكومة الأسكتلندية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلا بعد تسوية علاقتها مع المملكة المتحدة.
يبدو من خلال مجريات الأحداث أنه لن تكون هناك فرصة لإجراء استفتاء جديد بموافقة الحكومة البريطانية على الأقل قبل 20 عاماً، وهي حقبة الجيلين التي يتم الحديث عنها، ويصعب خلال هذه الفترة أن تتغير اتجاهات الأسكتلنديين نحو الاستقلال طالما أن بريطانيا لن تعود إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن أصبحت هذه القضية هي النقطة المحورية في المطالبة بالاستقلال، وهناك من يعتقدون أن بريطانيا ما زالت تواجه مصاعب بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي، كما أن المشكلة مع إيرلندا ما زالت دون حل، وهو ما يعزز وجهة نظر الأسكتلنديين بأن من الأفضل أن يظلوا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي ويبتعدون عن المملكة المتحدة.
إقليم أسكوتلندا معلومات وحقائق
الموقع الجغرافي
يعتبر إقليم أسكوتلندا جزءاً من المملكة المتحدة (بريطانيا) التي تضم أيضاً كلاً من أقاليم ويلز وإنجلترا وجزء من إيرلندا، وتنقسم إدارياً إلى 32 مقاطعة، وتغطي مساحة أسكوتلندا الثلث الشمالي من بريطانيا والمملكة المتحدة، وتشترك في حدودها مع إنجلترا من الجنوب ويحدها المحيط الأطلسي وبحر الشمال من الشرق والقنال الإنجليزي والبحر الإيرلندي من الجنوب الغربي ويوجد بها 79 جزيرة ملحقة بالجزء الرئيسي من أسكوتلندا (Mainland).
الطبوغرافية والطبيعة
تتنوع التركيبة الجيولوجية والتربة في أسكوتلندا وتوجد قرب جزيرة هيروين مناطق صالحة للزراعة بجانب المرتفعات الغربية وتغطي معظم المناطق الحشائش خاصة المناطق الجنوبية التي تسقط فيها الأمطار، وتشكل الغابات 15% من مساحة أسكوتلندا.
زادت مساحة الأراضي الزراعية على حساب الغابات، وتصل مساحة الأراضي المخصصة للزراعة في الجنوب إلى 79%، وتتم زراعة الشوفان والشعير والذرة، ويصل الدخل من المنتجات الزراعية والشراب إلى 14 مليار دولار كل عام.
السكان
سكان ما يعرف بأسكوتلندا اليوم هم الذين دافعوا عن استقلال الإقليم قبل تأسيس المملكة في عام 843 قبل الميلاد، وفي القدم عندما وصلت جيوش الإمبراطورية الرومانية بعد انتصاراتهم في جنوب بريطانيا في القرن الأول قبل الميلاد، وجدوا سكاناً أطلقوا عليهم اسم (البقط Piet’s )، وقد تمت هزيمة هؤلاء السكان في عام 83 قبل الميلاد، وخلال القرون التالية قامت مجموعة سكانية من (البقط) بدحر الرومان الذين انسحبوا من بريطانيا كلها بحلول عام 410 قبل الميلاد، وخلال هذه الفترة هاجرت مجموعة سكانية من إيرلندا عرفوا في التاريخ باسم الأسكتلنديين ونشروا لغتهم الغيلية وثقافتهم، ثم جاء الأنجلو سكسون وتمكنوا في بداية القرن السابع الميلادي من احتلال المنطقة الواقعة حول أدنبرة، و جاء الفايكنج واستقروا فيها، ويعتبر ( كينث ماك البين) أول ملك لأسكوتلندا في منتصف القرن التاسع الميلادي (www.britannica,com تاريخ الدخول 5 ديسمبر 2022).
يبلغ عدد سكان أسكوتلندا حوالي 5 ملايين نسمة، يتوزعون بين المنخفضات الوسطى المزدحمة والمرتفعات الوعرة التي تشكل ثلث مساحة أسكوتلندا، من الناحية التاريخية الشعب الأسكتلندي هو نتيجة اندماج الشعوب القديمة الناطقة باللغة الكالدونية من البيكت والغيل الذين أسسوا المملكة في الفرن التاسع عشر، وفي وقت لاحق اندمج الناطقون باللغة الكالدونية مع الأنجلو سكسون الناطقين باللغة الجرمانية (www.duhoctrumgquoe.vn تاريخ الدخول 5 ديسمبر 2022). يعيش في أسكوتلندا اليوم مجموعة من الإيرلنديين واليهود واللتوانيين والإيطاليين والآسيويين، كما جاءت مجموعات من شرق أوروبا بعد دخول دولها في الاتحاد الأوروبي ومعظم السكان يتحدثون اليوم اللغة الإنجليزية ويعتنق معظم سكان أسكوتلندا الدين المسيحي ويتبعون للطائفة البروتستانتية.
نظام الحكم في أسكوتلندا
يوجد في أسكوتلندا عدد من الأحزاب مثل الحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الجمهوري وحزب الاستقلال وأحزاب الأحرار والإصلاح والاشتراكيين والخضر، وهي أحزاب ليس لها تأثير كبير في الحياة السياسية ويعتبر كل من الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الجمهوري من أكبر وأقوى الأحزاب.
ظلت أسكوتلندا تحتفظ بنظام برلماني منذ القرن الثالث عشر إلى أن اندمجت مع بريطانيا في عام 1707 لتأسيس بريطانيا العظمى، وأصبح البرلمان الأسكتلندي جزءاً من مجلس العموم في لندن (www.scotlandinf.eu تاريخ الدخول 5 ديسمبر 2022). وقد أصبح لأسكوتلندا برلمانها المحلي منذ عام 1997، ومنح اختصاصات محلية محددة ليس من بينها الحق في إجراء استفتاء أو اتخاذ قرار منفرد بالاستقلال عن بريطانيا، وتعتبر الحكومة الأسكتلندية مسؤولة عن كل الأنشطة التي لم ينص عليها باعتبارها من صلاحيات مجلس العموم البريطاني في وستمنستر، ومن صلاحيات البرلمان الأسكتلندي على سبيل المثال التعليم والصحة والشرطة المحلية والشؤون الريفية والبلدية والتطوير للمرافق الاقتصادية والنقل، ويعين البرلمان الأسكتلندي رئيس الوزراء الذي يعتمده الملك، وقد ظل الحزب الوطني الأسكتلندي وهو أكبر حزب في البلاد يتصدر الحكم منذ عام 2007.
الاقتصاد
تعتبر مدينة أدنبرة المركز المالي لأسكوتلندا وهي سادس أكبر مركز مالي في أوروبا، بعد الثورة الصناعية تركز الاقتصاد الأسكتلندي على الصناعات الثقيلة، خاصة صناعة السفن والمناجم وصناعة الحديد الصلب، ولكن حدث تحول في نهاية القرن العشرين واتجه الاقتصاد إلى صناعة التكنولوجيا والخدمات وصناعة المعلومات والصناعات الدفاعية الإلكترونية، والبيوتكنولوجي والنقل، وحققت أسكوتلندا تقدماً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات، كما يسهم قطاع التعليم والجامعات وقطاع البنوك بقدر كبير في الدخل. ( www.csmcgill.ca تاريخ الدخول 6 ديسمبر 2022).
عانى الاقتصاد مثله مثل اقتصاد بقية الدول الأوروبية حلال فترة السبعينات والثمانينات من بعض المشكلات، ولكن تغير الوضع بعد ظهور البترول والغاز في بحر الشمال وبدأ التعافي التدريجي بجانب التطور في مجال التكنولوجيا، ويمثل الاقتصاد الأسكتلندي حوالي 5% من اقتصاد المملكة المتحدة، ويتمركز ثلثا الصناعة السمكية البريطانية في أسكوتلندا، وتعتبر صناعة الغابات والسفن والمشروبات والصناعة السمكية من مصادر الدخل المهمة بجانب النفط، كما أسهمت المكنة الزراعية في تطور الإنتاج الزراعي ونمو قطاع الإنتاج الحيواني، وأسهم انتشار الحشائش في توفير العلف للماشية، ويصل دخل أسكوتلندا من الأغذية والمشروبات إلى أكثر من 6 مليارات دولار، ويوجد في أسكوتلندا الذهب والفضة والكروم وبعض المعادن الأخرى. وتسهم الصناعة بربع الدخل القومي، خاصة صناعة الحديد والصلب والسفن والصناعات الهندسية (ُwww.britannica.com تاريخ الدخول 6 ديسمبر2022).
التعليم في أسكوتلندا
لدى أسكوتلندا أفضل نظام تعليمي في بريطانيا، وتوجد بها أعلى نسبة تعليم في المملكة المتحدة، واشتهرت أنها موطن للكثير من علماء عصر التنوير في أوروبا مثل اَدم سميث، وفرنسيس هتشسون، وديفيد هوم، وبها الكثير من أشهر جامعات المملكة المتحدة مثل جامعة أدنبرة، وجامعة جلاسجو وجامعة هيريوت.