في أخر ظهور له، تحدث قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو عن تحركات قادة النظام الإخواني السابق في ولايات كسلا والقضارف شرقي السودان، كاشفاً أن نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول وهو الحزب الذي كان يقود السودان خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير أحمد هارون قد ترأس لجنة أمن ولاية كسلا والقضارف.
حميدتي مضى إلى أكثر من ذلك باتهام قادة الجيش بتلقي تعليمات من هارون علاوة على القيادي الإخواني علي كرتي والقيادي في نفس التنظيم أسامة عبد الله.
وفي التفاصيل، ما أن اشتدت الحملة الرافضة لجولة قادة حزب المؤتمر الوطني المحلول بالولايات الشرقية في السودان لتعبئة المواطنين للانخراط في صفوف الجيش لقتال قوات الدعم السريع حتى نفت حكومة ولاية كسلا استقبال عدد من قادة نظام البشير في مؤسساتها، كما راج خلال الأيام الماضية.
ولم تسعف الكلمات والي ولاية كسلا ليرد على سؤال حمايته لوفد الإخوان الزائر لولايته ونفى استقباله لهم بعد مرور عشرة أيام بتوجيه من الجيش، فقد تسبب نشاط الإخوان في حرج بالغ لقيادة الجيش، أما المنظمون إخوانياً فقد دافعوا دفاعاً مستميتاً عن الخطوة، مبررين لها بأنها تأتي في سياق الأمر الواقع ، باعتبار أن الإخوان هم الوحيدون الذي يقاتلون في صف الجيش.
كانت تقارير صحفية قالت:" إن قادة المؤتمر الوطني المحلول يتقدمهم أحمد هارون وعوض الجاز التقوا نشطاء من إخوان النظام السابق بولاية كسلا بشرق البلد وأنهم يعتزمون تنفيذ جولة في عدد من المدن شرق ووسط السودان.
كما تحدثت تقارير أخرى عن جولات غير معلنة لكل من علي كرتي ونافع علي نافع والفاتح عز الدين، وجميعهم كانوا معتقلين على ذمة عدد من القضايا، عدا كرتي الهارب من العدالة.
المعروف أنه في 25 أبريل الماضي، أي بعد أيام قليلة من بدء الحرب في السودان غادر قادة النظام السابق على رأسهم، علي عثمان محمد طه وأحمد هارون ونافع علي نافع وعوض الجاز، سجن كوبر بعد أن قررت السُلطات إطلاق سراح النزلاء عقب موجة احتجاج عارمة قادها المحتجزين لانعدام الغاز وانقطاع المياه.
هارون وهو آخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني المحلول قال وقتها في بيان صوتي إنهم اتخذوا قرارهم الخاص بتحمل المسؤولية وتوفير الحماية لأنفسهم في ظل ازدياد حدة الاشتباكات المسلحة التي كانت تدور حولهم.
ويواجه هارون المطلوب أيضاً للمحكمة الجنائية الدولية الذي كان معتقلاً منذ العام 2019 عدداً من التهم من بينها بلاغ حول فتوى قتل المتظاهرين وقضايا أخرى متعلقة بجرائم حرب وقعت في إقليم دارفور.
ضغوط قانونية وشعبية
حرك ظهور قيادات الإخوان في الولايات الشرقية هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب 1989 والتي انتقدت ظهور متهمين في عدد من الولايات التي يسيطر عليها الجيش، دون ان تتخذ السلطات إجراءات في مواجهتهم وطالبت السلطات القضائية الولائية بالقبض عليهم.
وقال بيان أصدره المتحدث باسم هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب يونيو 1989 المُعز حضرة إن “ظهور المتهمين في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيو في بعض الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش ودعوتهم للحرب العبثية تحت سمع وبصر الجيش وما تبقى من الشرطة أمر يدعو للدهشة والاستغراب، وطالب الشرطة والاستخبارات العسكرية بالقبض على المتهمين المطلوبين للعدالة وتسليمهم لأقرب مركز شرطة أو نيابة.
الضغوط لم تتوقف على مطالبة الجيش باعتقال قادة الإخوان، بل خصم ظهورهم كثيراً من قوات الجيش وشن رواد التواصل الاجتماعي هجوماً واسعاً على تنظيم الإخوان ووصفوهم بأنهم أس الأزمة، وأن ظهورهم يدعم مزاعم قوات الدعم السريع بأنهم يقاتلون من أجل إيقاف نفوذهم داخل الجيش وسيطرتهم على مفاصل البلاد.
عودة إلى ظهور حميدتي
وضع ظهور حميدتي مع قواته متحدثا في شريط فيديو، حداً للشائعات التي درج مناصرو الجيش على إطلاقها بأن الرجل لقى حتفه في إحدى غارات طيران الجيش على مواقع قواته.
حوى حديث حميدتي على عدة رسائل ذات أهمية وتمثل موقف قيادة الدعم السريع من الراهن حيث قال حميدتي: “رسائلنا لإخواننا في القوات المسلحة إذا تريدون الحل العاجل يجب تغيير هيئة قيادة الجيش حينها يمكن أن نصل لاتفاق خلال 72 ساعة. وفي ذلك رد واضح على مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا الذي طالب قوى الحرية والتغيير أن تقنع حليفها الدعم السريع بتسليم سلاحها ومن ثم جمع القوات في معسكر.
حميدتي اعتذر للشعب السوداني بسبب مأساة الحرب وقال: "إنها فرضت عليهم بواسطة من أسماهم فلول النظام السابق والانقلابيين"، وبرأ قواته من الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين من نهب وسرقة قائلاً: "ليس بيننا حرامي، نحن نظيفين وسليمين ومخلصين نحن لسنا حراميه"، وهذا يشير إلى أن قيادات الدعم السريع تحاول تخفيف حدة الهجوم الذي يشنه المواطنون عليها، ويعكس مدى خسرانها للمعركة الأخلاقية. وقد اعتبر مراقبون أن اعتذار حميدتي غير كاف وأن مخالفات قواته لا تحتاج لسبر أغوار لاكتشافها.
لقد ترك ظهور حميدتي عدة استفهامات تحتاج إلى إجابات، في مقدمتها: لماذا جاء الظهور في هذا التوقيت، وهل يعتبر يعني أن قوات الدعم السريع اقتربت من الوصول لحسم المعركة عن طريق استمرار المواجهة أو التفاوض؟ وماهي ردود الجيش على شرط حميدتي ورهنه التوقيع على سلام ينهي الحرب بتغيير القيادة الحالية للجيش؟
خلاصات:
جولات الإخوان في الولايات الشرقية من السودان لتعبئة عناصرهم للقتال مع الجيش، ظلت معروفة لدى الشعب السوداني منذ بداية هذه الحرب ، وما كشفت عنه وكالة “رويترز” في يونيو الفائت من قتال تخوضه كتائب أمنية إلى جانب الجيش (مثل كتيبة البراء مالك) التي تنتمي للإخوان يضع كثيراً من النقاط على الحروف، لأنه مما يمكن ربطه تحليلياً مع طبيعة أعمال الجيش على مدى أربع سنوات بقيادة البرهان منذ بداية هذه الثورة وبعد إزاحة البشير، وهي أعمال شهد السودانيون فصولها بوضوح في أجندة الثورة المضادة، من ناحية، وفي عمليات فض الاعتصام وشد الأطراف والانقلاب مرتين على الاتفاق مع المدنيين، من ناحية ثانية.
على أنه من الواضح أن الإخوان باتوا غير مؤهلين فكرياً ولا تنظيمياً للعودة مرة إلى الحكم فعلى الصعيد السياسي باتوا مرفوضين جماهيرياً، وظهر ذلك أنه وبمجرد نشر الخبر عن جولتهم الولائية لمساندة الجيش في الحرب حتى وثار الرأي العام ضدهم وضد الجيش، بل وصل الأمر إلى سجال عنيف بين الإخوان والذين يؤيدون الجيش السوداني ولا تربطهم علاقة بالتنظيم الإرهابي. وهذا أفسح المجال لتصديق رواية قوات الدعم السريع بأنها تقاتل إخوان الجيش وعناصر النظام البائد وليس الجيش السوداني.