تبدو وعود مؤيدي بريكست باستعادة الحرية بعيدة، وباتت الآن مرحلة «بريغريت» (الندم على بريكست): الرأي العام المنقسم منذ فترة طويلة، يميل اليوم الى معارضة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووفقا لاستطلاع أجراه معهد ايبسوس، الاثنين يعتقد 45% من البريطانيين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يسير كما كان متوقعا - مقابل 28% فقط في حزيران/يونيو 2021. فيما يرى 9% فقط عكس ذلك.
أشار بحث أجرته «بلومبيرغ إيكونوميكس» إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» يكلف اقتصادها 100 مليار جنيه استرليني سنوياً (124 مليار دولار) مع آثار تمتد إلى كل شيء من الاستثمار في الأعمال التجارية إلى قدرة الشركات على توظيف العمال.
ويرسم التحليل بعد ثلاث سنوات من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صورة قاتمة للضرر الذي أحدثته الطريقة التي نفذت بها حكومة المحافظين عمليه الخروج. ويعتقد الاقتصاديان آنا أندريد ودان هانسون أن الاقتصاد تقلص بنحو 4% مما كان عليه قبل الخروج، مع تأخر الاستثمار في الأعمال بشكل كبير واتساع النقص في العمالة المتأتية من منطقة الاتحاد الأوروبي. ويقدر الاقتصاديان أن عدد العاملين من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة يقل بمقدار 370 ألفاً عما كان يمكن أن يكون عليه الحال لو بقيت بريطانيا في السوق الموحدة.
ويدافع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن بريكست معتبرا أنه "فرصة هائلة"، في الذكرى الثالثة لانفصال المملكة المتحدة التاريخي عن الاتحاد الأوروبي التي تحل الثلاثاء وسط أجواء من الإحباط ما بين أزمة اجتماعية وندم متزايد. أضاف صندوق النقد الدولي الثلاثاء خبرا جديدا لسلسلة الأخبار السيئة معلنًا وفقا لآخر توقعاته أن البلاد ستكون هذا العام الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سيعاني من ركود مع انكماش اقتصاده بنسبة 0,6%. حتى روسيا التي هي في حالة حرب وتخضع لعقوبات ستسجل نموا.
نحن قادرون
وفي حديث لريتشارد هولدن المسؤول الحكومي على قناة "سكاي نيوز" قال ان البلاد "قادرة على تجاوز هذه التوقعات كما سبق وفعلت". وقال وزير المال جيريمي هانت في بيان "إذا التزمنا بخطتنا لخفض التضخم إلى النصف يفترض ان تسجل المملكة المتحدة نموا أسرع من ألمانيا واليابان في السنوات القليلة المقبلة".
ومنذ أشهر تسجل المملكة المتحدة تضخما تجاوز 10% وتحركات اجتماعية. والأربعاء ستنظم إضرابات غير مسبوقة منذ 10 سنوات خصوصا في التعليم والنقل العام. تقول صوفي لوند-ييتس المحللة في هارغريفز لانسداون ترى ان "المملكة المتحدة تواجه مشاكل محددة" لا سيما فواتير طاقة أعلى من أي مكان آخر "تؤثر على موزانة الأسر" أو حتى "مشكلة كبيرة في اليد العاملة تعود لبريكست ولكنها تفاقمت" بسبب وباء كوفيد.
تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء على داوننغ ستريت العام الماضي، وايرلندا الشمالية مشلولة سياسيا بينما تحاول لندن إقناع بروكسل بإعادة النظر في وضع الإقليم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. رغم الوعود بمراقبة الحدود والخطط المتتالية لمكافحة الهجرة، فإن عمليات العبور غير الشرعية للقناة تزداد باستمرار، بعد أن تجاوزت 45 الف مهاجر العام الماضي.
وتبدو وعود مؤيدي بريكست باستعادة الحرية بعيدة، وباتت الآن مرحلة "بريغريت" (الندم على بريكست): الرأي العام المنقسم منذ فترة طويلة، يميل اليوم الى معارضة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووفقا لاستطلاع أجراه معهد ايبسوس الاثنين يعتقد 45% من البريطانيين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يسير كما كان متوقعا - مقابل 28% فقط في حزيران/يونيو 2021. فيما يرى 9% فقط عكس ذلك.
لقد سعى رئيس الوزراء المحافظ سوناك، الذي يصادف الخميس مرور 100 يوم على وصوله الى داونينغ ستريت، رغم كل شيء للدفاع عن حصيلة بريكست. وقال في بيان "لقد أحرزنا تقدما كبيرا من خلال تسخير الحريات التي وفرها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لرفع تحديات الأجيال". وأضاف "أنا مصمم على أن تستمر فوائد بريكست في تمكين الأفراد والشركات في جميع أنحاء البلاد".
البيان الصادر عن داونينغ ستريت شدد على "الفرصة الهائلة" للخروج من الاتحاد الأوروبي لا سيما "لنمو الاقتصاد البريطاني". ويستشهد بإنشاء موانئ حرة ومناطق تعتبر خارج المنطقة الجمركية للبلاد وبالتالي تستفيد من الضرائب الميسرة والآفاق التي فتحت حسب قوله، بفضل بريكست.
حديث عن التراجع
اتهم رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون حزب العمال المعارض بأنه سيعيد "بريطانيا لفلك الاتحاد الأوروبي ثانية إذا فاز بالانتخابات وشكّل الحكومة المقبلة".
وبحسب ما ذكرت صحيفة "الصن" فقد قال جونسون في حوار مع وزيرة الثقافة والإعلام السابقة نادين دوريس، "أعتقد أنه سيكون لدينا وضع مثير، فسيدخلون حكومة العمال بالجاذبية في مدار الاتحاد الأوروبي، وأعتقد أن ذلك سيكون توجهاً خاطئاً لبلادنا، إذ سيؤدي إلى خسارة كثير من الفرص التي أتيحت لنا"، وذلك على رغم كل المقالات والتعليقات والتحليلات، وبعضها من أعضاء في حزب المحافظين الحاكم الذي ينتمي إليه جونسون والتي بدأت تشكك في تلك الفرص التي أتاحها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، بخاصة أن بريطانيا طوال العامين الأخيرين وحتى من قبل الحرب في أوكرانيا تعاني أزمات اقتصادية يشعر بها المواطن العادي.
ولا تقتصر محاولات إعادة "بريكست" لواجهة السياسة البريطانية وهيمنتها على مقار الحكومة والبرلمان في حي وستمنستر بقلب العاصمة لندن على فريق "بريكست" في حزب المحافظين وعلى رأسه جونسون، بل إن حزب المعارضة الرئيس يكاد يشهد انشقاقاً بسبب الموقف ذاته بعد عامين على إنجازه، فعمدة لندن العمالي صادق خان الذي يطالب بعودة بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة ينتقد رئيس حزبه السير كير ستارمر لتغيير موقفه من "بريكست" وإعلانه قبل أيام ألا حديث عن العودة لأوروبا وإنما العمل على تحسين الاتفاق.
وهناك تيار في حزب العمال من أنصار البقاء ضمن أوروبا لا يقبل بتوجه زعيم الحزب الذي يتهمه بعضهم بالانتهازية لأنه غيّر موقفه كي يكسب أصوات أنصار "بريكست" الذين يصوتون لحزب المحافظين، وأن ذلك التكتيك الانتخابي يتعارض مع مبادئ حزب العمال.
نقص في اليد العاملة
في 31 يناير 2020 أنهت المملكة المتحدة عضوية استمرت في الاتحاد الاوروبي 47 عاما، وبعد فوز بوريس جونسون الساحق في الانتخابات اسدل الستار على أربع سنوات من الانقسامات السياسية التي أعقبت صدمة استفتاء عام 2016. ثم بدأت فترة انتقالية من تسعة أشهر، مع التوصل في اللحظة الاخيرة لاتفاقية تجارة حرة وصفها بوريس جونسون بهدية عيد الميلاد.
وبعد ثلاث سنوات، الأضرار الاقتصادية موجودة، حتى لو أدت جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الوضع إلى حد كبير. ووفقا للهيئة العامة لتوقعات الموازنة فإن بريكست سيقلل من حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 4% على الأجل البعيد.
لقد نأت المملكة المتحدة بنفسها عن شريكها الاقتصادي الرئيسي، الذي تستورد منه جزءا كبيرا من الأغذية التي تستهلكها. وتفاقم النقص في اليد العاملة بسبب صعوبة استقدام عمال أوروبيين. مع ذلك لا مجال للعودة إلى الوراء حتى بالنسبة للمعارضة العمالية التي تتقدم بشكل كبير في استطلاعات الرأي بعد أقل من عامين من الانتخابات التشريعية المقبلة.
يقول زعيم حزب العمال كير ستارمر الحريص على التخلص من ماضيه المناهض لبريكست، إن برنامجه لا يدعو إلى العودة إلى الاتحاد الأوروبي بعد ان تمت تسوية القضية، لكنه يريد تحسين العلاقات مع بروكسل.
ولا يزال ملف إيرلندا الشمالية يسمم العلاقات مع بروكسل. تحاول لندن تصحيح الوضع بعد بريكست وإنهاء المأزق السياسي الذي يعوق الاستعدادات للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاتفاق السلام مع ايرلندا الشمالية. وكان الاتفاق انهى في أبريل 1998 ثلاثة عقود من النزاع.
كارثة اقتصادية
يقول رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية، بيتر أدريان، في الذكرى الثالثة للبريكست في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إنه لا يزال هناك قدر كبير من الاضطراب في التخطيط والشؤون القانونية بالنسبة للشركات الألمانية، وأضاف "هناك خطر نشوب نزاعات تجارية لأن بريطانيا تنأى بنفسها عن اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي".
ذكر أدريان أن خطط بريطانيا للخروج عن قواعد الاتحاد الأوروبي، مثل حماية البيانات أو تلك المتعلقة بالمواد الغذائية، تشكل عبئا على الشركات الألمانية، مضيفا أنه يمكن ملاحظة ذلك أيضا في أرقام التبادل التجاري، وقال "بينما كانت بريطانيا ثالث أهم سوق تصدير لألمانيا في عام 2016، تراجعت البلاد إلى المركز الثامن في عام 2022". وفي 31 كانون الثاني/ يناير 2020 غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاما من العضوية فيه.
ووفقا لبيانات اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية، تمتلك الشركات الألمانية أكثر من 2.100 فرع في بريطانيا ويعمل بها أكثر من 400 ألف موظف. وفي المقابل تمتلك الشركات البريطانية 1.500 فرعاً في ألمانيا يعمل بها بنحو 300 ألف موظف. وقال أدريان: "هناك الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للاقتصاد على ضفتي القناة".