مقالات تحليلية

خلافات الصين والفلبين السيادية في بحر الصين الجنوبي

22-Mar-2024

ردا على استفسار حول التصريحات الأميركية بشأن المواجهة التي وقعت بين السفن الصينية والفلبينية في بحر الصين الجنوبي، أدلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية "ماو نينغ" بتصريحات في مؤتمر صحفي يوم 7 مارس، حثت فيها الولايات المتحدة على الامتناع عن استخدام الفلبين أداة لزعزعة الاستقرار في بحر الصين الجنوبي (شينخوا: 7 مارس 2024)، وذلك بعد أن تصاعدت التوترات بشأن المياه المتنازع عليها بعد اتهام الفلبين خفر السواحل الصيني بإطلاق خراطيم المياه على إحدى سفنها المشاركة في مهمة إعادة إمداد في المنطقة. 

ومن المعروف أن الصين تطالب بالسيادة على جزء كبير من بحر الصين الجنوبي، وهو نزاع متصل منذ سنوات يشمل الصين وتايوان وإندونيسيا والفلبين وماليزيا وفيتنام وبروناي، حيث عززت بكين وجودها في هذه المياه، وقامت ببناء جزر صناعية ذات بنية تحتية عسكرية، لكي تحمي مصالحها في المنطقة.

ويعد بحر الصين الجنوبي أحد أكثر ممرات الشحن الدولية ازدحاما في العالم، حيث تتحرك عبره ما يزيد عن 5.3 تريليون دولار من البضائع. وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي محتوى النفط والغاز به يتجاوز 11 مليار برميل من النفط و190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

طبيعة النزاع

بدأت الأزمة منذ عام 1933 حينما ضمت فرنسا رسميا جزر باراسيل وسبراتلي إلى الهند الصينية الفرنسية، وسط احتجاج كبير من الصين واليابان. وفي عام 1947، أعلنت الصين أن غالبية الجزر تقع ضمن حدود سيادتها. ولذلك حينما بدأت الفلبين في استكشاف المناطق الواقعة غرب بالاوان بحثا عن النفط في عام 1970، اعترضت الصين وأوقفت عمليات الاستكشاف. ولكن الفلبين لم تيأس واكتشفت في عام 1984 حقل نفط قبالة بالاوان وبدأت الاستثمار فيه (Voice of America: 14 January 2021). 

وفي محاولة لحل النزاع اتفقت الصين مع بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام في 20 يوليو 2011 على مجموعة من المبادئ عرفت بإعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي. لكن بكين لم تغير من سلوكها، وبدأت في عام 2013 ببناء جزر صناعية حول سبراتلي ومنطقة جزر باراسيل. وفي عام 2016 أقامت منشآت عسكرية على إحدى جزرها الاصطناعية (Island Tracker, CSIS: Seen in 14 March 2024). وعلى الرغم من ذلك، إلا أن المنطقة عانت من القراصنة الإندونيسيين، فقررت الفلبين بناء أسطول بحري يمكنه، حسب تصريح "تيودورو لوكسين جونيور" وزير الخارجية الفلبيني، اجتياح بحر الصين الجنوبي وتأمينه. وهددت بأنه إذا تعرضت سفنها لمضايقات، فإنها ستقوم بتفعيل معاهدة الدفاع مع واشنطن (Bangkok Post: 28 Oct. 2020).

تحاول الصين فرض الأمر الواقع في جزر بحر الصين الجنوبي، بموجب نهج خط النقاط التسع، وهو خط ترسيم غير محدد بدقة. ترى "ريبيكا ييغر مالكين" الباحثة في شبكة JURIST القانونية، أنه إذا كانت هذه الجزر خاضعة للصين بالفعل، فإن ذلك من شأنه توسيع أراضيها بموجب القانون البحري الدولي، مما يعني أنها تتمتع بالسيطرة الكاملة على النشاط الاقتصادي في المنطقة، وتعزز مطالبها من خلال ضم الجزر لسيادتها عن طريق تزويدها بجزر وامتدادات اصطناعية (JURIST: 28 Dec. 2023)، فضلا عن فرض سلطتها بواسطة خفر السواحل والميليشيا البحرية الصينية، وهي منظمة صينية معتمدة رسميا، لكنها ليست فرعا رسميا للجيش. 

تذكر الباحثة الهندية "بريميشا ساها" أن الصين تمتلك سجلات تاريخية قديمة تعود جذورها إلى القرن الخامس عشر، تُظهر سيطرتها على الممر المائي بأكمله. ولذلك فإنها تدعي أحقيتها القانونية في كل ما يقع تحت خط النقاط التسع. وفي المقابل تستند الفلبين في مطالباتها إلى سيطرة تاريخية بمناطق الصيد والجزر المحيطة بها. وكانت الفلبين قد بدأت منذ سبعينيات القرن العشرين في التأكيد على ملكيتها لمنطقة سكاربورو شول، وغيرها من الجزر القريبة (Observer Research Foundation: 23 Sep. 2020).

ومع وصول النزاع إلى ذروته في عام 2013، رفعت الفلبين الأمر إلى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي للطعن في مطالبات الصين الإقليمية. وأصدرت المحكمة حكمها في عام 2016 وانحازت إلى جانب الفلبين، قائلة بأن مطالبات الصين الإقليمية بخط النقاط التسعة لم تكن مدعومة قانونا، فقد انتهكت الصين أراضي الفلبين، كما انتهكت الأنشطة الصينية في المنطقة المتنازع عليها القانون البيئي الدولي. ولكن الصين رفضت الحكم ولم تعترف به. ويعتبر هذا الحكم هو المصدر القانوني الرئيسي الذي تستخدمه الفلبين للتأكيد على أن المنطقة القريبة من سكاربورو شول هي جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين. 

كما تعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المصدر الثاني الذي تستخدمه الفلبين لتأكيد حقها، حيث تنص على أن "لكل دولة الحق في تحديد عرض بحرها الإقليمي بحد لا يتجاوز 12 ميلا بحريا". وترى الفلبين أن على الصين الاستسلام، وذلك بموجب إعلان بكين لرابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 2002، الذي يلزم الموقعين بالحلول السلمية للنزاعات الإقليمية وحرية المرور داخل بحر الصين الجنوبي (JURIST: 28 Dec. 2023).

واشنطن طرف أساسي في الأزمة

شهد عام 2023 زيادة التوترات بين الصين والفلبين، حيث قامت الفلبين في سبتمبر بإزالة حاجز صيني عائم بالقرب من منطقة سكاربورو شول، وفي المقابل ضايق خفر السواحل الصيني الصيادين الفلبينيين. وفي نوفمبر، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الفلبيني بونغ بونغ ماركوس في سان فرانسيسكو، وأبديا استعدادهما للحل. ولكن بعد أيام أجرت الولايات المتحدة والفلبين مناورات عسكرية في المنطقة المتنازع عليها، مما أثار مخاوف بكين من تدخل أميركي محتمل.

يرى "دين تشينج" الباحث في معهد الولايات المتحدة للسلام، أن الصين تمتنع عن استخدام سفن البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي، خوفا من التصعيد والتدخل الأميركي المحتمل، لأن المادة الرابعة من معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين لعام 1951 تمتد إلى الهجمات المسلحة على جيش الفلبين أو سفنها التجارية في أي مكان داخل بحر الصين الجنوبي (USIP: 14 Dec. 2023).

وبالنسبة لواشنطن، فقد كانت ذروة تدخلها نيابة عن الفلبين في بحر الصين الجنوبي في عامي 2015 و2022 عندما قامت بإجراء عمليات حرية الملاحة في المنطقة، ومن المعروف أن التحالف مع الفلبين يتمثل في وجود قواعد أميركية على أراضي الفلبين، وإجراء المناورات العسكرية المشتركة في بحر الصين الجنوبي، وكان آخرها في نوفمبر 2023. وقد عبرت وزارة الخارجية الأميركية كثيرا عن دعمها للفلبين، مع التأكيد على أن أي هجوم مسلح ضدها في أي مكان من شأنه أن يؤدي إلى تنفيذ المعاهدة. لكن هذه الرسالة لم تؤد إلى تراجع الصين عن موقفها، لكنها جعلتها تراقب تصرفات واشنطن على مستوى العالم، خاصة بعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. ففي نهاية المطاف، إذا أظهرت واشنطن ضعفا أمام قوة متمردة في اليمن، فهل ستقف في وجه دولة تمتلك أكبر قوة بحرية دولية؟

على أية حال، لا نعتقد أن واشنطن ستختار التصعيد العسكري في أي حال من الأحوال، وربما تقدم فقط دعما ملموسا للموقف الفلبيني، عن طريق إرسال واحدة أو أكثر من سفن خفر السواحل الأميركية للعمل مع السفن الفلبينية، أو ربما تكتفي بتوجيه الرسائل، مما يجبر بكين على التفكير بعناية فيما إذا كانت تريد المخاطرة بالتفاعل بعداء مع سفينة حكومية أميركية. 

تحالفات الفلبين وحلول الصين

لمواجهة الموقف الصيني، أبرمت الفلبين اتفاقيات دفاعية جديدة مع عدة دول سعيا لبناء شبكة من التحالفات مع 18 دولة في عامي 2022، و2023. وفي حين أن التحالف الفلبيني العميق الذي يمنح الجيش الأميركي وصولا موسعا إلى القواعد العسكرية الفلبينية، قد اجتذب الكثير من الاهتمام، فإن التحالفات الفلبينية الجديدة تذهب إلى ما هو أبعد من واشنطن.

إن هذه التحالفات ستضع الفلبين ضمن أقوى الشبكات الأمنية في آسيا، وقد لفت ذلك انتباه الصين، فقال "جي لينغبينغ"، المتحدث باسم السفارة الصينية في مانيلا، إن "جلب قوى خارجية وتشكيل دوائر صغيرة لن يساعد في حل النزاعات في بحر الصين الجنوبي، بل سيؤدي فقط إلى تعقيد الأوضاع وتقويض الاستقرار والسلم الإقليمي". وفي المقابل ترى الفلبين أنها تدافع عن سيادتها، ولا تتصرف نيابة عن قوى خارجية، وأنه مع مرور ثلث الشحن العالمي عبر بحر الصين الجنوبي، فإن العديد من الدول لديها أسباب وجيهة لردع الصين. وقال "لوك فيرون"، سفير الاتحاد الأوروبي لدى الفلبين، إنه إذا لم تدافع الدول الأخرى عن القانون الدولي، فإن القوة هي التي ستنتصر. وأضاف: "لا يمكننا أن نقبل أن تتم عرقلة حريتنا في الملاحة في بحر الصين الجنوبي من قبل أي لاعب" (Washington Post: 9 March 2024). 

وفي الوقت الذي تبني فيه الفلبين تحالفاتها، تحاول الصين إيجاد مخرج من الأزمة مع الاحتفاظ بمكتسباتها في المنطقة، فقد أعلنت وزارة الخارجية الفلبينية في 12 مارس الجاري، أنها تلقت عدة مقترحات للحل من الصين في 11 ورقة مفاهيمية، لكن لا يمكن النظر فيها لأنها تتعارض مع المصالح الوطنية للدولة. ومن بين تلك المقترحات الاعتراف بسيطرة الصين وإدارتها على منطقة أيونجين شول، وحل قضايا الصيد حول منطقة سكاربورو شول، وهو ما قوبل بالتردد من قبل الحكومة الفلبينية، لأن الصين أكدت في مقترحاتها أنها تتمتع بالسيادة غير القابلة للجدل على جزر بحر الصين الجنوبي (Nikkei: 12 March 2024).

خاتمة

تؤدي مطالبة الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي إلى تفاقم المخاطر عبر خطوط النقاط التسع، التي تمر عبرها ثلث التجارة العالمية، وبطبيعة الحال تمثل النزاعات المستمرة وغياب فرص التسوية تحديات أمام عمليات الشحن، في الوقت الذي ترفض كل الدول التي تشترك في البحر ادعاءات الصين، حيث تتمتع كل دولة متاخمة للحدود البحرية بمنطقة اقتصادية خالصة، بناء على اتفاق تم في عام 1982 من قبل الصين والدول الأخرى، ومن بينها الفلبين. 

وفي مقابل إصرار الصين على حقوقها، تستمر الفلبين في تعزيز تحالفاتها الأمنية، والاستفادة من دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والاتحاد الأوروبي لحشد الدعم الدولي. ومن ناحية أخرى، تسعى تلك الدول إلى استخدام القضية كوسيلة للتدخل في الديناميكيات الإقليمية. 

ولكن على الرغم من ذلك، لا يستطيع حلفاء الفلبين تقديم أكثر من دعم محدود لها، وهو دعم دبلوماسي رمزي في المقام الأول. ونلاحظ أن هذا الدعم قد وصل الآن إلى سقفه، وجعل الفلبين في بؤرة الاهتمام الدولي. ومع ذلك، فإن استمرار خلق الصراعات والحوادث من الطرفين المتنازعين، وتوريط دول خارجية في شؤون بحر الصين الجنوبي، لن يؤدي إلا إلى جعل النزاع أكثر تعقيدا وصعوبة في الحل، وعرضة للتوسع.



793