مقالات تحليلية

حول قمة باريس وميثاق التمويل العالمي الجديد

26-Jun-2023

في 22 و23 يونيو 2023، عقدت في باريس قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد"، التي دعا لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حوالي 40 زعيما من الجنوب والشمال. جاءوا لمناقشة التغييرات في مؤسسات التمويل متعددة الأطراف في مواجهة تغير المناخ وتحديات التنمية الأخرى. بعد يومين من المحادثات لإصلاح النظام المالي العالمي للتصدي لتغير المناخ تم إحراز تقدما محدودا في الإصلاحات التي يمكن أن تزيد الدعم من الدول الغنية للدول الفقيرة التي تواجه أزمات.

نتناول فيما يلي أهم خمس مخرجات للقمة، التي من شأنها أن تساعد على التحشيد لإصلاح النظام المالي لمساعدة البلدان النامية والاستجابة لتحديات ارتفاع درجات الحرارة، (بلومبيرغ، 24 يونيو 2023).


أولا: وصول أسرع إلى الموارد المالية

كانت العديد من الدول التي حضرت قمة باريس، حاضرة أيضا في قمة سابقة جرت في مايو 2021 وركزت على الصدمة الاقتصادية الشديدة لوباء كورونا. وقتها التزمت الدول الغنية بتأمين 100 مليار دولار أميركي فيما يسمى بحقوق السحب الخاصة، وهو تعبير يشير إلى الأموال التي يمكن لأعضاء صندوق النقد الدولي السحب منها وفق حجم اقتصاداتهم. ويمكن للدول الحصول على الأموال من خلال الصندوق في حالات الطوارئ. غالبا ما تكون الدول الفقيرة التي تواجه كوارث ناجمة عن المناخ في حاجة ماسة إلى صناديق طوارئ مثل هذه.

لقد أعلن في باريس أن العديد من الدول الغنية ستعيد تخصيص جزء من حقوق السحب الخاصة بها لصالح البلدان ذات الاحتياجات الأكبر للتمويل الطارئ. وبلغت المبالغ التزم بها للتخلي عن حقوق السحب من قبل الدول الغنية بها نحو 100 مليار دولار. وتخلت فرنسا عن 40٪ من حقوق السحب الخاصة. علاوة على ذلك، أعلن صندوق النقد الدولي أن الصندوق الاستئماني للمرونة والاستدامة، وهو أداة تمكن البلدان النامية من تمويل المشاريع الخضراء، تجاوز هدف التمويل البالغ 35 مليار دولار. والمتاح الآن 41 مليار دولارا، جاء الكثير منها من إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة، وقد حدد صندوق النقد الدولي هدفا جديدا بمقدار 60 مليار دولار.


ثانيا: التعامل مع الكوارث والديون 

تزداد آثار تغير المناخ تطرفا، مما يجبر البلدان على تحمل ديون أكبر للتعامل مع الضرر. وهذا يخلق حلقة مفرغة تعرف باسم فخ الديون المناخية، وكسر هذه الحلقة هو أحد أولويات أجاي بانغا، الرئيس الجديد للبنك الدولي. من أجل الخروج من فخ الديون المناخية، ركزت المحادثات في باريس على نشر الحلول التي تساعد في التعامل مع المشكلتين في وقت واحد. وشملت هذه التدابير أنظمة إنذار متقدمة للطقس القاسي يمكن أن تساعد السلطات على الاستعداد بشكل أفضل قبل وقوع الكوارث، وإنقاذ الأرواح والحد من الأضرار المكلفة. وركزت المناقشات أيضا على توسيع مواعين جديدة من أنواع التأمين ضد الكوارث، مثل تلك التي تم تجريبها في جامايكا وبيرو، فضلا عن عرض فترات توقف لسداد الديون في أعقاب حدث مناخي متطرف للحد من تراكم الديون في أوقات الأزمات.


ثالثا: الالتزام بوعد المئة مليار دولار

كانت إحدى النقاط الصعبة المستمرة في كل قمة مناخية حديثة للأمم المتحدة، هي الوعد الذي لم يتم الوفاء به من قبل الدول المتقدمة بإنفاق 100 مليار دولار كل عام على مشاريع في البلدان النامية، لخفض الانبعاثات والمساعدة في التكيف مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. اعتبارا من عام 2020، بلغ إجمالي المبلغ الذي جمع 83 مليار دولار، وفقا لتحليل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وقد أعلن ماكرون أنه "واثق" من أن الدول ستصل أخيرا إلى الالتزام هذا العام، لكن الدول النامية شككت في المحاسبة، التي أقر بها ماكرون من خلال الوعد بإجراء "تحليل ملموس" لمعالجة هذه المخاوف. ولم يعلن عن جدول زمني محدد في القمة. وهذا الملف سيكون محط الأنظار بشكل متزايد قبل قمة المناخ السنوية كوب28، المقرر عقدها في دبي في نهاية العام.


رابعا: الحديث عن الضرائب الدولية

أثار ماكرون احتمال فرض ضرائب دولية للمساعدة في توليد الأموال اللازمة لمعالجة المشاكل العالمية. ويمكن فرض هذا النوع من الضرائب على الشحن أو الطيران أو حتى المعاملات المالية. وقد سارع العديد من الخبراء إلى الإشارة إلى أن احتمالات اقناع كل دولة على دعم مثل هذا الإجراء قاتمة للغاية. 


خامسا: اتفاقات هامة

شهدت قمة باريس بعض الاتفاقات الهامة، على سبيل المثال، توصلت زامبيا إلى اتفاق لإعادة هيكلة ديون بقيمة 6.3 مليار دولار مع المقرضين، بما في ذلك الصين. وحصلت السنغال على 2.7 مليار دولار للمساعدة في زيادة قدرتها المتجددة إلى 40٪ بحلول عام 2030. وأعلن البنك الدولي عن "مختبر استثماري" سيتطلع إلى زيادة تمويل القطاع الخاص في الأسواق الناشئة لمصادر الطاقة المتجددة والبنية التحتية للطاقة. ومع ذلك، أعربت العديد من المجموعات الخضراء والمنظمات غير الحكومية التي تركز على التنمية عن خيبة أملها إزاء عدم إحراز تقدم في الحلول الجذرية مثل إلغاء الديون، (بلومبيرغ، 24 يونيو 2023). 


تعهدات قبل القمة

قبل انعقاد القمة، نقلت صحيفة واشنطن بوست في 20 يونيو 2023 مقالا لمجموعة من القادة على رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (حفظه الله) ، والرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ورئيس البرازيل لولا دا سيلفا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا. يدور المقال حول ضرورة مواجهة تحديات تغير المناخ والفقر، والتي وصفها المقال بمعارك عصرنا الوجودية.  

يقول القادة:

نعمل بشكل عاجل لتقديم المزيد للناس والكوكب، وقد أدت الصدمات المتعددة والمتداخلة إلى إجهاد قدرة الدول على التصدي للجوع والفقر وعدم المساواة، وبناء القدرة على الصمود والاستثمار في مستقبلها. وتشكل مواطن الضعف المتعلقة بالديون في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل عقبة رئيسية أمام تعافيها الاقتصادي، وأمام قدرتها على القيام باستثمارات حاسمة طويلة الأجل.

نعمل بشكل عاجل لمكافحة الفقر وعدم المساواة، وقد وصل ما يقدر بنحو 120 مليون شخص إلى الفقر المدقع في السنوات الثلاث الماضية وما زلنا بعيدين عن تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول عام 2030. وبالتالي ينبغي لنا أن نضع الانسان في صميم استراتيجيتنا لزيادة جودة المستوى المعيشي له في كل مكان على الكرة الأرضية.

إننا نريد نظاما يعالج بشكل أفضل احتياجات التنمية ومواطن الضعف التي تفاقمت بسبب مخاطر المناخ، والتي يمكن أن تزيد من إضعاف قدرة البلدان على القضاء على الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل. إن تغير المناخ سيولد كوارث أكبر وأكثر تواترا، وسيتأثر بها بشكل غير متناسب أفقر السكان وأكثرهم ضعفا في جميع أنحاء العالم. هذه التحديات تعبر الحدود وتشكل مخاطر وجودية على المجتمعات والاقتصادات.

نريد أن نقدم المزيد لكوكب الأرض، إذ يمثل الانتقال إلى عالم "صافي الانبعاثات الصفرية" مع أهداف اتفاقية باريس فرصة لهذا الجيل لإطلاق حقبة جديدة من النمو الاقتصادي العالمي المستدام. ونعتقد أن التحولات الإيكولوجية العادلة التي لا تترك أحدا خلف الركب يمكن أن تكون قوة فعالة للتخفيف من حدة الفقر ودعم التنمية الشاملة والمستدامة. وهذا يتطلب استثمارا طويل الأجل في كل مكان لضمان قدرة جميع البلدان على اغتنام هذه الفرصة. وبإلهام من الإطار العالمي التاريخي للتنوع البيولوجي في كونمينغ-مونتريال، نحتاج أيضا إلى نماذج اقتصادية جديدة تعترف بالقيمة الهائلة للطبيعة بالنسبة للبشرية.

نحن مقتنعون بأن الحد من الفقر وحماية الكوكب هدفان متقاربان، ويجب أن نعطي الأولوية للتحولات العادلة والشاملة لضمان أن يتمكن الفقراء والأكثر ضعفا من جني فوائد هذه الفرصة بالكامل، بدلا من تحمل التكلفة بشكل غير متناسب. ونحن ندرك أن الدول قد تحتاج إلى اتباع مسارات انتقالية متنوعة بما يتماشى مع حد 2.7 درجة فهرنهايت اعتمادا على ظروفها الوطنية. لن يكون هناك انتقال إذا لم يكن هناك تضامن أو فرص اقتصادية أو نمو مستدام لتمويله.

نحن، قادة الاقتصادات المتنوعة من كل ركن من أركان العالم، متحدون في تصميمنا على التوصل إلى توافق عالمي جديد في الآراء، وسنستخدم قمة باريس كلحظة سياسية حاسمة لاستعادة مكاسب التنمية المفقودة في السنوات الأخيرة وتسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك التحولات العادلة. ونحن واضحون بشأن استراتيجيتنا: ينبغي الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالتنمية والمناخ، وتماشيا مع خطة عمل أديس أبابا، نسلم بأننا بحاجة إلى الاستفادة من جميع مصادر التمويل، بما في ذلك المساعدة الإنمائية الرسمية والموارد المحلية والاستثمار الخاص.

كذلك ينبغي أن يبدأ تحقيق توافق الآراء هذا بالالتزامات المالية القائمة، ويجب تحقيق الأهداف الجماعية لتمويل المناخ في عام 2023. ينبغي أيضا بلوغ طموحنا العالمي الإجمالي المتمثل في تقديم 100 مليار دولار من المساهمات الطوعية للبلدان الأكثر احتياجا، من خلال إعادة توجيه حقوق السحب الخاصة أو المساهمات المكافئة في الميزانية. لا ينبغي لأي بلد أن ينتظر طويلا لتخفيف عبء الديون، فنحن بحاجة إلى تعاون أكبر وفي الوقت المناسب بشأن الديون، سواء بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل أو متوسطة الدخل، ويبدأ ذلك بالانتهاء بسرعة من إيجاد حلول للبلدان المثقلة بالديون.

وتتمثل إحدى الأولويات العليا في مواصلة الإصلاح الطموح لنظامنا من المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف، بالبناء على التحشيد القائم. ونطلب إلى مصارف التنمية أن تتخذ خطوات مسؤولة لبذل المزيد من الجهد بالموارد القائمة وزيادة القدرة التمويلية وتعبئة رأس المال الخاص، استنادا إلى أهداف واستراتيجيات واضحة من حيث المساهمة في التمويل الخاص وتعبئة الموارد المحلية. هذه الموارد المالية ضرورية، لكن الإصلاح هو أكثر بكثير من المال. حيث ينبغي أن يقدم نموذجا تشغيليا أكثر فعالية، يستند إلى نهج تقوده البلدان. ونحتاج أيضا إلى أن تعمل مصارفنا الإنمائية معا كنظام بيئي، وبشكل وثيق مع الوكالات العامة الأخرى والصناديق الرأسية المبسطة، وعند الاقتضاء، مع صناديق الثروة السيادية والتمويل الخاص والمجتمع المدني لتحقيق أكبر تأثير.

إن التكنولوجيا والمهارات والاستدامة والاستثمار العام والخاص ستكون في صميم شراكاتنا لتعزيز النقل الطوعي للتكنولوجيا، والتدفق الحر للمواهب العلمية والتكنولوجية، والمساهمة في اقتصاد شامل ومفتوح وعادل وغير تمييزي. وسنروج لأجندة للاستثمار المستدام والشامل في الاقتصادات النامية والناشئة، استنادا إلى القيمة المضافة الاقتصادية المحلية والتحول المحلي، مثل سلاسل قيمة الأسمدة. وسيتطلب هذا النهج الشامل مقاييس جديدة لتحديث أدوات المساءلة لدينا.

إن التمويل العام سيظل ضروريا لتحقيق أهدافنا، إذ ينبغي لنا أن نبدأ بتعزيز أدواتنا (المؤسسة الدولية للتنمية، والصندوق الاستئماني للحد من الفقر وتحقيق النمو وصندوق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وصندوق المناخ الأخضر، وغير ذلك من النوافذ الميسرة لبنوكنا، فضلا عن الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ)، غير أننا نقر بأن تحقيق أهدافنا الإنمائية والمناخية، بما في ذلك مكافحة الجوع والفقر وعدم المساواة، والتكيف مع تغير المناخ، وتجنب الخسائر والأضرار وتقليلها إلى أدنى حد، سيتطلب مصادر تمويل جديدة ومبتكرة ومستدامة، مثل إعادة شراء الديون، والمشاركة من القطاعات التي تزدهر بفضل العولمة وأسواق ائتمان الكربون والتنوع البيولوجي الأكثر ثقة.

إن زيادة المرونة من خلال مجموعة شاملة من الأدوات المالية هي أولوية قصوى، فنحن بحاجة إلى شبكة أمان عالمية أقوى، تستند إلى نهج مرتب مسبقا، للتكيف مع آثار تغير المناخ والتخفيف من حدتها، وخاصة عند وقوع الكوارث، ويتضمن ذلك آليات التأجيل المتعلقة بالمناخ وغيرها من آليات التأجيل المقاومة للكوارث، وشبكات التأمين، وتمويل الاستجابة لحالات الطوارئ، بما في ذلك نموذج تمويل أكثر استدامة للمساعدات الإنسانية.

وسيتوقف تحقيق أهدافنا الإنمائية، بما في ذلك التخفيف من آثار تغير المناخ، أيضا على زيادة تدفقات رأس المال الخاص، والذي يتطلب تعزيز تعبئة القطاع الخاص بموارده المالية وقوته الابتكارية، على النحو الذي يروج له اتفاق مجموعة العشرين مع أفريقيا. ويتطلب ذلك أيضا تحسين بيئة الأعمال، وتنفيذ معايير مشتركة وبناء القدرات الكافية، والحد من المخاطر المتصورة، كما هو الحال في أسواق الصرف الأجنبي والائتمان. وقد يتطلب ذلك دعما عاما، بالإضافة إلى مشاركة بيانات موثوقة. وبشكل عام، يحتاج نظامنا إلى خفض تكلفة رأس المال من أجل التنمية المستدامة، بما في ذلك من خلال التحول الأخضر في الاقتصادات النامية والناشئة.

إن عملنا معا يدور حول التضامن والعمل الجماعي، للحد من التحديات التي تواجه البلدان النامية والوفاء بجدول أعمالنا العالمي. وسنواصل الضغط من أجل إحراز تقدم، والاستفادة من الأحداث الهامة الأخرى، بما في ذلك قمم مجموعة العشرين في الهند والبرازيل، وقمة أهداف التنمية المستدامة، ومؤتمرات الأطراف، بدءا من كوب28 هذا العام في دولة الإمارات. وسنسعى في جميع أعمالنا ومفاوضاتنا الدولية القادمة إلى تعزيز الإجراءات الملموسة التي تفي بوعد أهداف التنمية المستدامة، من أجل ازدهارنا وشعبنا وكوكبنا.


340