أقرّت كييف، بعد شهر تقريباً على انطلاق هجومها المضادّ، بأنّ القوات الروسية تتقدّم في أربع مناطق على خط الجبهة في شرق البلاد حيث تدور "معارك ضارية"، مؤكّدة بالمقابل أنّ قوّاتها تحرز بعض التقدّم في جنوب البلاد.
وكتبت نائبة وزير الدفاع غانا ماليار على قناتها في تطبيق تلغرام أنّ "معارك ضارية تدور في كلّ مكان (...) الوضع معقّد"، مشيرة إلى أنّ القوات الأوكرانية تتقدّم من جهتها في منطقة واحدة في شرق البلاد ومنطقتين في جنوبها.
العدوّ يتقدّم
وأوضحت أنّ "العدوّ يتقدّم في مناطق أفدييفكا وماريينكا وليمان. العدوّ يتقدّم أيضاً في قطاع سفاتوفو". أمّا القوات الأوكرانية فتمكّنت، بحسب ماليار، من تحقيق "نجاح جزئي" مع تقدّمها في الجهة الجنوبية من باخموت، وكذلك بالقرب من بيرديانسك وميليتوبول في جنوب البلاد.
نائبة وزير الدفاع لفتت إلى أنّه في جنوب البلاد تحقّق القوات الأوكرانية تقدّماً "تدريجياً" في مواجهة "مقاومة شديدة من العدوّ" وحقول ألغام. وأضافت أنّ القوات الأوكرانية "تعمل بإصرار وبدون توقّف على تهيئة الظروف لتحقيق تقدّم سريع قدر الإمكان".
وبعد مضيّ 16 شهراً على بدء الحرب وقرابة شهر واحد على انطلاق الهجوم الأوكراني المضادّ، تواجه كييف صعوبة في إحراز تقدّم حاسم وتحضّ حلفاءها الغربيين على تسريع مساعدتهم العسكرية الموعودة مع قرب موعد انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس يومي 11 و12 يوليو الجاري.
من جهة ثانية وردا على سؤال حول مبادرة حبوب البحر الأسود، أعلن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة أنه لا يرى "أيّ أسباب" لتمديد الاتفاقيّة التي تُتيح تصدير الحبوب الأوكرانيّة في ظلّ الصراع والتي يُفترض أن تنتهي في يوليو.
وقال غينادي غاتيلوف إنّ الاتفاقيّة التي تمّ التوصّل إليها في تموز/يوليو 2022 قد تحوّلت عن أهدافها الإنسانيّة لتُصبح "مشروعا تجاريا" لتزويد "الدول ذات الدخل المرتفع". وصرّح الدبلوماسي في مقابلة مع صحيفة إزفيستيا الروسيّة نُشرت الاثنين بأنّ الممرّات المعتمدة "يستخدمها الأوكرانيّون بانتظام لإطلاق طائرات عسكريّة بلا طيار". وأضاف "ما نراه اليوم لا يُعطينا أيّ سبب لقبول استمرار الوضع الحالي".
في 21 يونيو، قالت كييف إنّها ليست "متفائلة جدا" لناحية إمكان تجديد محتمل للاتفاقيّة، بعد أن كانت موسكو قد هدّدت مجددا بالانسحاب منها لاعتبارها أنّ بعض البنود لم يُحترَم.
غارات ليلية
تأتي التطوّرات على خطوط الجبهات في أوكرانيا غداة هجوم ليلي استهدف كييف بطائرات مسيّرة مفخّخة، هو الأول من نوعه منذ 12 يوماً، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين، وقال رئيس الإدارة العسكرية لمدينة كييف سيرغي بوبكو إنّه "تمّ رصد وتدمير جميع أهداف العدو في المجال الجوي حول كييف".
وفي بيان منفصل، أعلن سلاح الجو الأوكراني أنّه دمّر ثماني طائرات مسيّرة إيرانية الصنع من طراز شاهد وثلاثة صواريخ مجنّحة روسية من طراز كاليبر.
وكان رئيس الأركان الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني طالب في مقابلة نُشرت الجمعة الغرب بإمداد قواته بمزيد من الأسلحة، محذّراً من أنّ عدم حصولها على مقاتلات وقذائف مدفعية يعرقل خططها للمضيّ قدماً في هجومها المضادّ.
وقال زالوجني لصحيفة "واشنطن بوست" إنّه يشعر بالامتعاض حيال بطء إيصال الأسلحة التي وعد الغرب أوكرانيا بها. وأوضح أنّ حلفاء بلاده الغربيين ما كانوا ليبدأوا هجوماً لا يضمنون فيه تفوّقهم الجوّي، في حين ما زالت أوكرانيا تنتظر تسلّم مقاتلات إف-16 التي وعدها بها حلفاؤها.
لن أهدّد العالم
وقال للصحيفة الأميركية "لست بحاجة إلى 120 طائرة. لن أهدّد العالم بأسره. يكفي عدد محدود للغاية". ونقلت عنه صحيفة واشنطن بوست قوله أيضاً إنّ لديه عدداً ضئيلاً من قذائف المدفعية بالمقارنة مع سيل القذائف التي تطلقها روسيا.
كما أعرب الجنرال الأوكراني عن أسفه لأنّ التأخير في إرسال هذه الأعتدة إلى جيشة "قاتل". وقال "إلى حين اتّخاذ هذا القرار، يموت كثير من الناس كلّ يوم -- كثيرون. فقط لأنّ القرار لم يُتخذ بعد".
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فلم يتوان خلال استقباله في كييف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في اليوم الأول لتولّي مدريد الرئاسة الدورية للاتّحاد الأوروبي، عن اتّهام "بعض" الشركاء الغربيين لبلاده بالمماطلة في تدريب طياريها على قيادة مقاتلات إف-16 الأميركية. والطيارون الحربيون الأوكرانيون مدرّبون على قيادة مقاتلات ميغ وسوخوي السوفياتية.
زيلينسكي قال "ليس هناك جدول زمني لمهمّات التدريب. أعتقد أنّ بعض الشركاء يماطلون. لماذا يفعلون ذلك؟ لا أعلم". لكنّ واشنطن ردّت بالقول إنّها وحلفاءها يبذلون قصارى جهدهم لتزويد كييف ما تحتاج إليه.
وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي إنّ تزويد القوات الأوكرانية مقاتلات إف-16 أو صواريخ "أتاكمس" الدقيقة التصويب هو موضوع "مطروح على طاولة البحث لكنّ أيّ قرار لم يُتّخذ في شأنه حتى الآن".
الجنرال ميلي أضاف أنّ الهجوم الأوكراني المضادّ "يسير ببطء قليلًا، لكن هذا جزء من طبيعة الحرب. هذا الأمر لا يفاجئ أحداً البتّة". وتابع "نحن نقدّم لهم كلّ مساعدة ممكنة".
ضعف المدرعات الفرنسية
من جانب آخر شكا قائد ميداني أوكراني من ضعف المدرعات الفرنسية على خط الجبهة، حيث تعاني مدرعات "آ أم أكس-10 آر سي" قدّمتها فرنسا الى أوكرانيا للاستخدام في المعارك ضد القوات الروسية، من ضعف في التصفيح يجعلها "غير ملائمة" للمعارك على خط الجبهة، وفق ما أكد قائد ميداني أوكراني.
وقد راقب قائد كتيبة في لواء المشاة البحري السابع والثلاثين في الجيش الأوكراني، قدّم نفسه باسمه الحربي "سبارتانيتس"، أداء هذه المعدات المصنّفة في خانة المدرعات القتالية الخفيفة، في ميدان المعركة.
وقال لوكالة فرانس برس إن هذه المدرعات "تستخدم لعمليات قصف مساندة بسبب تصفيحها الخفيف. تسليحها جيد، أدوات المراقبة المزودة بها جيدة جدا. لكن التصفيح الخفيف هو ما يجعلها غير ملائمة" في عمليات الهجوم.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد وعد في يناير الماضي بتزويد أوكرانيا هذه المدرعات المجهزة بدواليب غير مجنزرة تتيح لها التحرك بسرعة، وبمدفع من عيار 105 ملم. وبعد أربعة أشهر من ذلك، باتت هذه المدرعات منتشرة على الجبهة. الا أن تصفيحها الخفيف كشف نقاط ضعفها على خطوط تماس تتسم بكثافة القصف وباستخدام قذائف المدفعية الثقيلة.
مقتل الطاقم
سبارتانيتس، وهو ضابط برتبة رائد يبلغ من العمر 34 عاما، قال: "في بعض الحالات انفجرت قذائف من عيار 152 ملم على مقربة منها، واخترقت شظاياها العربة"، مشيرا الى أن ذلك أدى مرة على الأقل الى مقتل طاقم المدرعة. وأوضح أن "قذيفة انفجرت على مقربة من العربة، اخترقت الشظايا التصفيح، ما أدى لانفجار مخزون القذائف" على متن المدرعة، مشيرا الى أن "طاقمها المؤلف من أربعة أشخاص كان في داخلها، وقضى" أفراده.
وتواجه المدرعات الفرنسية كذلك صعوبات في علبة تغيير السرعة، قد يكون سببها استخدامها على طرق ترابية غير معبّدة، وفق الضابط نفسه. ورأى أن "إرسال هذه المدرعات (الى الهجوم) لكي تتعرض للتدمير (...) هو غير ذي فائدة، لأن ذلك يشكّل خطرا على الطاقم بالدرجة الأولى".
الرائد سبارتانيتس لم يحدد عدد مدرعات "آ أم أكس-10 آر سي" الموجودة في حوزة كتيبته، ورفض إطلاع فرانس برس على صور لها في ميدان المعركة.
وكان الخبير العسكري الفرنسي ميشال غويا اعتبر في يناير أن سرعة تحرك هذه المدرعات تجعلها تصلح لأداء دور خلفي على الجبهة أو "الاستغلال بشكل سريع لاختراقات" تحققها القوات الهجومية. وشدد على أن "آ أم أكس-10 آر سي" ليست مجهزة "لتواجه دبابات الميدان المزودة بمدافع أكبر"، لافتا الى ضعف تصفيحها إزاء "كل الأسلحة الميدانية الحديثة المضادة للدبابات".
ووفق موقع "أوريكس" لرصد خسائر طرفي القتال على صعيد المعدات استنادا الى صور متاحة من أرض المعركة، تركت القوات الأوكرانية ثلاث مدرعات من هذا الطراز على الأقل في أرض المعركة بعدما باتت غير صالحة للاستخدام. وأكد سبارتانيتس أن أفراد كتيبته تدربوا لشهر في فرنسا على استخدام هذه المدرعات، لكن ذلك لم يكن كافيا للتمكن منها بشكل كامل.
أفضلية أميركية وبريطانية
وفق الجيش الفرنسي، تزن مدرعة "آ أم أكس-10 آر سي" 20 طنا ويكفي تصفيحها للتصدي لأسلحة المشاة الخفيفة. وتعمل القوات الفرنسية بشكل تدريجي على استبدال هذه المدرعة التي تعود الى السبعينات من القرن الماضي، بأخرى حديثة من طراز "جاغوار".
وقد أكد القائد العسكري الأوكراني أن المدرعات الأميركية من طراز "أوشكوش" والبريطانية من طراز "هاسكي"، والتي تم تزويد أوكرانيا بها كذلك، ملائمة أكثر وذات فاعلية أكبر من الفرنسية. وتم تطوير هاتين المدرعتين بشكل يتيح لهما تحمّل العبوات الناسفة والكمائن.
وقد أشار سبارتانيتس إلى أن أبواب هاتين المدرعتين قادرة على الحماية من "أربع ضربات" مباشرة من قذائف صاروخية من نوع "آر بي جي". وأكد أنه في حال انفجار لغم أرضي بمدرعة "أوشكوش"، يمكن لذلك أن يؤدي الى فصل دولابها عن هيكلها، الا أن ذلك "لا يثير قلق" المشاة نظرا لقدرتها على مواصلة التقدم.