
تدخل الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الخامس وسط تشاؤم بتضاءل فرص وقفها رغم أنها أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 10 آلاف شخص وأحدثت خسائر في البنية الاقتصادية والتحتية في السودان، لا يمكن تعويضها بسهولة.
في المقابل ما زالت الوعود بحسم التمرد من قبل الجيش السوداني ماثلة، وبمناسبة (عيد الجيش) وعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان الشعب السوداني بدحر التمرد قريباً والقضاء على أكبر مؤامرة مرت على السودان مستهدفة هويته ونهضته تحت دعاوى الديمقراطية وعودة الحكم المدني.
على صعيدها تحاول القوى المدنية السياسية جهودها لوقف الحرب حيث بحث اجتماع لقوى الاتفاق الإطاري بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا سبل وقف الحرب والترتيبات التي ينبغي أن تتخذ على الصعيد السياسي حال تحقيق هذا الهدف.
كما اقترح نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، خريطة طريق لإنهاء الحرب وقال في كلمة أذاعها التلفزيون الرسمي يوم الثلاثاء، إن الوضع في السودان يجعل تشكيل حكومة لتسيير شؤون الدولة أمرا ضروريا. وقبله جأر حاكم إقليم دارفور من أركو مناوي بالشكوى وإفتقاد دارفور لضروريات الحياة بسبب الحرب ودعا الجيش والدعم السريع لوقف الاقتتال.
ومنذ إندلاع الحرب ظلت الاتهامات متبادلة بين القوى السياسية الديمقراطية في السودان والاسلاميين أنصار نظام البشير حول من أشعل فتيلها، وظل السجال الذي لا يتوقف دورانه يتجدد كل يوم وساعة في مواقع التواصل الاجتماعي بين الإخوان الذين يدعون إلى استمرار حرب السودان لتحقيق مكاسب سياسية عبر المؤسسة العسكرية، والقوى المدنية (الثورية) تدعو لوقف الحرب وعودة الحكم المدني الديمقراطي.
فوق ذلك تحرك المجتمع الدولي لوقفها وطرحت أكثر من مبادرة لتقريب الشقة بين الطرفين، وكان الإتحاد الأفريقي هو صاحب السبق في هذا المضمار، ثم جاء منبر جدة بوساطة سعودية أمريكية نجحت في اقناع الجيش والدعم السريع بالجلوس في مفاوضات غير مباشرة فيما لم تتوقف جهود الإيغاد ومصر التي نظمت مؤتمراً لدول الجوار السوداني لوقف الحرب.
فشلت كل الوساطات والجهود المحلية حتى الآن لنزع فتيل النزاع الدامي في الخرطوم وذلك لتبني الطرفين استراتيجية تعمد إلى مواصلة القتال لتحقيق سيطرة ميدانية تمكنها من تعزيز موقفها التفاوض وفرض رؤيتها.
وتسيطر قوات الدعم على المدخل الغربي للخرطوم الرابط بين العاصمة وولايتي دارفور وكردفان عند الحدود الغربية لأم درمان (كما تسيطر على الطريق الذي يربط العاصمة بولايات الوسط وشرق السودان، فضلاً عن سيطرتها على كثير من الموقع العسكرية بالخرطوم وفي غرب وجنوب ووسط دارفور أما الجيش فهو يسيطر على بقية الولايات وتتحصن قياداته بالقيادة العامة المحاصرة من قبل الدعم السريع ويدافع بضراوة عن سلاح المدرعات وقاعدة وادي سيدنا العسكرية وسلاح المهندسين.
يقول أليكس دو وال إن قوات الدعم السريع أثارت شكوكاً في الطريقة التي يقدم بها الجيش نفسه بوصفه ممسكاً بالسلطة، عندما فاجأته بانتشارها في الخرطوم، لقد بدا البرهان مسيطراً على الوضع بعد الانقلاب الذي نفذه في عام 2021، بمساندة نائبه آنذاك محمد حمدان دقلو، غير أن ما كسبه الدعم السريع عسكرياً، خسر مقابله سياسياً بحسب دي وال؛ إذ إن قواته فقدت بشكل نهائي تعاطف الشارع بسبب الفظاعات التي ارتكبتها من إعدامات بدون محاكمة واغتصاب ونهب. يضيف: وإذا كانت الحرب بدت في أيامها الأولى وكأنها صراع على السلطة بين جنرالين، فقد باتت اليوم أطراف أخرى متداخلة فيها، بعد أن دعا الطرفان إلى التعبئة العامة، في وقت سجلت فيه الانتهاكات ضد المدنيين في السودان معدلات كبيرة تمس حقوق الإنسان.
وضه انساني متردي
لقد اهلكت الحرب الحرث والنسل في السودان حيث قتل وجرح جرائها حتى الآن وفقاً للبيانات الرسمية أكثر من 10 آلاف مواطن، كما فر 377 ألفاً إلى تشاد آتين من ولاية غرب دارفور حيث اتهم شهود الميليشيات العربية المتحالفة مع قوات الدعم السريع بشن سلسلة هجمات عرقية ضد الجماعات غير العربية.
وأدى الصراع بنظام التعليم المتعثر في السودان إلى حال من الانهيار مع إغلاق كثير من المدارس أو تحويلها إلى ملاجئ للنازحين، وإلغاء معظم امتحانات نهاية العام، علاوة على اغلاق الجامعات والمعاهد العليا بقرار حكومي.
لقد أدخلت هذه الحرب البلاد في مهدد خطير، بحدوث مجاعة سببها تفاقم الأزمات الاقتصادية المتعددة التي أفرزتها، من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية ومخاوف من نفاد المخزون الغذائي، مما جعل المواطنين يعانون الجوع ونقصاً في الغذاء.
لقد بات من المؤكد أن المعاناة في الغذاء بخاصة مع قدوم فصل الخريف ستؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة، تحديداً وسط الأطفال والمسنين وهي الشريحة الأكثر تأثراً بما يدور في السودان من صراع واستمرار المعارك، وبدلاً من أن يفقدوا أرواحهم برصاصة طائشة أو قذيفة أو دانة تسقط على المنزل أصبح الجوع أكبر مهدد لهم.
وتزداد رقعة الجوع وتتزايد حصيلة الضحايا بين المدنيين، إذ إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ذكرت أنها سجلت أكثر من 300 وفاة بين الـ 15 من مايو والـ 17 من يوليو (تموز) الماضيين بسبب مرض الحصبة وسوء التغذية، خصوصاً بين الأطفال دون عمر خمس سنوات، نظراً إلى محدودية التمويل الإنساني وصعوبة الوصول.
مبادرات بلا جدوى
مازالت المنابر المختلفة تواصل تقديم مبادرات لمقاربة الأزمة السودانية سواء في منبر جدة أو الايغاد، أو دول الجوار الأفريقي دون جدوى. فمن الواضح أن الأزمة السودانية الحالية تكمن فيها إشكالات داخلية معقدة حيال طبيعة تتصل بتاريخ طويل لإدارة السلطة والثروة في البلاد ترافقت معه حروب أهلية منذ عام 1955 واختلال في الأنصبة العادلة للمكونات السودانية وحقوقها المفترضة من تقاسم السلطة والثورة.
هذا التفسير يضعنا اليوم وجهاً لوجه أمام التعقيدات المحتملة والمستمرة للأزمة السودانية خلال هذه الحرب المندلعة منذ أربعة أشهر تقريباً، والحال أن الذي تتم مقاربته اليوم من حلول لمأزق الحرب السودانية في الدوائر الإقليمية والدولية لا يعد سوى احتمال ممكن، وربما ضعيف، لإنهاء الحرب.
يرى المحلل السياسي محمد جميل في مقال نشره موقع (الراكوبة) الإلكتروني، أن التسريع الذي تسعى به وتيرة الانزلاق نحو الحرب الأهلية هو في تقديرنا تصميم استراتيجي لدعاة الحرب منذ أن أعلن البرهان طلبه للشباب بحمل السلاح والقتال دفاعاً عن أنفسهم، وإلى جانب الجيش، بعد المعركة التي تمكنت فيها الدعم السريع من احتلال معسكرات ومقار استراتيجية خطرة وكبيرة للجيش.
ويذهب في ذات الإفتراضية التي أشرنا إليها بشأن التعقيدات التي تواجه ويقول: (مهما حاول المجتمع الإقليمي والدولي احتواء الحرب في السودان، يبدو أن أسبابها وآلياتها الداخلية هي الجانب الأكثر تعقيداً وتركيباً، خصوصاً إذا عرفنا أن أي حل سياسي سيؤدي بمن تسببوا في هذه الحرب إلى السجن، أو الخروج خارج لعبة السلطة).
خلاصات:
تدخل الحرب في السودان شهرها الخامس دون حلول تلوح في الأفق وذلك لإصرار طرفي الحرب على الحسم العسكري بعيداً من الحلول السلمية التي تقوم بها أطراف دولية وإقليمية عدة، والمتضرر الأول والأخير هو المواطن السوداني فقد أدت إلى مقتل أكثر من ألف مواطن مدني وتشريد ونزوح أكثر من أربعة ملايين داخل البلاد وخارجها.
إن التعبئة التي أعلنها قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان مطالباً فيها الشعب السوداني بالانخراط في صفوف الجيش لحماية الوطن إستغلها انصار النظام السابق من الاسلاميين وطرحوا من تنظيمهم الإرهابي واجهة سياسية للجيش ليعود السودان لذاكرة الحرب الدينية التي قادوها ضد الجنوب فأدت إلى فصله واستقلاله عن السودان.
هذه التعبئة تحمل في أحشائها بذوراً خطرة تتعلق بضرب النسيج الاثني في السودان، خاصة أن قوات الدعم السريع باتت تتعامل معها بحملات استنفار منتظمة للقبائل العربية التي تؤيدها في دارفور، بل انضمت مجموعة كبيرة من قبيلة الشكرية بقيادة أبوعاقلة كليكل إلى الدعم السريع لتهدد أمن وسلامة ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم والتي هاجر إليها معظم سكان العاصمة الخرطوم.
وتشير تصريحات البرهان وحميدتي الأخيرة إلى أن هذه الحرب لن تتوقف قريباً وسيطول أمدها خاصة بعد أن أصبح الإخوان هم الذين يتحكمون على غرفة العمليات المركزية للجيش.
ومع زهد المجتمع الدولي في إيجاد آلية ضاغطة تعيد الطرفين إلى التفاوض والاتفاق على وقف الحرب، فهذا يعني أنهما سيتقاتلان لأطول فترة ممكنة دون أن يحقق إحداهما نصراً على الآخر وبالتالي مزيد من الإنهاك لقوة الدولة ودمار كامل للبنية التحتية وفشل الموسم الزراعي هذا العام لتتحول الفجوة الغذائية الحالية في السودان إلى مجاعة تنسف ما تبقى من السودان.