يواجه الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب عدة حروب كان من الصعب إنهائها خلال فترة سلفه جو بايدن، كالحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان والحرب الأوكرانية والصراع في السودان. فكيف سيواجه البيت الأبيض بقيادته هذه القضايا التي يتعلق بها مصير العالم، وأثرت فيه اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
قطاع غزة والضفة الغربية
يخوض الحرب الإسرائيلية في غزة رئيس وزراء احتفل بإعادة انتخاب ترامب
الذي أعطى تل أبيب الكثير في ولايته الأولى. وبالتالي يرى الوزراء الإسرائيليون
اليمينيون عودته ضوءاً أخضرَ لضم الضفة الغربية وتنفيذ مخطط نتنياهو الذي وعد به
ناخبيه.
أدى هذا الأمر إلى قلق داخلي على مستقبل إسرائيل بسبب التعيينات التي
كشف عنها ترامب، عكسه مقال لصحيفة هآرتس ترى فيه أن إدارته المرتقبة تدعم ضم
الأراضي، مما يعجل نهاية إسرائيل كدولة ديمقراطية. ويصف المقال تعييناته بأنها
تبدو وكأنها تحقق أحلام نتنياهو (Haaretz: 13 November 2024).
ورأى الكاتب اللبناني سميح صعب، أن ضم الضفة يعد جائزة إستراتيجية
لحروب نتنياهو التي يريد بها القضاء على فكرة حل الدولتين. وباعتراف أي رئيس أمريكي
بهذا الضم لن يكون هناك متسع لطرح الفكرة التي ستبقى حلاً نظرياً غير قابل
للتطبيق. ويرى "صعب" أن اعتراف ترامب خلال ولايته الأولى بالقدس عاصمة
لإسرائيل كان في إطار كسب التأييد حينما كان يسعى لولاية ثانية. أما اليوم فهو
متحرر من تلك الالتزامات، وليس مجبراً على أن يمنح إسرائيل كل شيء مقابل لا شيء
(النهار: 14 نوفمبر 2024).
وخلال طاولة مستديرة لمؤسسة "دون" قال نادر هاشمي مدير مركز
الوليد للتفاهم، إن إدارة ترامب الثانية ستضاعف محركات عدم الاستقرار في المنطقة
خلال السنوات الأربع المقبلة. ودلل على رأيه بأن الحزب الجمهوري معادٍ للعرب، حتى إن
ترامب خلال حملته استخدم كلمة فلسطيني كإهانة لمهاجمة بايدن، والعديد من رجاله يشاركونه
هذه النظرة.
أما المحامية الفلسطينية ديانا بوتو فترى أن إسرائيل كانت تخطط
لخطوتها التالية على أساس فوز ترامب. وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، أقامت الحواجز
ونقاط تفتيش لتطويق المدن والبلدات الفلسطينية. والنتيجة واضحة، تستعد إسرائيل لضم
الضفة، وسيشجعها ترامب على تنفيذ خطتها.
وخلال المناقشات أكد مايكل لينك مقرر الأمم المتحدة السابق لحقوق
الإنسان، ضرورة فهم توجهات إدارة ترامب القادمة فيما يتعلق بالحرب بين الفلسطينيين
وإسرائيل، بالعودة إلى ثلاث سمات حاسمة لرئاسته الأولى. أولها، إحاطة نفسه
بمستشارين هواة كانوا أعضاء متعصبين في حزب الليكود. ولقلة معرفته بطبيعة القضية سمح
لهم بتشكيل سياسته. ثانيها، قطع التمويل الأمريكي عن السلطة الفلسطينية ونقل
السفارة إلى القدس والاعتراف بالضم غير القانوني للجولان. ثالثها، إطلاقه اقتراح
سلام غير متوازن في يناير 2020 كان من شأنه أن يسمح لإسرائيل بضم الضفة مقابل القليل
من الأرض للفلسطينيين. ونتج عن ذلك الوضع السيئ للحرب التي نشهدها حالياً.
ومن وجهة نظر مختلفة قالت داليا فهمي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة
لونغ آيلاند، إن ترامب تعهد بإحلال السلام، مما يعني أنه سيُنهي الحرب بين إسرائيل
وحماس. وربما تشهد فترته القادمة التركيز على مفاوضات تعيد الالتزام باتفاقيات التطبيع،
لكن ليس من الواضح ما إذا كان الفلسطينيون سيكونون جزءاً من أي مفاوضات بعد أن
قلصت قطر دورها كوسيط (Dawn: 14
November 2024). ما يرجح ذلك أن ترامب
طوال حملته الانتخابية، لم يحدد كيف سيتعامل مع تلك الحرب. لقد قال في إبريل بوضوح
إن إسرائيل بحاجة إلى إنهاء ما بدأته بسرعة، مشيراً إلى أنها تخسر الحرب الإعلامية
بسبب الصور القادمة من غزة.
مصير الحرب في لبنان
يمكن اعتبار الحرب الإسرائيلية في لبنان معركة إسرائيلية إيرانية،
نظراً إلى تدخل طهران فيها بشكل مباشر، خاصة بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله
حسن نصر الله. وحتى الآن فإن جهود الوساطة الأمريكية لإنهاء هذه الحرب، بلا جدوى.
وقد نشر ترامب على منصة التواصل الاجتماعي X أنه بصفته رئيساً سيوقف
المعاناة والدمار في لبنان.
أدّت إدارة بايدن دوراً محورياً في الجهود الدبلوماسية طوال الحرب،
ودوراً أكثر قوة في مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران وحلفائها. ترى تيا
غولدنبرغ المحررة السياسية في وكالة أسوشيتد برس أن هناك الكثير من الاتهامات
الموجهة إلى إيران بأنها قامت باختراق حسابات بعض أعضاء الحملة الانتخابية لترامب،
إضافة إلى مخاوف بشأن إمكانية قيام طهران بتنفيذ أعمال عنف ضده أو أعضاء إدارته
المرتقبة، من شأنها أن تعمق الأزمة (Associated Press: 6 November 2024).
رغم ذلك فمن المتوقع أن يكون إنهاء الحرب في لبنان ودمج إسرائيل في
الشرق الأوسط على رأس أجندة ترامب. قال ألون بينكاس، الدبلوماسي الإسرائيلي
السابق، إن ترامب لا يريد أن تكون الحروب الإسرائيلية على مكتبه كقضية ملحة بحلول
20 يناير عندما يتم تنصيبه. ورجح أنه سيطلب من نتنياهو إعلان النصر ثم التوصل إلى
اتفاق من خلال وسطاء. وقال بواز بيسموث، عضو الليكود، إن انتخاب ترامب جاء في
الوقت المناسب، لأنه سيوفر فرصة لتوسيع اتفاقيات السلام وإنهاء الحرب في لبنان (CNN: 6 November 2024).
ولأن إيران هي حجر الزاوية الأساسي في الأزمة اللبنانية، لا نعتقد أن
أي شخص في فريق الأمن القومي لترامب سيشارك في التوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين مع طهران.
خاصة أن سياسة الضغط الأقصى التي ربما ينتهجها ضد طهران قد تزيد الالتفاف الشعبي
حول النظام الإيراني، وهو ما يصعب المهمة.
مأزق الحرب في السودان
تثار تساؤلات حول انعكاسات عودة ترامب على السياسة الأمريكية تجاه
السودان الذي انزلق إلى أتون حرب أهلية تؤثر بشدة في استقرار المنطقة بأكملها. هذا
الوضع المعقد يطرح تساؤلات حول كيفية تعامل إدارته مع تلك الأزمة التي ستكمل عامها
الثاني دون حل.
قال أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، لقناة
الحرة إن علاقات ترامب خلال فترته الأولى مع السودان كانت محكومة بمصالح إقليمية،
مثل ملف سد النهضة ودعم التطبيع مع إسرائيل. ويعتقد أن واشنطن ستضطر إلى النظر
بعمق إلى أزماته هذه المرة، حيث يمكن أن تؤدي التحالفات المتضاربة فيه إلى تعقيد
أي جهود محتملة للسلام. ويؤكد دي وال على أن السياسات الأمريكية تجاه السودان، سوف
تعكس رغبة في مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في إفريقيا عموماً. فبينما
تعمل الصين على إنجاح مشروعاتها ضمن مبادرة الحزام والطريق، تعزز روسيا وجودها
العسكري والسياسي.
وبنظرة متفائلة رأى السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، محمد عبد
الله إدريس، في مداخلة لقناة الحرة أن السودان كان دائماً منفتحاً على التعاون مع
جميع الإدارات الأمريكية، وأن عودة ترامب فرصة لإعادة صياغة العلاقات (الحرة: 16
نوفمبر 2024). ولكن رغم ذلك نجد أن المحللة السياسية السودانية خلود خير، مديرة
شركة كونفلوانس الاستشارية، تؤكد أن ترامب بنظرته الانتفاعية البحتة سيهمل
السودان، وسيضعها في بؤرة تنافس بين القوى الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط (Dawn: 14 November 2024).
الحرب الأوكرانية
يتزامن توقيت نجاح ترامب في الانتخابات مع فترة تتسم بوتيرة أقل في
حدة الحرب الأوكرانية، حيث يستعد كلا الجانبين لفصل الشتاء. هذا لا يعني أن القتال
سيتوقف، لكنه يعني أن النشاط العسكري سيبدو وكأنه يتراجع مقارنة بأشهر الربيع
والصيف ذات الوتيرة العليا. ومن غير المرجح أن يتمكن أي من الجانبين من تحقيق تقدم
حاسم خلال هذا الوقت، مما يمنح الإدارة الجديدة لترامب فرصة إعادة تقييم الأوضاع.
قال ميك رايان زميل أول الدراسات العسكرية في برنامج الأمن الدولي
بمعهد لوي، إن هناك بعض المؤشرات حول الاتجاه الذي قد يميل إليه ترامب مستقبلاً، بعد
أن اقترح طاقم مجلسه للأمن القومي خطة لوقف إطلاق النار على أساس الخطوط الأمامية
الحالية. لكن الأمر يتوقف على استعداد روسيا للحل، بعد أن صرح الروس أن أي خطة مقترحة
لا بد أن تعكس الواقع على الأرض، وهكذا فإن بوتين مستعد للتعاون دون تقديم تنازلات
(Lowy Institute: August 2024).
ورغم أن ترامب يريد أن تنتهي الحرب سريعاً، فإنه لن يحرم كييف من الإمدادات
في هذه المرحلة، وبصفته صانع صفقات، يعرف أن انهيار أوكرانيا يعني أن بوتين سيتولى
إدارة المفاوضات. ويتفق مايك بومبيو، وزير الخارجية في إدارة ترامب الأولى مع هذا
الرأي، فمن وجهة نظره لن يسمح ترامب لبوتين بالسيطرة على أوكرانيا. وأي محاولة لسحب
التمويل من الأوكرانيين من شأنها أن تؤدي إلى ذلك. لكنه يرى أن كييف يجب أن تكون
مرنة عندما تُطرح بعض الأفكار الصعبة عليها (Politico: 15 November 2024).
على أية حال، حتى الآن ليست لدى ترامب خطة مفصلة، وتختلف الآراء بين
مستشاريه رغم فهمهم للواقع العسكري على الأرض، وربما يتغير الأمر عندما يتم تعيين
فريق للتعامل مع مبادرة السلام في أوكرانيا.
خاتمة
من الصعب بشكل خاص تقديم تنبؤات واثقة بشأن السياسة الخارجية عند
مناقشة قادة متقلبين وغير متوقعين مثل دونالد ترامب. كما أن هذه المهمة تزداد
تعقيداً بسبب الاختلافات الكبيرة في كل من الشرق الأوسط وواشنطن حالياً مقارنة
بإدارته الأولى. ولكن مع تزايد التنافر بين الكلمات والأفعال في السياسة الأمريكية
أكثر من أي وقت مضى، سوف يواجه ترامب وإدارته العديد من التحديات.
من المرجح أن تدفع إدارة ترامب إلى إنهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية
في غزة ولبنان، لكنها ستدعم أيضاً سعي إسرائيل لشل الأونروا، والسماح لنتنياهو
بحرية فصل شمال غزة والسيطرة عليه والاستيطان فيه. بل إن نتنياهو قد يطلب رسمياً
الإذن الأمريكي للمضي قدماً في الضم القانوني للضفة الغربية.
يبدو أن ترامب سيسعى لتوسيع تكامل إسرائيل في الشرق الأوسط، لكنه قد
يواجه تحدياً في رفض المملكة العربية السعودية تطبيع العلاقات معها حتى ترى مساراً
واضحاً لإقامة دولة فلسطينية.
ومن الواضح أن رؤية ترامب للأزمة السودانية معتمة ولا تحمل حلاً
مناسباً، وربما يترك أمرها للقوى الإقليمية المؤثرة لطرح حلول برعايته. أما على
الصعيد الأوكراني فهناك شيء واحد مؤكد، وهو أن الأوكرانيين يدركون تبعات احتمالات خسارتهم
الحرب. وحتى إذا حاولت إدارة ترامب إجبارهم على هدنة غير مستدامة، فمن المرجح أن
تختار كييف الاستمرار في القتال دون دعم واشنطن، أفضل من إخضاع نفسها لحلول مؤقتة
لن تردع روسيا.