مقالات تحليلية

ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، المكاسب والتحديات

18-Oct-2022

توصل لبنان وإسرائيل، يوم 11 أكتوبر، إلى اتفاق لإنهاء نزاع طويل حول الحدود البحرية واستغلال حقول الغاز الموجودة في البحر الأبيض المتوسط. ويمهد الاتفاق، بعد سنوات من المفاوضات التي توسطت فيها أمريكا، الطريق لاستكشاف الطاقة البحرية عبر تخفيف التوتر بين البلدين اللذين لا تربطهما أية علاقات دبلوماسية رسمياً. ومن هنا، تتمتع الاتفاقية برمزية كبيرة على المستويين المحلي والإقليمي، باعتبارها الصفقة الرسمية الأولى التي وقعتها الدولتان العدوتان تاريخياً منذ وقف إطلاق النار في أعقاب حرب عام 2006.

رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد: قال "إنه إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في الاقتصاد ويضمن استقرار حدودنا الشمالية". في حين قال الرئيس اللبناني ميشال عون إنه يأمل في أن يتم التوقيع على الاتفاق في أسرع وقت ممكن. واتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن بكلا الرئيسين للتهنئة.

ويأتي الاتفاق تتويجاً لمسار طويل من المفاوضات بوساطة واشنطن. بدأت هذه المفاوضات في عام 2020، قبل أن تتعرض لنكسات متكررة لأسباب عديدة، من بينها معارضة "حزب الله" وإيران لها. ولاحقاً، تسارعت التطوّرات المرتبطة بالملفّ، وتحديداً منذ يونيو الفائت. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية بين الطرفين، قدم الوسيط الأمريكي آموس هوكستين مؤخراً عرضه الأخير للجانبين اللذين أعلنا تباعاً موافقتهما عليه.

لكن إلى جانب سعي كل من لبنان وإسرائيل لجني المكاسب الاقتصادية من مشاريع الطاقة في المنطقة، والضغوط الأمريكية على الجانبين، أدت الفوضى السياسية في كلا البلدين إلى تسريع الوصول إلى الاتفاق. كان لبنان قد أجرى انتخابات برلمانية في مايو، لكن حكومة تصريف الأعمال ما زالت تدير شؤون البلاد. ومن المقرر أن يتنحى الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر. في غضون ذلك، تقترب إسرائيل من انتخاباتها الخامسة في أربع سنوات بعد انهيار الائتلافات السابقة. ومن المقرر أن تجرى الجولة القادمة من التصويت في نوفمبر. كما أن الوضع السياسي الصعب في لبنان دفع حزب الله إلى تجنب التسبب بأزمة أخرى عبر معارضة الاتفاق الذي يأمل اللبنانيون في أن يكون له تداعيات إيجابية على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

وأكد نصر الله دعمه الاتفاق وقال في تصريحات تلفزيونية: "بالنسبة لنا نحن سننتظر المواقف الرسمية... في اللحظة التي يوقع فيها الاتفاق في الناقورة نستطيع أن نقول أنه تم الاتفاق تكون مهمتنا انتهت". وأضاف نصر الله أن ما يهم مليشيا حزب الله هو استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية.

تفاصيل الاتفاق

يمكن القول إن الشكل الغريب للاتفاق الجديد قد أدى دوراً في إقناع مختلف مكونات الحكومة اللبنانية، بما في ذلك حزب الله، بقبول الاتفاقية. وفي الواقع، لن يتم تشكيل هذا الاتفاق على أنه اتفاق مباشر بين لبنان وإسرائيل، بل اتفاقيتان ثنائيتان مع أمريكا، واحدة مع إسرائيل والأخرى مع لبنان. كما تؤكد مصادر إسرائيلية مطلعة لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أن الاتفاق ينص أيضاً على قيام أمريكا بدور الضامن، أي في حالة محاولة حزب الله أو أية جهة أخرى انتهاك الاتفاقية، وهو أمر لا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن يتعامل الأمريكيون معه، خاصة في حال أثرت مواجهة مستقبلية بين إسرائيل وحزب الله في مستقبل الاتفاقية.

وتظل الاتفاقية محدودة النطاق ولا تتعلق بالحدود البرية بين البلدين، التي كانت لعقود منطقة للاشتباكات المسلحة المتكررة بين إسرائيل وحزب الله. وقد أعلن الأخير - من خلال أمينه العام حسن نصر الله - أنه سيعترف بالاتفاق والموقف الرسمي للحكومة اللبنانية من هذه المسألة. وينص الاتفاق لأول مرة على حدود بين المياه اللبنانية والإسرائيلية وينص على آلية لتأسيس حقوق التنقيب المتعلقة بحقول الغاز البحرية عبر الحدود، حسب وكالة الأنباء الفرنسية. لكن وفق تحليل نشره "معهد دراسات السياسة الدولية" الإيطالي يوم 14 أكتوبر، لا تركز الاتفاقية الجديدة على الحدود البحرية بين البلدين، وإنما يتعلق الأمر بمنطقة تبلغ مساحتها حوالي 860 كيلومتراً مربعاً فيما يُعرف باسم "المنطقة الاقتصادية الحصرية" لكل دولة.

ويجدر بالجانبين اللبناني والإسرائيلي، وفق الاتفاق، الذي نشرت وكالة الأنباء الفرنسية بعض تفاصيله، أن يلتزما بأن "الاتفاق يُرسي حلاً دائماً ومنصفاً للنزاع البحري القائم بينهما". وينبغي على كل طرف، وفق نص الاتفاق، أن يقدم رسالة تتضمن قائمة بالإحداثيات الجغرافية المتعلقة بترسيم الخط البحري إلى منظمة الأمم المتحدة، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان في العام 2011. كذلك، لا يحق لأي منهما مستقبلاً إرسال أي مذكرة، غير متفق عليها من الجهتين، تتضمن خرائط أو إحداثيات تتعارض مع الاتفاق.

وبموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي. ويقع كاريش جنوباً، وهو أقرب إلى حقلي الغاز تامار وليفياثان المملوكين لإسرائيل. كما يضمن الاتفاق للبنان كامل حقل قانا، الواقع في الشمال الشرقي، والذي لا يزال يتعين استكشافه في المستقبل. وستشكل الرقعة رقم 9، حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسة للتنقيب من قبل شركتي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية اللتين حصلتا في عام 2018، مع شركة روسية، على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة هذا العام. وبما أن جزءاً من حقل قانا يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية، ستحصل إسرائيل على "تعويض من مشغل البلوك 9"، في إشارة إلى شركتي "توتال" و"إيني"، وذلك "لقاء الحقوق العائدة لها من أية مخزونات محتملة في المكمن المحتمل".

وستحدّد حصة إسرائيل من خلال محادثات منفصلة تجريها مع الجهة المشغلة لحقل قانا. وجاء في الاتفاق "ستعقد إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 اتفاقية مالية قبل (اتخاذ) مشغل البلوك رقم 9 قرار الاستثمار النهائي". وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إن "إسرائيل ستتلقى نحو 17% من عائدات حقل قانا حين يدخل مرحلة الإنتاج". ويتعيّن على إسرائيل، وفق نصّ الاتفاق، العمل "بحسن نيّة" مع مشغّل البلوك رقم 9 لضمان تسوية الاتفاق "في الوقت المناسب". ولا يحقّ لإسرائيل أن تعترض على أية أنشطة أو تتخذ أية إجراءات من شأنها أن "تؤخر تنفيذ الأنشطة" في المكمن المحتمل، حسبما جاء في نص الاتفاق المسرب إعلامياً.

وسيوقع الاتفاق في لبنان، رؤساء الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، لكن لن يكون من الضروري أن يمر عبر البرلمان. وحدد عون - الذي تنتهي ولايته في نهاية أكتوبر- أن الاتفاقية لا تعادل شراكة مع إسرائيل، التي لا يعترف بها لبنان ويعتبرها عدواً رسمياً. وفي إسرائيل، يجب أن تمر الاتفاقية عبر مجلس الوزراء الأمني والحكومة قبل عرضها في الكنيست. بالنظر إلى الخطوات المختلفة، من المتوقع الموافقة النهائية في غضون ثلاثة أسابيع، حسب تحليل نشره "معهد دراسات السياسة الدولية" الإيطالي. وقال مسؤول أمريكي لوكالة "رويترز" إنه بعد موافقة البرلمان الإسرائيلي على الاتفاق ستتبادل واشنطن الرسائل "لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق".

مكاسب إسرائيل من الاتفاق

من المفترض أن تكون إسرائيل قادرة على البدء في جني الأموال من حقل الغاز الطبيعي في غضون أسابيع، حيث تعني الصفقة أن شركة "اينيرجين" يمكن أن تبدأ العمل في حقل كاريش الإسرائيلي على الفور تقريباً دون خوف من التعرض للهجوم. وترى مها يحيى، مديرة مؤسسة "كارنيغي" الأمريكية أن "الاتفاق يعني أن البلدين لديهما الآن مصالح اقتصادية في الحفاظ على الهدوء على طول مناطقهما الحدودية المشتركة".

والهدوء على الجبهة الشمالية لإسرائيل يعني استمرار عمل حقول الغاز الأخرى أيضاً، دون تعرضها لتهديدات مستقبلية، وقد يكون هذا هو الأهم بالنسبة لإسرائيل. ويقول هيكو ويمين المحلل في "مجموعة الأزمات الدولية" إن حقل كاريش من الناحية المالية هو أصغر حقول الغاز التي تعمل عليها إسرائيل. ويضيف ويمين أنه "في حالة ما إذا كان الأمر قد وصل إلى مرحلة الصدام الفعلي لكانت البنية التحتية للغاز بأكملها معرضة للخطر"، مضيفاً أن "هذا السيناريو غير مطروح في الوقت الراهن. لذا، فإن ذلك يعد فوزاً مهماً من الناحية الأمنية".

وعلى المستوى الداخلي، تأمل الحكومة الإسرائيلية في أن يتم توقيع الاتفاق مع لبنان في الوقت المناسب للانتخابات التشريعية في الأول من نوفمبر، والخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف السنة، حيث سيحاول رئيس الوزراء لابيد منع عودة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو وحلفائه، من الأحزاب الأرثوذكسية واليمينية المتطرفة، إلى السلطة. وكان نتنياهو قد انتقد الاتفاق بالفعل، متهماً لابيد بـ"التنازل" للبنان "عن" جزء من الأراضي السيادية لإسرائيل"، وكذلك "الاستسلام أمام حزب الله"، وهدد بعدم احترام الاتفاق في حالة فوزه.

مكاسب لبنان المحتملة

تؤكد الصحافة اللبنانية أنه يمكن أن تكون الاتفاقية بمثابة متنفس لاقتصاد البلاد المنهار، وبالتالي عاملاً مخففاً للتداعيات، السياسية والاجتماعية الخطرة، للأزمة الاقتصادية المتصاعدة منذ ثلاث سنوات. كما أن استخراج الغاز من الحقول البحرية سيخفف جزئياً من نقص الطاقة والانقطاع المستمر لشبكة الكهرباء اللبنانية. وينظر البعض إلى هذا الأمر على أنه لصالح إسرائيل أيضاً. بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، وفق تحليل لـ"معهد السلام الأمريكي"، هناك "فائدة إضافية للاتفاقية تتمثل في زيادة الوصول إلى الطاقة لشعب لبنان، حيث يحصل معظم المواطنين حالياً على ساعتين فقط من الكهرباء يومياً- ما يؤدي إلى تحسن في نوعية الحياة والاستقرار، ولو كان طفيفاً، في بلد يواجه سلسلة متتالية من الأزمات. قلة هم الذين يرون أن المزيد من الانهيار في لبنان مفيد لأمن إسرائيل أو المنطقة". ويضيف التحليل أن الكثيرين هنا "يأملون في أن يفكر حزب الله الآن مرتين بشأن تصعيد صراعه مع إسرائيل، إذا أدى التصعيد لتعطيل إمدادات الطاقة الجديدة في لبنان".

وقدّر مسح زلزالي أجرته شركة "سبكتروم" البريطانية لمنطقة بحرية محدودة في العام 2012 احتياطات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بـ25,4 تريليون قدم مكعب. وأعلنت السلطات اللبنانية من جانبها عن تقديرات أعلى، لكن ليس هناك حتى الآن أي دليل على وجود موارد كبيرة مؤكدة في حقل قانا. كما أن لبنان بعيد عن ضخ أي غاز من حقل قانا في أي وقت قريب، حيث أبرمت الدولة صفقات مع "توتال" و"إيني" لاستخراج الغاز من الحقل ولكن هناك حاجة إلى مزيد من أعمال الاستكشاف والبنية التحتية قبل أن يجني لبنان من حقل قانا أية أموال. لن يحدث هذا على الأرجح حتى قرب نهاية هذا العقد، حسب بعض التقديرات.

مهما يكن، يُعد الاتفاق بمثابة ضوء أخضر لشركتي "توتال" و"إيني" لبدء الاستكشاف، الذي يتوقع أن يمنح لبنان مكسباً محدوداً في أحسن الأحوال. فبحسب المبادرة اللبنانية للنفط والغاز غير الحكومية، فإن "السيناريو المتوقع في أفضل الحالات" هو اكتشاف كمية من 16 تريليون قدم مكعب. وأوضحت عضو الفريق الاستشاري في المبادرة ديانا قيسي أن أرباح لبنان في هذه الحالة "قد تصل إلى ستة مليارات دولار موزعة على 15 عاماً". وبالرغم من أن لبنان يعوّل على هذه الأرباح التي قد يحققها في المستقبل، إلا أنّها لا تغطي إلا جزءاً بسيطاً من الديون على لبنان، الذي صنّفه البنك الدولي من بين الاقتصادات الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

كما كتب مايك عازار، المحلل المقيم في واشنطن والمحاضر السابق في الاقتصاد الدولي في كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، في تغريدة على  "تويتر"، أن "هذه الصفقة لا تغير من الأمور بشكل كبير فيما يتعلق باكتشاف واستغلال احتياطيات النفط والغاز في لبنان... كان الاتفاق في النهاية أكثر ربحية لإسرائيل. ما حصل عليه لبنان هو تجنب المشاكل التي لا يستطيع التعامل معها في الوقت الحالي". وبالرغم من ذلك فإن إبرام لبنان هذه الصفقة وإظهار أنها مفتوحة للعمل، مع دخول "توتال" و"إيني" إلى مشروع قانا، سيسهم في تنشيط السوق، وقد يجلب ذلك استثمارات للبلاد، خاصة في ظل سيناريو تزايد الاستقرار الأمني.

وقال كبير المفاوضين اللبنانين في ملف المفاوضات البحرية، ونائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب، لشبكة "سي أن أن"، إن الاتفاق سيحسن وضع لبنان، ويخلق المزيد من الثقة في المجتمع الدولي تجاه البلاد. وقال نائب رئيس مجلس النواب: "الإسرائيليون لديهم الأفضلية لأن حقلهم جاهز"، ولبنان أضاع فرصته منذ سنوات عديدة للمطالبة بكاريش، لكن شركة "توتال" ستبدأ العمل في قانا على الفور وقد يرى لبنان الغاز في غضون "3 أو 4 سنوات"، وهي فترة قصيرة نسبياً قد تكون نابعة من تصريحات متفائلة.

مكاسب الغرب

تمثل الصفقة انجازاً دبلوماسياً لواشنطن في الشرق الأوسط، في ظل عدد من النكسات التي واجهتها الإدارة الأمريكية في المنطقة، وأحدثها التوترات المتزايدة مع السعودية بسبب ملفي النفط وروسيا. وقالت شبكة "سي أن أن" الأمريكية إن جهود الوساطة الأمريكية كانت أساسية لتحقيق الصفقة البحرية بعد محاولات فاشلة للإدارات السابقة. وبحسب محللين فإن هذا قد يعزز موقف بايدن قبل الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل. ويرى البعض أن هذا الاتفاق يخدم أمريكا لأنه يضمن المصالح الإسرائيلية في لحظة عزل أمريكية لمصالح روسيا المنشغلة بحرب أوكرانيا وتداعياتها.

كذلك إلى جانب المساهمة المحتملة لهذه الصفقة في تخفيف التوترات بشرق المتوسط، وهو ما يقلل من الضغوط على الأوروبيين، ويأتي الاتفاق في ظل الزيادة الهائلة لأسعار الطاقة مع بحث الاتحاد الأوروبي عن موردين جدد لتقليل اعتماده على الغاز الروسي. وتركز إسرائيل على حقل كاريش، الجاهز للدخول في الإنتاج، لزيادة شحناتها من الغاز في القارة الأوروبية. وقالت إسرائيل إنه بمجرد توقيع اتفاق بحري مع لبنان، يمكنها البدء في استخراج النفط والغاز من كاريش وتصديره إلى أوروبا في غضون أسابيع. وتحدث لابيد مراراً عن الدور الذي قد تؤديه إسرائيل لمساعدة أوروبا في الوقت الذي تحاول فيه إبعاد نفسها عن الطاقة الروسية.

وفي حين يُفترض أن يكون حقل الغاز الإسرائيلي جاهزاً للتصدير قريباً جداً، فإن وضع حقل قانا اللبناني لن يفيد الأوروبيين على المديين القريب والمتوسط، وفق التقديرات الحالية. لكن، وبالرغم من ذلك، ستحقق صفقة ترسيم الحدود أرباحاً لشركتي "توتال" وإيني" الأوروبيتين، من وراء التنقيب في حقل الغاز اللبناني هناك.

التحديات

قال محللون بقطاع الطاقة في لبنان إن التفاصيل الخاصة ببلدهم تترك الكثير للنقاش بشأنه، وإنه من الواضح أنه سيتم التفاوض على العديد من التفاصيل في المستقبل. وهناك حقيقة أنه عندما يتعلق الأمر بتسوية هذه الأمور، فإن لبنان وإسرائيل لا يتحدثان مع بعضهما البعض بشكل مباشر، مما يترك شركات الطاقة في  مهمة صعبة. ويرى الخبير في مجال الطاقة سهيل شاتيلا أنّ الاتفاق المالي الذي ستبرمه إسرائيل والشركة المشغلة هو بمثابة شرط مسبق "خطر". ويقول شاتيلا لوكالة فرانس برس إن "لإسرائيل الحق في وقف أي تطوير في قانا عبر طلبها إنهاء صياغة الاتفاق المالي مع شركة توتال أولاً". ويضيف "يعني ذلك أنهم في حال كانوا لا يريدون للبنان أن يستخرج أي غاز، فلديهم نافذة في الاتفاق الحدودي" لتحقيق ذلك. 

ولم يحلّ الاتفاق، وفق ما يرى الخبير المالي مايك عازار، القضايا الاقتصادية الرئيسة المتعلقة بتقاسم أرباح الموارد المحتملة، لكنه أرجأ البتّ بها إلى موعد لاحق. ويوضح أنّ "قدرة لبنان على استكشاف آفاق حقل قانا وتطويره تعتمد في نهاية المطاف على موافقات إسرائيلية وعلى الترتيب المالي المستقبلي بين توتال وإسرائيل".

توقعات

يقول مراقبون إن إسرائيل تخلت على الأرجح عن أراضٍ أكثر مما أرادت في البداية، لكنها ستستفيد أكثر على المدى القصير من مبيعات الغاز في ظل ظروف أمنية أفضل. على الجانب الآخر، حصل لبنان على أراض لكنه لن يتمكن من استغلالها فوراً. ومن هنا يتوقع أن تواجه الحكومتان بعض التحديات قبل التوقيع الرسمي للاتفاقية، وخاصة على الجانب الإسرائيلي.

تالياً، لا يزال هناك الكثير من العمل حتى تكتمل الموافقة النهائية وتودع هذه الاتفاقية بين البلدين وبين أمريكا في الأمم المتحدة، وتدخل حيز التنفيذ والتأكد من أن كلا الجانبين سينفذان التزاماتهما. ورغم ذلك، هناك إشارات على أنه مع تصميم أمريكا، سيكون هذا ممكناً.

نجح لابيد في الحصول على موافقة حكومته، رغم اعتراض وزيرة الداخلية أييليت شاكيد وامتناع وزير الاتصالات يوعاز هندل عن التصويت. لكن يمكن توقع أن يتم استغلال الاتفاقية من قبل معارضي حكومة لابيد، حيث بدأ نتنياهو وحلفاؤه في وضع استراتيجيات بشأن هذه القضية. ومن المرجح أن تقع انتقادات الصفقة على العديد من الخطوط:

فالاتفاق يشكل تنازلًا عن الأرض من قبل إسرائيل، الأمر الذي يتطلب تصويت ثلثي الكنيست، وأن حكومة لابيد المؤقتة تفتقر إلى الشرعية لعقد مثل هذه الاتفاقية لمصالح إسرائيل الاستراتيجية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً. وقد رفض نتنياهو، يوم 16 أكتوبر، الوصول الى الاجتماع حول الإحاطة الأمنية عن اتفاق الحدود البحرية مع لبنان للابيد، وطالبه بعرض الاتفاق للتصويت والمصادقة عليه في الكنيست وقال نتنياهو في تغريدة: "من جانب لابيد يرفض الحصول على موافقة الكنيست على اتفاق الاستسلام لنصر الله بادعاء أن المعارضة لا تعجبه، ومن جانب آخر يدعو المعارضة لإحاطة سريعة بعد الواقعة".

ويُنظر إلى الاتفاق على أنه يمثل نصراً أمريكياً بحكم قيادة المفاوضات. وهنا يذهب البعض أبعد من ذلك بالقول إن نجاح الدور الأمريكي (مع الموقف الفرنسي الداعم له) قد يفتح الباب لسيناريوهات تفاوض جديدة في سياقات النزاعات الإقليمية ولكن أيضاً في النزاعات الشبيهة بالحرب. لذلك، بشكل غير مباشر، يمكن للتوقيع الوشيك على الاتفاقية أن يسهم في إعادة تأكيد دور أمريكي أكثر ثباتاً في المنطقة. لكن في المقابل، وفي حين يمثل الاتفاق عامل استقرار في المنطقة، فإنه لن يكون بمثابة نقطة انطلاق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما أن هذه الصفقة لا تضمن وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل على المدى القريب إلى المتوسط، خاصة في حال تدخلت القوى الخارجية، مثل إيران التي يمكن أن تحرض حزب الله، لأسباب سياسية أو أمنية أواقتصادية، على استهداف هذه الصفقة في المستقبل.

765