في نهاية نوفمبر الماضي ذكر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في لقاء جمعه بصحفيين بفندق بأديس أبابا، بأن جولات البرهان الأفريقية والتي بدأها بنيروبي وأديس أبابا، هدفها أو القصد منها، هو أن تلعب المنظمات الأفريقية دوراً في حل الأزمة السودانية خاصة الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (الإيغاد) والإتحاد الأفريقي.
بعد هذا الحديث، لم يتوقع أحد أن تتبرأ وزارة الخارجية السودانية من البيان الختامي الذي أصدرته قمة الإيغاد التي جرت مؤخرا في جيبوتي والذي أكد سعيها إلى اتفاق يوقف إطلاق نار، كما كشف توصله إلى اتفاق بين طرفي الأزمة السودانية على الاجتماع خلال 15 يوماً من أجل تهيئة الظروف اللازمة لسلسلة من إجراءات بناء الثقة، وتمهيد الطريق أمام العملية السياسية.
فبعد ساعات من صدور بيان الإيغاد، قالت الخارجية السودانية إن ما صدر من القمة لا يعد وثيقة قانونية وإنه افتقر للتوافق. حديث الخارجية علقت عليه قوى سياسية رافضة ومفندة له ، يقول فيصل محمد صالح وزير الإعلام السوداني السابق: "في مثل هذه الاجتماعات يكون البيان الختامي موضع اهتمام السكرتارية التنفيذية والدولة التي ترأس القمة، لكن من حق كل الدول الأعضاء أن تكلف بعض الدبلوماسيين بالحضور والمتابعة وابداء الرأي، والطبيعي أن تكون الدولة التي لها قضايا نوقشت في الاجتماع هي الأحرص، وإذا سجلت اعتراضات قبل صدور البيان يمكن إبلاغ رئاسة القمة حتى لا تجيز مسودة البيان ".
يعلق القيادي بالحرية والتغيير ونائب رئيس حزب المؤتمر السوداني المهندس خالد عمر، قائلا: إن البيان المنسوب للخارجية أوضح اختطاف الوزارة من قبل عناصر النظام السابق -الإخوان- ليؤكد المؤكد، وهو أن هذا التنظيم هو صاحب المصلحة في استمرار الحرب وإطالة زمنها، وقد اتضح جلياً بأنه كل ما لاحت فرصة للسلام تكالب عليها حزب المؤتمر الوطني الإخواني المحلول بأذرعه المختلفة ليفسدها ويقطع الطريق أمامها.
وجاء في بيان للمكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير : فور صدور البيان الختامي لاجتماع قادة دول الإيغاد أصدرت وزارة الخارجية الموالية للنظام السابق بياناً أكد بشكل دامغ ما ظللنا نؤكده بأن حزب المؤتمر الوطني المحلول هو الطرف الأساسي المشعل والحريص على استمرار هذه الحرب العبثية.
كما نددت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بالبيان الصادر باسم الخارجية السودانية، الذي يؤكد على اختطاف لسان الدولة السودانية بواسطة فلول النظام السابق، ويثبت سعيهم الحثيث للعودة إلى السلطة فوق جثث ودماء الشعب السوداني.
مخرجات الإيغاد
ناقشت قمة جيبوتي تشكيل آلية دولية تستند على رؤية أعلنها الاتحاد الأفريقي في يونيو 2023، وتتبنّى وقف إطلاق النار وتحويل الخرطوم إلى منطقة منزوعة السلاح ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة، ومراعاة الدمج بين رؤية منبر جدة، ومقترحات الإيغاد التي طالبت بإجراءات لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي إلى انتقال السلطة إلى حكومة مدنية.
وكان ورقيني قبيهو سكرتير الإيغاد؛ قال إن القمة التي عقدتها الهيئة في جيبوتي، يوم التاسع من ديسمبر 2023 ، حصلت على التزام من طرفي القتال في السودان - الجيش والدعم السريع - بالاجتماع مع بعضهما فورا من أجل الاتفاق على وقف العدائيات، وإنهاء الحرب المستمرة منذ 8 اشهر.
القمة التي شارك فيها إضافة إلى الدول الأعضاء ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبلدان عربية وغربية؛ أقرت مقترح تشكيل آلية دولية موسعة لمتابعة جهود استعادة مسار التحول المدني بعد إنهاء الحرب. كما أعلنت دعمها للخريطة الأفريقية المكونة من 6 نقاط المقترحة لحل الازمة السودان، تشمل:
• وقف إطلاق النار الدائم وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.
• إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن الخرطوم.
• نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة.
• معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.
• إشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة.
• البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.
تراجع منبر جدة
قبل الإيغاد أصيب السودانيون بخيبة أمل وإحباط كبيرين نتيجة تعثُر الجولة الثانية لمفاوضات منبر جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع ، خاصة مع الرهان على توقيع الطرفين على إجراءات لبناء الثقة وتوصيل المساعدات الانسانية للمتضررين فضلا عن وقف العدائيات، ومن ثم وقف اطلاق النار الشامل وعودة الأمور إلى مجاريها. لكن وضح تماماً أن تعقيدات الأزمة السودانية أكبر التوقعات المتفاءلة.
ففي الثالث من ديسمبر الجاري قررت الوساطة السعودية الأميركية تعليق الجولة الى أجل غير مسمى على أن يغادر الوفدان لإجراء مشاورات مع القيادة بعد اخفاق الأطراف في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وانهاء الوجود العسكري في المدن الرئيسية.
وبحسب مصادر تحدثت لموقع سودان تربيون فإن المفاوضات تعثرت بعد فشل الطرفين في التفاهم على مطلب الجيش الخاص بخروج الدعم السريع من الأعيان المدنية، وانهاء المظاهر العسكرية في الطرقات والمدن الأمر الذي رفضه مفاوضي الدعم السريع وتمسكوا بالإبقاء على الارتكازات ونقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بالعاصمة.
ووفق صحيفة الشرق الأوسط اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بأنه لم يلتزم بتنفيذ إجراءات «بناء الثقة» المتفق عليها في منبر جدة والمتعلقة بالقبض على قادة نظام البشير الهاربين من السجون، وذلك على الرغم من منح مهلة إضافية ثانية مدتها 10 أيام لتنفيذ هذا البند.
لقد أدى فشل جولة منبر جدة إلى تصاعد حدة المواجهات والاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع بصورة غير مسبوقة في العاصمة الخرطوم وولايات (غرب كردفان ، شمال كردفان، النيل الأبيض، جنوب كردفان) ، وراح مئات من المواطنين الأبرياء ضحايا نتيجة قصف الطيران الحربي التابع للجيش على مناطق مأهولة بالسكان جنوبي الخرطوم ، وبسبب وقوع قذائف من مناطق سيطرة الدعم السريع على ضواحي كرري بأمدرمان.
إجراءات أميركية
مع تصاعد الحرب والتعنت الواضح في وقفها ورفض المبادرات السلمية، شرعت واشنطن في إجراءات حثيثة لتدارك عجزها البائن في الملف السوداني وابتدرت ذلك باصدار وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مديري جهاز الأمن والمخابرات السوداني السابقين (صلاح قوش – ومحمد عطا) فضلاً عن طه عثمان مدير مكاتب الرئيس المعزول عمر البشير. كما أطلق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تحذيرات شديدة اللهجة لطرفي الحرب في السودان وصلت حد الإتهام بارتكاب جرائم حرب.
عزا مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) القرارات ضد هؤلاء لدورهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان. وبموجب هذه العقوبات لن يتمكن الرجال الثلاثة من الدخول للولايات المتحدة كما سيتم حظر الأرصدة والحسابات البنكية خاصتهم.
قال المدير التنفيذي لمنظمة (فكرة) للبحوث والدراسات الدكتور أمجد فريد لراديو دبنقا المعني بالشئون السودانية: “يجب أن تمتد هذه العقوبات إلى ما هو أبعد من المعنيين بها لتشمل المتعاونين معهم أيضاً” فيما يرى رئيس تحرير صحيفة إيلاف الدكتور خالد التيجاني أن نظام العقوبات الأمريكي إزاء السودان ودول أخرى أثبت عدم جدواه”، فكثيرة هي العقوبات التي أوقعتها واشنطن على نظام البشير لكنها لم تكن سبباً في إسقاطه.
مع ذلك تحمل هذه العقوبات إشارات بعدم التدخل في الشأن السوداني ، ولعل ما أشار إليه المبعوث الأمريكي لشؤون القرن الأفريقي مايك هافر في إجتماعات جيوبتي بأن تدفق السلاح للسودان يعني استمرار الحرب لمدى طويل ويهدد بتفتيت السودان ويزعزع الأمن الإقليمي ويعجل بعودة الإسلاميين المتشددين إلى الحكم مرة أخرى هو خير دليل على ذلك . ولم يكتف هافر بذلك فحسب بل أوضح للرؤساء الأفارقة أن تقريره الذي سيطلعهم عليه فرداً فرداً مبني على معلومات استخبارية وهذا يعكس مدى جدية الولايات المتحدة في حسم الأزمة السودانية.
خلاصات
في مقال نشرته (إندبندنت عربية) في ديسمبر الجاري يرى الكاتب محمد جميل أحمد، أن أحد إجراءات بناء الثقة عرقل كل الجهود للوصول لاتفاق يوقف العدائيات، فهناك حديث صريح في منبر جدة عن ضرورة القبض على عناصر النظام القديم وقادة "المؤتمر الوطني" الفارين من السجن بعد الحرب، وأن الجيش وافق على بند القبض على هؤلاء الفارين، وطلب أكثر من مهلة لكنه لم يلتزم بما وعد به مما تسبب، ضمن أسباب أخرى، في انهيار مفاوضات جدة مطلع ديسمبر.
وكما عرقل الإخوان الجولة الثانية لإتفاق جدة أيضاً ، هاهم يخربون كل الجهود التي بذلها رئيس المجلس السيادي البرهان على الصعيد الأفريقي ، وهذا يعكس تماماً أن أنصار النظام القديم من الإخوان لن يتركوا الجيش الذي يقاتلون معه التوقيع على أي إتفاق يوقف الحرب ، والمحصلة تصاعد المواجهات العسكرية وموت المئات نتيجة القصف المتبادل بين الطرفين.