الصين وألمانيا .. تعاون اقتصادي وتحذيرات أمريكية من المساس بالجوانب الدفاعية
28-Nov-2022
في الرابع من نوفمبر 2022 زار المستشار الألماني أولاف شولتز جمهورية الصين الشعبية، في أول لقاء للرئيس الصيني شي جين بينغ بمسؤول غربي بعد اختياره لولاية ثالثة. المستشار الألماني قال إن الهدف من الزيارة هو تعزيز العلاقات مع الصين، ونقل مصدر ألماني عن المستشار شولتز "أن من المفيد أن نتبادل وجهات النظر بشأن جميع القضايا بما في ذلك القضايا الخلافية، كما نريد أن نعمل على تطوير التعاون الاقتصادي وقضايا المناخ والأمن الغذائي ومشكلة الدول المثقلة بالديون"، (دويتشه فيلا، 4 نوفمبر 2022).
كانت زيارة المستشار الألماني قد أثارت جدلاً لأنها جاءت في ظل توتر بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، والاتهامات المتكررة للصين بانتهاكات حقوق الإنسان، وانتهاك حقوق أقلية الإيغور المسلمة، كما ظهرت شكوك تشير إلى أن الهدف من الزيارة هو تعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة بعد أن رافقه وفد من رجال الأعمال (يورونيوز، 5 نوفمبر 2022).
المعروف أن ألمانيا قد أصبحت شريكاً استراتيجياً للصين منذ عام 2017، عندما قام رئيس الوزراء الصيني بزيارة إلى برلين بمناسبة مرور 45 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 150 مليار دولار في مجالات عديدة مثل صناعة السيارات وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الفضاء وتدوير البني التحتية.
سبقت الزيارة معلومات أشارت إلى أن بعض رؤساء شركات كبرى في ألمانيا مثل بوش وسيمنس وميرك وكي إيه أس أف قد طالبوا باتباع منهج عملي لتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي مع الصين (وكالة شينخوا، 10 نوفمبر 2022)، على الرغم من عدم ارتياح الولايات المتحدة الأمريكية للسياسة الألمانية تجاه الصين إلا أن برلين واصلت سياسة الانفتاح مع بكين.
تطور العلاقات الصينية الألمانية
بدأت العلاقات التجارية بين الصين وألمانيا عبر سيبيريا، وتحولت إلى الطرق البحرية منذ عام 1861، بعد حرب الأفيون، وقد نجح بسمارك في عام 1885، في تمرير منحة للسفن التي تقوم بخدمة التجارة مع الصين، وتم تأسيس البنك الألماني الآسيوي الذي نقل ألمانيا إلى المرتبة الثانية بعد بريطانيا في التجارة مع الصين في عام 1896، وقبل الحرب العالمية الثانية تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الصين وألمانيا بينها تطوير خطوط السكك الحديدية في الصين.
كان تبادل الاعتراف الدبلوماسي منذ 11 أكتوبر 1972، بداية لتعاون مثمر امتد لحوالي خمسين عاماً، وأصبحت دويسبرغ مركزاً لطريق الحرير الجديد ويصلها أسبوعياً 60 قطار شحن قادماً من الصين ولعب التعاون الألماني الصيني دوراً كبيراً في تنمية وتقدم الصين، وقد أعلن في عام 2013 تحرك قطار شحن في رحلة تستغرق 17 يومياً من مدينة شيانع الصينية متوجهاً إلى مدينة دويسبرغ في ألمانيا بطول 9300 كم، وهي تعادل نصف المدة بالنقل البحري (وكالة الأناضول، 9 أكتوبر 2017).
رغم تطور العلاقات بين الصين وألمانيا إلا أنها لم تخل من التوترات التي تعود في بعض جوانبها إلى مشكلة تايوان، وقمع الحركة الديمقراطية داخل الصين، ومسلك الصين العدواني في بحر الصين الجنوبي، وقد تسبب التوتر بين البلدين في إيقاف صفقات تجارية عندما رفض وزير التجارة روبرت هايبك في مايو الماضي ضمانات قدمتها مجموعة فولكس فاجن للاستثمار في الصين، وطالب بسياسة اقتصادية أكثر صرامة (المنتصف نت، 11 نوفمبر 2022).
مخاوف أوروبية من تمدد الصين
جاءت زيارة المستشار الألماني على خلفية مخاوف أوروبية من توسع التجارة الصينية داخل القارة بعد اتساع نفوذ الصين الاقتصادي والعسكري، وتمت مناقشته العلاقات مع الصين بتاريخ 21 أكتوبر 2021، في بروكسيل خلال اجتماع قمة قادة الدول الــــ27 المنضوية تحت الاتحاد الأوروبي، وقد دافع المستشار الألماني عن حرية التجارة مع الصين على الرغم من الحديث عن التهديدات الصينية من قبل بعض القادة الأوروبيين ومن داخل ألمانيا.
وتشير بعض المصادر إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أضعفت الاقتصاد الألماني وأصبحت تواجه مصاعب اقتصادية بعد نقص الإمداد من المواد الخام التي كانت تصلها من روسيا، وجاءت الزيارة بعد أن كانت أنجيلا ميركل المستشارة السابقة قد توسعت في تعاونها الاقتصادي مع الصين منذ عام 2008، ولكن عندما جاءت حكومة شولتز الائتلافية واجهت هذه السياسة انتقادات في البداية، وظهرت أصوات تطالب بتعزيز العلاقات مع الدول الديمقراطية في اَسيا، والتأكيد على القضايا الجيوسياسية والأمن، وقال مدير الاستخبارات الألماني توماس هالدنونج "إن كانت روسيا عاصفة، فإن الصين تعتبر تغيراً مناخياً" ( الغارديان، 3 نوفمبر2022)، وهناك من يعتقدون أن التعاون مع الصين قد يكون مغامرة غير محسوبة في ظل التوتر القائم بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، في مقارنة مع السياسة التي اتبعتها ميركل بالتوسع في التعاون الاقتصادي مع روسيا، والتي كانت من نتائج الاعتماد عليها وتسببت في الخسائر والأضرار التي أصابت الاقتصاد الألماني بعد الحرب الأوكرانية الروسية، (واشنطن بوست، 3 نوفمبر 2022).
مناقشة وتحليل
يعتبر شولتز أول رئيس من مجموعة الدول السبعة الصناعية يزور الصين بعد جائحة كورونا وسط شكوك حول قدرته على نقل موقف واضح للصين حول القضايا الخلافية مثل قضية حقوق الإنسان والموقف من تايوان، وعلى الرغم من أن شولتز ذكر في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الصيني أنه حث الصين على دعوة روسيا لوقف الحرب على أوكرانيا إلا أن الدول الغربية لم تأخذ تصريحات شولتز على محمل الجد بالنظر إلى الوفد الاقتصادي الكبير من رجال الأعمال الذي رافقه، كما أن أوروبا كانت تعيد مراجعة سياستها تجاه الصين بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وموقف الصين منها، وتنظر أوروبا والولايات المتحدة إلى الرئيس الصيني باعتباره أقوى زعيم صيني بعد ماوتسي تونج، ويمكن أن يكون له تأثير كبير على مجريات السياسة الدولية.
من الواضح أن المستشار الألماني لا ينوي التراجع عن سياسته تجاه الصين وهو يتحدث عن تقليل الأخطار في العلاقة مع الصين، وأكد أنه لن يتجاهل قضايا حقوق الإنسان والتهديدات الصينية تجاه تايوان، وتعتقد جانكا اورتل مديرة البرنامج الآسيوي في مجلس العلاقات الخارجية أن ألمانيا تعي تماماً الدروس المستفادة من الحرب الأوكرانية وقالت إن كل المشكلات واضحة ومعروفة ولكن السؤال هو كيف نتعامل معها.
لقد ظلت ألمانيا تحت مظلة الحماية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي لا تستطيع الاستغناء عن تلك الحماية، خاصة بعد تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطموحاته التوسعية في أوروبا، وربما تغض واشنطن الطرف عن تعزيز وزيادة التعاون التجاري بين برلين وبكين، طالما أن هذا التعاون لا يطال الجوانب الاستراتيجية والأمنية أو المجالات ذات الطابع الدفاعي.