
شهدت تشاد مؤخرا أحداث عنف تسببت في مقتل حوالي 50 شخصاً وجرح المئات بينهم نظاميين وفقاً لرئيس الوزراء صالح كيزابو الذي تم تعينه في بداية أكتوبر 2022، بعد اختتام جلسات الحوار الوطني الشامل.
ويعود انتشار المظاهرات وأحداث العنف إلى تراجع الحكومة عن الوعد الذي سبق أن أعلن بأن لا تزيد الفترة الانتقالية عن أكثر من 18 شهراً بعد أن تم تمديدها إلى عامين. كيزابو قام بتجميد نشاط سبعة أحزاب، وأعلن حالة الطوارئ وحظر التجوال، (نيويورك تايمز، 21 أكتوبر 2022).
ظلت تشاد تمر بفترة من عدم الاستقرار منذ مقتل الرئيس ادريس دبي في أبريل 2021، وجرت منذ ذلك الوقت العديد من المحاولات لعقد مؤتمر وطني شامل تم عقده بعد أكثر من عام ونصف من حكم تشاد عن طريق مجلس عسكري انتقالي ترأسه محمد ديبي، وقد تسلم الجنرال محمد إدريس ديبي الحكم في تشاد بطريقة توافقية بعد اختتام جلسات الحوار الوطني الشامل لفترة انتقالية مدتها 24 شهراً تعقبها انتخابات حرة. (فرانس برس، 8 أكتوبر 2022).
مساندة وتحفظات إقليمية ودولية على ديبي قبل بدء الحوار
تسبب مقتل الرئيس إدريس ديبي على أيدي المتمردين الذين تسللوا عبر الجوار الليبي وأوشكوا أن يحتلوا العاصمة في مخاوف وقلق الدول الأوروبية الداعمة لتشاد خاصة فرنسا التي تقوم بدور كبير في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، وعلى الرغم من تحفظاتها الأولية على استيلاء المجلس العسكري على السلطة بقيادة محمد ديبي، إلا أنها عادت وتراجعت بعد تمكن الحكام العسكريين من دحر التمرد في مايو 2021، وصده نحو الحدود الليبية، وقد تماهت واشنطن مع الموقف الفرنسي تجاه ديبي في ذلك الوقت على الرغم من مخاوف حول اتجاه لإضفاء شرعية عن طريق التوريث. (الحوار الوطني في تشاد: بناء الدولة أم شرعنه التوريث، حفريات، 11 يناير 2022)، كما أن الاتحاد الإفريقي تجاهل مبدأ تجميد عضوية تشاد كما فعل مع مالي بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في أغسطس 2020، بل قام بدعم المجلس العسكري الانتقالي التشادي بعد أن اشترط على العسكريين تنظيم انتخابات خلال ثمانية عشر شهراً وحرمان العسكريين من الترشيح في الانتخابات، وقد وعد ديبي بالالتزام بهذه الشروط، وأسهمت الضغوط الغربية في حث العسكريين على تشكيل حكومة مدنية وفتح الأبواب أمام المعارضة، وسمح للمعارضين بممارسة العمل السياسي، كما صدر عفو عن المعارضين في المنفى وفي السجون، وخلال زيارته إلى باريس في يوليو 2021، حصل ديبي على تأييد فرنسا ودعمها له، غير أن المجلس العسكري واجه معارضة سياسية في الداخل ومعارضين في الخارج ومخاوف من استمرار المجلس في الحكم، خاصة بعد الموقف الضعيف الذي اتخذه الاتحاد الإفريقي تجاه المجلس العسكري الانتقالي.
الحوار الوطني الشامل
في أغسطس 2021، تم الإعلان عن تكوين لجنة للحوار الوطني الشامل، وتكليف الرئيس الأسبق جوكوني عويدي بمهمة التشاور مع المعارضين في الخارج ومع مرور الوقت ظهرت مخاوف من ضياع الزمن بسبب تحفظات بعض المعارضين عن المشاركة خاصة وأن المؤتمر من المفروض أن يعد لإصلاحات دستورية ويمهد الطريق إلى الانتخابات. (تأخير الحوار يتسبب في قلق التشاديين، مجلس السلام الأمريكي، 13 يوليو 2022).
تأخر الحوار بسبب رفض الأحزاب السياسية الانقلاب العسكري من قبل حركة الجبهة الوطنية من أجل الوفاق والتغيير المعروفة باسم (فاكت) (FACT)، ويقودها محمد مهدي التي انشقت في عام 2016 من القوى الموحدة للديمقراطية والتنمية، وكذلك مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية، واتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية الذي كان يتحرك من السودان وتم طرده وبعدها توجه إلى ليبيا، وهناك القوات التي يقودها تيمان أرديمي الذي سبق اعتقاله، وهو ابن عم محمد إدريس ديبي، ومع معارضة حركات المعارضة الأخرى والانقسامات داخل الجيش التشادي ظهرت الكثير من المخاوف حول مستقبل الحوار، ولتبديد تلك المخاوف أعلن المجلس العسكري الانتقالي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، غير أن الدعوة في البداية ركزت أكثر على الحركات المسلحة، وظلت بعض الحركات تشكك في شرعية المجلس العسكري. (المجلس الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 3 يناير 2022).
وقع على حضور الحوار ممثلو 42 جماعة معارضة من التنظيمات العسكرية والسياسية ومنهم حركة اتحاد قوى المعارضة التي يرأسها تيمان أرديمي، واتحاد قوى الجمهورية، والحركة التشادية للتغيير، والجبهة الشعبية لتحرير جنوب تشاد، والمجلس العسكري لإنقاذ تشاد، وغابت بعض التنظيمات وعددها 18 مثل جبهة الوفاق من أجل التغيير المسؤولة عن مقتل إدريس ديبي بجانب بعض المجموعات الرئيسة في المعارضة مثل (واكيت تاما) وجبهة التناوب والتوافق. (فرانس 24، 3 سبتمبر 2022).
توصل الحوار إلى العديد من النتائج التي تم التوافق عليها على الرغم من وجود تحفظات على بعض أعضاء اللجنة المنظمة لجلسات الحوار، وتوجيه انتقادات لبعض لأعضائها باعتبار أنهم مقربون من المجلس العسكري وحزب الرئيس إدريس ديبي. (مستجدات ومعلومات سويسرية، 18 أغسطس 2022).
كان من أبرز مخرجات الحوار تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين، كما منح الحوار الوطني الشامل ديبي وأعضاء المجلس العسكري حق الترشيح في الانتخابات القادمة. (أخبار إفريقيا، 29 سبتمبر 2022)، واشتملت المخرجات على وقف إطلاق النار الشامل والتصعيد المسلح، والعفو العام وإرجاع الحقوق، وقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية نيد برايس عن قلقها من الفقرة التي جاءت في مقترحات لجنة الحوار برئاسة غالي نغوتي غاتا، والتي سمحت لأعضاء المجلس العسكري بالترشح للانتخابات بعد نهاية الفترة الانتقالية، وأعلنت مساندتها للاتحاد الإفريقي في هذا الأمر. (نيد برايس، وزارة الخارجية الأمريكية، أول أكتوبر 2022).
محمد ديبي واَفاق المستقبل
تواجه الحكومة الانتقالية التي يرأسها محمد ديبي بعد مؤتمر الحوار الوطني الشامل مجموعة من التحديات بسبب حالة عدم الاستقرار والمهددات من الدول المجاورة لتشاد خاصة من جانب دول الساحل التي تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم (داعش)، وعدوى حدوث الانقلابات التي تنتشر في المنطقة واَخرها انقلاب بوركينا فاسو الذي حدث في 30 سبتمبر 2022، بجانب تمدد شركة (فاغنر) الذراع الروسي داخل دول المنطقة، والتي تعمل على إضعاف الوجود الغربي في دول الساحل مؤخراً، ومعروف أنه كان لفرنسا دور كبير في تولي محمد ديبي السلطة بموافقة فاعلين دوليين وإقليميين حفاظاً على استقرار تشاد، غير أن تشاد في الغالب سوف تستمر محمية عسكرية فرنسية بسبب أهميتها لفرنسا، كما أن الحملات العسكرية التي قامت بها فرنسا في السنوات الأخيرة من خلال عملية (برخان) كان لها أثر في تحجيم خطر المجموعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم (القاعدة) على المنطقة، وظلت تشاد بفضل الحماية الفرنسية بعيدة نوعاً ما عن تأثير تنظيم (القاعدة)، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واضحاً في دعم المرحلة الانتقالية في تشاد عندما قال إن فرنسا لن تسمح بما يمكن أن يهدد وحدة واستقرار تشاد. (وكالة الأناضول، 2021).
ومن التحديات التي تواجه ديبي:
- بناء الدولة وتركيبتها المؤسسية.
- دمج الجيوش.
- توزيع السلطة بين الأقاليم.
- مدى الجدية في خروج المؤسسة العسكرية من السلطة.
- صعوبة توقف العمل المسلح في الخارج.
- التدخلات الدولية والإقليمية.
- إمكانية فشل الحوار.
- إمكانية استمرار الأزمة وتأجيل الانتخابات.
مناقشة وتحليل
كان من المؤمل من الحوار الشامل أن يحقق درجة متقدمة من النجاح فقد شاركت فيه مجموعة كبيرة من حركات المعارضة بشقيها المسلح والمدني، على الرغم من غياب بعض المجموعات المؤثرة في المعارضة بسبب ما رشح عن منح أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الفرصة للترشيح في الانتخابات المرتقبة، وهو أمر يتطلب مواصلة الحوار مع المجموعات التي لم تشارك وإقناعها بالمشاركة في العملية السياسية السلمية، ويتطلب ذلك تنازلات من الطرفين.
من المؤكد أن فرنسا تفضل أن يكون لمحمد ديبي دور في مستقبل تشاد بعد الانتخابات، وهو دور لا تتحمس له الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن تمارس ضغوطاً على مفوضية الاتحاد الإفريقي لإقناع العسكريين بالتخلي عن فكرة الترشيح للانتخابات في المستقبل، وقد يشجع ذلك بقية الذين تغيبوا عن الحوار على الانضمام للعملية السلمية، والتخلي عن العمل المسلح.
من الصعب التنبؤ بما يحدث في مستقبل الفترة الانتقالية، فما زالت الشكوك تحيط بنيات العسكريين ومدى مصداقيتهم لتقديم التنازلات، كما أن بعض الحركات المسلحة ما زالت نشطة عبر الحدود الليبية، بجانب الأوضاع القبلية المعقدة التي يستغلها السياسيون للتحشيد ضد معارضيهم، ولكن في ظل المساندة القوية لفرنسا لمحمد ديبي، ومع احتفاظ باريس بأكبر قاعدة عسكرية لها في إفريقيا قرب العاصمة التشادية يظل مستقبل ديبي الابن مؤمناً في حالة فشل الترتيبات الانتقالية التي خرج بها الحوار.