
تشير التطورات الميدانية بين إسرائيل والفلسطينيين، التي أتت في أعقاب الهجومين الذين نفذهما فلسطينيان، وأسفرا عن مقتل إسرائيليين قرب كنيس النبي يعقوب يوم 27 يناير، إلى أن الباب بات مفتوحاً، وبشكل واسع، أمام ازدياد الاحتمالات بتوتر متسارع ومتفاقم للأحداث، الأمر الذي قد يضع كل من الجانبين على حافة "دوامة جديدة" من إراقة الدماء، ويرفع سقف التوقعات بوقوع هجمات دامية وأخرى مضادة على كلا الجانبين.
فمن جهة أولى عُدًّ الهجومين الفلسطينيين من بين أكثر الاعتداءات دموية ضد الإسرائيليين منذ سنوات، ومن جهة أخرى كان الرد الإسرائيلي الأولي الذي جاء من خلال مداهمات دامية للجيش الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة وعملية عسكرية في جنين رداً على الهجومين، هو الأعنف أيضاً منذ نحو عشرين عاماً. بالإضافة إلى ما أعقب ذلك من تصعيد المواجهات بينهما بعد إطلاق فصائل فلسطينية صواريخ من قطاع غزة، ردّت عليها إسرائيل بشن غارات عليه.
إن ما يعزز هذه الاحتمالات، التوعد الذي أطلقته الحكومة الإسرائيلية بردود قاسية على الهجومين، وما قابلها من تهديد فصائل فلسطينية، أبرزها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بالرد على التصعيد الإسرائيلي، إضافةً إلى إعلان السلطة الفلسطينية إيقاف التنسيق الأمني مع إسرائيل (شينخوا، 30 يناير، 2023).
كل هذه المؤشرات باتت تُشكل محددات بارزة تشير إلى مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يأتي في ظروف غاية في الصعوبة، خاصةً بعد الاشتباكات المستمرة منذ شهور في الضفة الغربية، الأمر الذي يجعل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أبعد من أي وقت مضى (صحيفة الأوبزرفر البريطانية، 29 يناير، 2023).
الأبعاد السياسية للمواجهات
تأتي هذه المواجهات الجديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل ظروف سياسية بالغة الخطورة على الجانبين ستفرض وقعها عليها، ما يزيد من تعقيداتها واحتمالات تطوراتها باتجاه المزيد من التصعيد. فمن جهة أولى تشهد إسرائيل صعود أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخها إلى السلطة، وسط ميل واضح لرئيسها نحو ضفة الأعضاء الأكثر تطرفاً فيها (الذين يُعدُّون أقوى شركائه وداعميه)، الأمر الذي سيسمح لبنيامين نتنياهو، وفقاً لهذا الوضع الجديد، أن يذهب بالحكومة الجديدة نحو مزيد من "التطرف" لضمان بقائها لأطول فترة ممكنة.
لذلك سيواصل المزيد من التصعيد، ما ينذر باحتمال عودة قوية للعمليات القتالية الإسرائيلية، وشن المزيد من العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين. في المقابل سيكون هناك رد فعل فلسطيني. إن ما يؤكد هذا المؤشر تصاعد الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية الجديدة يومياً عبر التوسع في عمليات الاعتقال، التوسع الاستيطاني، الاستيلاء على الأراضي، بالإضافة إلى اقتحامات المسجد الأقصى، وفرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية وغيرها.
أما من الجهة الثانية، فيبدو أن السلطة الفلسطينية تشهد بدورها أوضاعاً داخلية متأزمة، لاسيما أمام التراجع الكبير في شعبيتها في الشارع الفلسطيني الذي بات يشكك في "شرعيتها"، وينظر إلى قادتها على أنهم مجرد متعاقدين أمنياً مع إسرائيل، في مقابل ازدياد شعبية جيل جديد من المليشيات المسلحة المرتبطة مع كل من حركة فتح، وحركة حماس التي باتت تحظى بتأييد ودعم إقليمي إيراني كبير، وتشكل بوابة طهران وعرابتها لتطوير علاقاتها مع بقية الفصائل الفلسطينية، والإخوانية في المنطقة. الأمر الذي تدرك تل أبيب جيداً خطورته، فهي تعلم أبعاد هذا الدعم الإيراني لحماس، وغيرها من الفصائل الفلسطينية، وكيفية تمظهره وبروزه المتوقع في أي عمليات عسكرية يمكن أن تقع في حال تجدد الاشتباكات مجدداً مع حماس في قطاع غزة، خاصةً مع التمدد الأخير لطهران في لبنان، والذي لم يعد مقتصراً على "حزب الله" وبعض الفصائل الفلسطينية الموجودة هناك، بل بات يشمل كذلك تنظيم الإخوان المسلمين اللبناني الذي أعلن أمينه العام الجديد المحسوب على طهران أن دعم الفصائل الفلسطينية وقتال إسرائيل هي في مقدمة أولويات التنظيم (المدن اللبنانية، 11 تموز، 2022).
هذا يعني امتلاك طهران لورقة الفصائل الفلسطينية، لاسيما الإخوانية في داخل فلسطين وفي دول الجوار لها، والتي لن تتواني طهران عن استخدامها وإزعاج تل ابيب به (من الداخل والخارج) في حال قيامها بأي تصعيد إسرائيلي محتمل ضدها. فالأمر لن يتطلب أكثر من إشعال فتيل داخل إسرائيل حتى تتدحرج الأمور إلى تصعيد عسكري متبادل بين تل أبيب والفلسطينيين كلما شعرت طهران أن هناك خطراً إسرائيلياً عليها.
تأتي هذه المتغيرات السياسية بالغة التعقيد بالتزامن أيضاً مع تفاقم الأزمات والصراعات على الصعيد العالمي الذي يشهد استقطاباً دولياً بالغ التعقيد والتوتر على خلفية الأزمة الأوكرانية وسط ارتفاع مؤشرات التصعيد بين كل من واشنطن وموسكو، الأمر الذي يربط بين هذه الصراعات جميعها بوحدة حال. فكل تصعيد في أي جبهة سيرخي بظلاله على الجبهات الأخرى وسط معادلة توظيف كافة الأطراف لأي تطور لممارسة المزيد من الضغوط على الأطراف الأخرى.
هذه الأبعاد السياسية تضفي على الأحداث الجارية بين إسرائيل والفلسطينيين مؤشرات عالية من الخطورة نحو المزيد من توسع دائرة العمليات العسكرية المتبادلة، فيبدو أن الأمر يحتاج فقط إلى إشعال فتيل حتى تذهب الأوضاع نحو التدهور السريع. الأمر الذي دفع قوى إقليمية ودولية إلى الإسراع بالتدخل في محاولة منها لوقف هذا التدهور، والعمل على التهدئة.
هذا الأمر يفسر قيام عدد من كبار المسؤولين الأميركيين بزيارة المنطقة ولقاء مسؤولين من الجانبين، بينهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، إضافة إلى وفد أمني رفيع. حيث دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن (الذي بدأ بجولة شرق أوسطية من القاهرة إلى إسرائيل) كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى التهدئة (فرانس 24، 30 يناير، 2023).
هذه المساعي يبدو أنها لن تؤدي إلى أي نتائج حقيقية، خاصةً وأن دعوات بلينكن قد ترافقت خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالتأكيد على حرص واشنطن وتعهدها بأمن إسرائيل (فرانس24، 30 يناير، 2023)، ما يعني أن الضغوط الامريكية لتهدئة الأوضاع ستكون أكثر على السلطة الفلسطينية ولن تساهم في خفض التصعيد بين الفلسطينيين وإسرائيل، خاصة وأن واشنطن تركز في سياستها تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني (والذي شهد مؤخراً الكثير من تراجع في دائرة الاهتمام الأمريكي) على الحفاظ على الوضع القائم، ومنع حدوث تدهور أو انفجار أمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين بانتظار تغير الأوضاع السياسية، وتوفر بيئة مناسبة لإعادة إطلاق العملية السياسية.
هذه الجهود الأمريكية بصيغة محدداتها المطروحة تواجه صعوبات عدة، منها تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ووجود تطلعات لعدد من أركانها تتعارض مع أسس العملية السلمية، خاصة ما يتعلق بالتوسع الاستيطاني والضم. كذلك فإن الأمر الذي قد يؤدي إلى تأجيج الرد الفلسطيني الذي سينظر إلى الموقف الأمريكي على أنه ينحاز أكثر باتجاه تل أبيب. ما يعني أن الأوضاع الميدانية "ذاهبة إلى مزيد من التدهور والتصعيد" بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، خاصة وأن سياسة الحكومة الإسرائيلية في ردودها المحتملة تقوم على اعتبارات داخلية وليس على السياسة الخارجية.
هذا الوضع قد يدفع واشنطن باتجاه المزيد من الاعتماد على قوى إقليمية فاعلة ومؤثرة على الفلسطينيين، تبرز مصر في مقدمتها، حيث يمكن لها أن تلعب دور الوسيط بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل التهدئة بحكم علاقاتها الجيدة مع تل أبيب من جهة، ومع الفصائل الفلسطينية من جهة ثانية، خاصةً وأنها لطالما قامت بهذا الدور في أحداث مشابهة تاريخياً.
لذلك سارعت القاهرة إلى دعوة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى التهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ووقف الاعتداءات والإجراءات الاستفزازية لتجنب الانزلاق إلى حلقة مفرغة من العنف (فرانس24، 28 يناير، 2023). كذلك فإن ارتفاع احتمالات التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين، سيدفع بتوسع دائرة الجهود الإقليمية والدولية في محاولة احتواء التطورات حتى لا تنزلق إلى نزاع جديد دام، حيث يمكن أن تقوم الأمم المتحدة بدور وساطة بين الجانبين، بالإضافة إلى روسيا، ودول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة أو الأردن من أجل إجراء مباحثات ووساطات مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية لنزع فتيل التصعيد (رويترز، 30 يناير، 2023).
احتمالات تطورات الأوضاع
إن طبيعة تطورات الأوضاع الميدانية المتبادلة بن إسرائيل والفلسطينيين، وتسارعها الكبير، لاسيما بعد العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة جنين يوم 26 يناير، تشير إلى أن مساحة جديدة من المواجهات بين الجانبين قد فتحت على مصراعيها، وسط صعوبات بإمكانية تحديد المقدار الذي يمكن أن تصل إليه في حدودها أو أبعادها. الأمر الذي دفع الكثير من القوى الإقليمية والدولية إلى دعوة الجانبين إلى ضبط النفس في محاولة استباقية تعكس حجم المخاوف من الانزلاق إلى دوامة جديدة من العنف المتبادل. فقد دعا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إسرائيل إلى عدم اللجوء إلى استخدام القوة المميتة إلّا "كملاذ أخير، عندما يكون لا مفر منها لحماية الأرواح (فرانس 24، 28 يناير، 2023)، بينما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "تجنب دوامة العنف"، فيما حضّت روسيا أيضا على "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" (رويترز، 30 يناير، 2023).
هذا الوضع يضع الحكومة الإسرائيلية في وضع متأرجح بين دعوات اليمين المتطرف فيها للرد على العمليات الفلسطينية من جهة، وبين الضغوط الإقليمية والدولية للتهدئة. فالجميع على ما يبدو يدرك أن أي مزيد من التصعيد العسكري الإسرائيلي سيقابله تصعيد من الفصائل الفلسطينية، قد لا يتوقف عند حدود تبادل العمليات العسكرية، بل وقد يفضي إلى شبح انتفاضة ثالثة باتت تلوح في الأفق. فقد حذّر النائب المعارض الإسرائيلي ميكي ليفي من حزب "يش عتيد" الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق يائير لبيد من أن ارتفاع منسوب العنف يعيد إلى الأذهان الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي وقعت بين عامي 2000-2005 (الحرة، 30 يناير، 2023).
هذا الأمر الذي يعني الدخول في حرب جديدة لن تقتصر مساحتها على إسرائيل والمناطق الفلسطينية، بل قد تمتد وتتسع لتشمل قوى مجاورة، ودولاً إقليمية تنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر حتى تصفي حساباتها السياسية وتقلب المشهد في المنطقة. هذا الأمر يعكسه بشكل واضح تصريحات "حزب الله اللبناني" الذي أشاد بالعملية التي قام فجرت الأوضاع، ووصفها بـ "البطولية"، التي كشفت هشاشة أمن إسرائيل، واعتبرها "ردّ فعل سريع وحاسم وجريء على العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين"، و"أنه معها بالمُطلق" (القدس العربي، 28 يناير، 2023).
لذلك، تزداد التوقعات بتصاعد حدة المواجهات الإسرائيلية الفلسطينية، لاسيما مع تصاعد إجراءات الحكومة الإسرائيلية إزاء التطورات الأخيرة، والتي أعلنت أقصى درجات التأهب في الشرطة والجيش الإسرائيلي، ونشر المزيد من الوحدات العسكرية الإضافية في القدس والضفة الغربية. بالإضافة إلى تأثير إجراءاتها السابقة التي تمثلت باقتحامات المسجد الأقصى، وتوسيع المستوطنات القائمة، وبناء أخرى جديدة (فرانس 24، 28 يناير، 2023). في مقابل بروز تيار في الشارع الفلسطيني أغلبه من الشباب الذي بات ينهض لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية بعد تزايد القناعة لديه بأن مشروع العملية السياسية انتهى إلى غير عودة.
يبدو أن الحكومة الإسرائيلية في مواجهة كل ذلك ستكون أمام خيار المزيد من التصعيد، واتخاذ إجراءات "قوية" وسريعة من أجل إظهار أن الإسرائيليين "هنا ليبقوا"، وتحسين السلامة الشخصية لهم، وتقديم المزيد من الدعم لقوات الشرطة والجيش، وتنفيذ اعتقالات واسعة النطاق، وحملات لجمع الأسلحة غير القانونية، و"تعزيز" المستوطنات، الذي يعتبر بالفعل شرطًا لشركاء نتنياهو السياسيين اليمينيين المتشددين. (بي بي سي، 29 يناير، 2023).
هذا الأمر قد يدفعها إلى الرد بقوة على أي عملية عسكرية قد تقوم بها الفصائل الفلسطينية، حتى وإن أدت إلى جولة حرب جديدة مفتوحة بينهما. كذلك ستعمل على إرسال قوات إضافية إلى الضفة الغربية للحيلولة دون اندلاع أي انتفاضة فلسطينية جديدة باتت ملامحها تلوح في الأفق. هذا الأمر سيؤجج في المقابل المعارضة الإسرائيلية القوية ضد نتنياهو وسياسات ائتلافاته، إلا أن الأخير، بحسب المحلل السياسي الإسرائيلي رؤوفين حزان، "غير مهتم بتهدئة الأمور" (سي ان ان، 30 يناير، 2023).
السلطة الفلسطينية ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل
يبدو أن السلطة الفلسطينية لجأت إلى هذا القرار في خطوة استباقية تساوم بها من جهة إسرائيل بعد تزايد قناعاتها بأن فرص العودة إلى مسار الحل السياسي مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة باتت "مسدودة" أمامها. ما يعني أن استمرار التنسيق والتعاون الأمني من دون عملية سياسية، سيظهر ها بأنها تعمل كوكيل عند إسرائيل، وهذا أمر يعزز فقدانها للشرعية أمام الرأي العام الفلسطيني.
من جهة أخرى يعكس القرار محاولة السلطة الفلسطينية التغطية على فقدان سيطرتها على الشارع الفلسطيني من جهة أخرى (سي ان ان 30 يناير 2023). ففي حال اندلاع انتفاضة فلسطينية فهي لن تكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق أوسلو الموقَّع عام 1993.
في المقابل، يبدو أن قرار السلطة الفلسطينية لن يكون ذا تأثير كبير على الحكومة الإسرائيلية وأمنها، والتي لم تعد تعتمد على التنسيق الأمني مع السلطة، وترى أن هناك فجوة بين ما يقوله محمود عباس وما يحدث فعلاً على الأرض. كذلك فإن الإجراءات الإسرائيلية الأمنية الأخيرة (السيطرة على مناطق الإدارة الفلسطينية، عمليات الدهم شبه يومية في تلك المناطق، عمليات الاعتقال وهدم البيوت) تجري دون أي تنسيق مع السلطة"، حيث تعتمد أجهزة الأمن الإسرائيلية على جهودها في مكافحة ما تصفه بـ"العنف الفلسطيني".
ورغم التشكيك في جدوى قرار السلطة الفلسطينية، إلا أنه في المقابل سيمكن الحكومة الإسرائيلية من اتخاذ إجراءات ضدها بذريعته، سيكون في مقدمة المتوقع منها حصار محمود عباس، وتحديد حركته وحركة الحكومة الفلسطينية، ويسمح بالتنقل لهم كمواطنين دون مرافقين، وسيفتح الباب واسعاً أمام مزيد من الاقتحامات الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية، ومنع ظهور أي سلاح فلسطيني رسمي. أي سيمنح إسرائيل الحجة للمزيد من التصعيد سيقابله بالضرورة ردود فعل عنيفة من الفصائل الفلسطينية. الأمر الذي دفع مسؤولين أمريكيين إلى اعتبار قرار السلطة الفلسطينية أنه ليس الخطوة الصحيحة التي يجب اتّخاذها في هذه اللحظة، كما صرحت كبيرة الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون الشرق الأوسط، ودعت إلى تعزيز التنسيق الأمني بين الجانبين (دويتشه فيليه 30 يناير). كذلك إعلان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس عن أسفه لهذا القرار، ودعوته إلى ضرورة "تعزيز التنسيق الأمني بين" الجانبين (فرانس 24، 30 يناير، 2023).
في الخلاصة: يبدو أن التطورات الميدانية العسكرية الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين في طريقها نحو الاتساع في حال فشل الجهود الإقليمية والدولية للاحتواء بشروط ترضي الطرفين. فإي ضغوط ستمارس على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، دون أن تقدم في المقابل مكتسبات كبيرة لها على حساب الفلسطينيين، ستواجه بالرفض من الحكومة اليمنية الجديدة التي بدأت مرحلة عملها بإجراءات استفزازية كبيرة، كان أبرزها اقتحامات المسجد الأقصى.
في المقابل لن تقبل الفصائل الفلسطينية أية ضغوط تمارس عليها وحدها فقط لوقف تصعيدها، لاسيما في ظل التغيرات الأخيرة في ميزان تلك الفصائل التي بات بعضها يتصدر المشهد في المنطقة بدعم من إيران، لاسيما حماس. بالتالي لن تقبل أن ينتهي المشهد التصعيدي الحالي بدون مكتسبات مهمة تضيف إلى رصيدها شعبية أكبر في الشارع الفلسطيني والعربي.
كلا الشرطين غير ممكنين في ظل التطورات الأخيرة والتهديدات المتبادلة من الجانبين بمزيد من الرد والرد المقابل. ما يعني أن خيارات التصعيد باتت هي الأكثر احتمالاً، خاصةً مع إعلان السلطة الفلسطينية وقف تنسيقها الأمني الأمر الذي سيطلق العنان للفلسطينيين والفصائل الفلسطينية بتصعيد العمليات العسكرية والانتحارية والهجومات المتعددة من جهة، وسيطلق العنان لإسرائيل للمزيد من العمليات العسكرية المقابلة. يبدو أن طبول الحرب قد تقرع من جديد، ويبدو أن خيار الانتفاضة الفلسطينية بات يلوح في الأفق أكثر.
هذا الأمر سيترك تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة، في ظل إمكانية توسع نطاق الدعم المحتمل لكلا الطرفين، لاسيما للفلسطينيين الذي ستجد إيران الفرصة سانحة لتوجيه ضربات موجعة لإسرائيل من الداخل، عبر دعمها للفصائل الفلسطينية من الداخل والخارج.