تتسابق جهود التهدئة للوضع في لبنان مع
مؤشرات الاتجاه إلى مرحلة أكثر حدة من التصعيد، بعد أن كثفت إسرائيل من وتيرة
غارتها على عدة مناطق لبنانية، وسط تلويح إسرائيلي بعملية برية إسرائيلية لكن في
المقابل تتسارع الجهود الإقليمية والدولية بهدف إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار.
قال الجيش الإسرائيلي ، إنه بعد تقييم الوضع، قرر
تفعيل لواءين احتياطيين لعمليات على الجبهة الشمالية، وجاء الإعلان العسكري بعد
وقت قصير من تصريح قائد المنطقة الشمالية العسكرية الإسرائيلية، اللواء أوري
جوردين، بأن القوات بحاجة إلى الاستعداد لهجوم بري ضد حزب الله في لبنان، وقال جوردين
في كلمة ألقاها أمام لواء 7 خلال مناورة تحاكي عملية برية: "لقد دخلنا مرحلة
أخرى من الحملة... بدأت العملية بضربة بالغة الأهمية لقدرات حزب الله، مع التركيز
على القدرات الصاروخية، وضربة بالغة الأهمية لقادة وأعضاء المنظمة". وأضاف:
"نحن بحاجة إلى تغيير الوضع الأمني. نحن بحاجة إلى الاستعداد بقوة لدخول
لبنان] في مناورة برية" (المونيتور – 25 سبتمبر).
مؤشرات على مزيد من التصعيد
أجواء الحرب والقصف المكثف يمكن أن يتم فهمها على أنها
تمهيد لحرب موسعة وعملية برية تتحضر إسرائيل لشنها ضد "حزب الله"
وبالإضافة إلى ذلك فإن ما زاد من أهمية ذلك هي التصريحات الإسرائيلية التي تحمل
تهديدات لحزب الله ،وقال الفريق أول هيرتسي هاليفي رئيس هيئة الأركان العامة
الإسرائيلية بتاريخ 25 سبتمبر: "اليوم سنواصل، ولن نتوقف؛ سنواصل ضربهم في كل
مكان. والهدف واضح للغاية ـ إعادة سكان الشمال بسلام. ولتحقيق هذه الغاية، نستعد
لعملية مناورة، وهذا يعني أن أحذيتكم العسكرية، أحذيتكم المناورة، ستدخل أراضي
العدو، وتدخل القرى التي أعدها حزب الله كمواقع عسكرية كبيرة، مع البنية التحتية
تحت الأرض ونقاط التجمع ومنصات الإطلاق إلى أراضينا، وستنفذ هجمات على المدنيين
الإسرائيليين".
هذه الأجواء سبقها عملية أمنية واستخباراتية إسرائيلية
كبيرة تمثلت بوقوف إسرائيل وراء انفجار المئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية
(البيجر) وهذا ما اعتبره الكثير من المراقبين بأنه تمهيد لعمليات عسكرية أوسع
وأكثر حدة حيث تبدو الضربات وكأنها تهدف إلى تدمير البنية التحتية لحزب الله قبل
أي توغل محتمل من قبل القوات الإسرائيلية.
الضرورات الإسرائيلية لأي توغل بري متوقع
على الرغم من الخسائر التي مني بها حزب الله نتيجة
الضربات الجوية التي تستهدف قادة ونقاط الحزب بشكل دقيق ومؤثر، إلا أن طبيعة هذا
الحزب وتحضيراته الأمنية والعسكرية وانتشاره وسط المدن المأهولة بالسكان، بالإضافة
إلى انتشار حزب الله خارج لبنان، وخاصة في سورية لا يجعل تأثير هذه الضربات حاسماً
باتجاه تقليص قوة الحزب بشكل تام.
كما أن إسرائيل وضعت عدة أهداف وشروط لحملتها العسكرية
في لبنان لوقف هذه الحملة، ولا يمكن تنفيذ هذه الشروط إما بعملية توغل بري تزيح
حزب الله عن بعض المناطق، أو أن يوافق حزب الله تحت الضغط بالانسحاب وهذا ما كان
شبه مستحيلاً.
تقول إسرائيل إن حملتها ضد حزب الله ضرورية حتى يتمكن
60 ألف شخص تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية من العودة إلى ديارهم. وحتى الآن
اقتصرت الحملة على الهجمات الجوية، ولكن الجيش الإسرائيلي استدعى لواءين احتياطيين
للعمليات في الشمال وأشار إلى أن القوات ستكون جاهزة قريبا لعبور الحدود
(الغارديان – 25 سبتمبر).
على المستوى العملياتي على الأقل، لم تعد إسرائيل تخشى
"الجبهة الثانية" مع لبنان، نظراً لانخفاض حدة القتال في غزة إلى حد
كبير . فقد تقلص انتشار قوات الدفاع الإسرائيلية في غزة إلى أربعة ألوية، مقارنة
بـ 28 لواء في الأشهر الأولى من الحرب، وقال مصدر عسكري إسرائيلي كبير لموقع
المونيتور: "معظم قواتنا موجودة الآن في الشمال. القوات مدربة؛ وبعضها ذهب
أيضًا للراحة والاستجمام. إن الجدوى العملياتية للحرب مثالية على الرغم من أن
الرغبة في حدوث ذلك ضئيلة".
لا أحد يعلم
إلى متى تستطيع إسرائيل أن تتحمل الوضع الحالي ــ مع تشريد عشرات الآلاف من سكان
الجليل ، وإلحاق أضرار جسيمة بالمنازل والمرافق، والتهديد المستمر لحياة الجنود
والمدنيين القلائل المتبقين في المنطقة. وقد عانت الزراعة في المنطقة الزراعية إلى
حد كبير من أضرار جسيمة؛ وتوقفت السياحة؛ وانهارت مئات الشركات. والأسوأ من ذلك أن
السكان لا يرون نهاية في الأفق ويشعرون بأن حكومتهم تخلت عنهم (المونيتور – 29
مارس 2024).
وبالإضافة إلى ذلك هناك نظرة إسرائيلية بأن الوضع في
لبنان بات أكثر خطورة من المراحل السابقة حيث تم نشر الآلاف من مقاتلي حزب الله
وخاصة "لواء الرضوان) على طول الحدود عشية اندلاع حرب غزة وكانوا قادرين على
غزو إسرائيل في غضون ست ساعات من صدور الأمر بذلك وذلك وفق التقييمات الإسرائيلية،
وعلى الرغم من أن القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي أدى لتقليل هذه الخطورة إلا أنه
لا يزال حزب الله قادر على التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية.
إن الغزو البري لجنوب لبنان سوف يكون ضرورياً إذا عجزت
قوات الدفاع الإسرائيلية عن تدمير مواقع الحزب ومخازن أسلحته ومواقع إطلاق
الصواريخ في المنطقة الواقعة بين الحدود ونهر الليطاني. وسوف يتطلب هذا اجتياحاً
برياً للمنطقة من قِبَل وحدات مدرعة ومدفعية ومشاة وقوات خاصة، وتنفيذ غارات
واستهداف مواقع حزب الله.
عليه تفضل إسرائيل تجنب القيام بذلك نظراً للمخاطر
التي قد تتعرض لها القوات البرية، ولكن إذا شعرت بأن الغزو البري يشكل خطوة
ضرورية، فقد تسعى إلى تخفيف حدة ساحة المعركة قدر الإمكان باستخدام القصف الجوي،
كما فعلت في غزة، قبل نشر القوات البرية. ومرة أخرى،
سوف يعتمد هذا على ما إذا كان حزب الله سينسحب طوعاً إلى الشمال من النهر وما إذا
كانت إسرائيل قادرة على إنجاز مهمتها من الجو فقط (المجلس الأطلسي – 23 سبتمبر).
أضرار وتداعيات التوغل البري
نتيجة لتمدد حزب الله في العمق اللبناني وبين المدن
والقرى يمكن أن يمنح أي توغل بري إسرائيل فرصة لحزب الله وبدعم من قوات إيرانية
وميليشيات أخرى فرصة لشن حرب عصابات مرهقة للقوات الإسرائيلية ، لذلك من المتوقع
أن تستخدم إسرائيل القصف المكثف لتحقيق حسم عسكري في حال قررت شن هذه العملية
البرية، وبالتالي سيحدث ذلك المزيد من
الدمار وارتفاع حصيلة الضحايا من المدنيين.
وإذا ما حدث أي توغل بري سيزداد الانقسام بين القوى
السياسية والمكونات اللبنانية حول التعامل مع هذه العملية، خاصة فيما يتعلق بدور
المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية تجاه ما يحدث ، حيث ستدعو أطراف إلى مشاركة
الجيش اللبناني في مواجهة التوغل الإسرائيلي ،فيما ستدعو أطراف أخرى لتحييد
المؤسسة العسكرية اللبنانية، كونهم ينظرون إلى أن الحرب هي نتيجة صراع بين حزب
الله وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
كما أن هذا الانقسام يمكن أن يتطور إلى مرحلة الصدام
السياسي والعسكري بين القوى اللبنانية، التي ترى بأن حزب الله يدافع عن لبنان وقوى
أخرى ترى بأن الحزب يورط لبنان خدمة لمصالح إيران، وبالتالي سيتم استذكار أجواء
مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية.
قدرة حزب الله على المواجهة
تبدو المعادلة العسكرية والأمنية بشأن موازين القوى
بين طرفي الحرب شبه واضحة، فمن جهة تتفوق إسرائيل بقوة جوية عسكرية تفوق قدرات الحزب
والدولة اللبنانية بكثير، حيث لن يتمكن الحزب من مواجهة العمليات العسكرية الجوية،
وبالتالي سيشكل ذلك عامل ضغط على تحركات حزب الله وطرق امداده، كما أن قادة الحزب
سيشعرون بالقلق المستمر من التعرض بأي لحظة للاغتيال وخاصة في ظل القوة
الاستخباراتية والتكنولوجية الفائقة التي تتمتع بها تل أبيب بالإضافة إلى إمكانية
حصول القوات الإسرائيلية على دعم استخباراتي وتسليحي من قبل الولايات المتحدة
الأميركية.
في المقابل يحظى حزب الله بقدرة لا يمكن الاستهانة بها
على القتال البري، وخاصة قتال الشوارع، بالإضافة إلى أن الدعم من قبل الميليشيات
الموالية لإيران في سورية والعراق واليمن يمكن أن يشكل عامل ضاغط على إسرائيل ، في
ظل الحديث عن تحشيد لـ 40 ألف مقاتل من سورية والعراق واليمن على حدود الجولان ، وبالتالي
يمكن أن تشكل هذه المنطقة جبهة إسناد لحزب الله تقوم من خلالها الميليشيات
الموالية لإيران بالضغط على إسرائيل، وما يقلق الأخيرة والقوى الدولية هو توسع
وتمدد هذه الحرب مع إمكانية تعرض القواعد الأميركية في سورية والعراق لهجمات من
قبل هذه الميليشيات.
كما أن التوغل البري يمكن أنه يفهم على استدراج مدروس
من قبل حزب الله لإسرائيل بعيداً عن التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي، الذي تتمتع
به تل أبيب.
مساعي التهدئة لتجنب المزيد من التصعيد
على الرغم من ارتفاع حدة التصعيد بين الطرفين إلا أن
مخاطر أي توغل بري على استقرار لبنان والمنطقة ، تدفع القوى الإقليمية والدولية
للضغط على طرفي الصراع للتهدئة ، خاصة بأن الولايات المتحدة الأميركية التي تنشغل
بالانتخابات الرئاسية وتتعرض لضغوط بشأن إتمام عملية الانسحاب من العراق، لا تريد
التورط بأي حرب يمكن أن تندلع في المنطقة.
نتيجة لذلك يمكن أن تلجأ إسرائيل وحزب الله إلى
التهدئة والتوافق على وقف إطلاق النار ، حيث ستقول إسرائيل بأنها قامت بتقليص
قدرات الحزب العسكرية والاستخباراتية واللوجستية، كما أن الحزب سيزعم بأنه نجح في
تحقيق أهدافه من هذا التصعيد، وهو تشكيل جبهة مساندة لقطاع غزة وحركة حماس، كما
أنه سيستثمر حدوث اتفاق متوقع ومتزامن يخص الوضع في كل من لبنان وغزة.
علاوة على ذلك ، ينظر إلى الأحداث على أنها تنافس بين
جهود التهدئة ومساعي طرفي الحرب إلى القيام بمزيد من الضغط المتبادل، خاصة وأن
إسرائيل وعلى لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أشارت إلى أن التفاوض سيحدث تحت
ضغط النار ، ليعود ويقول بأن القتال في غزة سيستمر حتى تحقيق أهداف الحرب كافة،
وهذا ما يتعارض مع ما تحدث عنه أمين عام حزب الله حسن نصر الله خلال خطابه الأخير،
بأنه لا يمكن عزل جبهة لبنان عن جبهة غزة.
في السياق يحاول المسؤولون الأميركيون إيجاد وسيلة
دبلوماسية لإنهاء الصراع، حيث تتزايد المخاوف من أن يؤدي التصعيد إلى إشعال فتيل
حرب إقليمية لا يريدها أحد على وجه الخصوص. فقد قال حزب الله إنه سيوقف هجماته
الصاروخية إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. لكن إسرائيل أصرت على ضرورة
إنهاء الهجمات على شمال إسرائيل ورفضت ربط الصراع مع حزب الله بالأعمال العدائية
في القطاع الفلسطيني (واشنطن بوست -25 سبتمبر).