
في الشهور الأخيرة كثر الحديث عن الاكتشافات المهمة للغاز في موريتانيا وذلك في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا.
ذهب خبراء إلى اعتبار هذا السياق في صالح موريتانيا، لأن احتياج الأوروبيين الى الغاز غير الروسي، سيمكن موريتانيا من عقد شراكات استراتيجية مهمة مع أوروبا، وتحصيل عوائد مالية كبيرة، تمكنها من اقلاع تنموي وجذب استثمارات مهمة.
وزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني "عبد السلام ولد محمد صالح"، قال في أواخر شهر مايو 2022، بأن احتياطات موريتانيا من الغاز، تقدر بحوالي ترليون قدم مكعب؛ في الحوض الساحلي الموريتاني وذلك على مستوى حقول "بير الله" وبندا" في الشواطئ الموريتانية وعلى مستوى حقول "السلحفاة آحميم" الكبير المشترك مع السنغال. وأكد الوزير الموريتاني من خلال هذه المعطيات "بأن موريتانيا مقبلة على عصر ذهبي غير مسبوق في مجال الطاقة" (الخليج الجديد).
يذهب خبراء إلى الاعتقاد بأن موريتانيا إذا شرعت في استغلال الغاز المكثف، ستحتل المرتبة الثالثة افريقيا، بعد نيجيريا والجزائر على مستوى تصدير الغاز، مما يجعل منها وجهة جديدة للشركات العالمية. وبالفعل فإن الاكتشافات المرتبطة بالغاز، جعلت عدة شركات عالمية التنافس للحصول على عقود التنقيب عن الغاز والبترول في موريتانيا. وهكذا فإن "بريتيش بتروليوم" والبريطانية وشركتي "كوسموس انيرجي" و"أكسون موبيل" الأمريكيتين و"توتال الفرنسية"، قد ابرموا بالفعل مع الحكومة الموريتانية عقودا للتنقيب.
ووفق المدير التنفيذي المساعد لدى شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية، غوردون بيرل، إن موريتانيا بعد شروعها في استغلال حقول الغاز المكتشفة، "ستصبح فاعلا أساسيا على خريطة الطاقة العالمية"، كما قال أيضا في ندوة في نواكشوط بأن "البلاد ستصبح موردا للغاز للعالم في وقت تشتد الحاجة اليه وفي وقت يرتفع الطلب على الغاز وتنخفض القدرة على الامداد".
تنتج موريتانيا حوالي 5 آلاف برميل من النفط والقليل من الغاز، لكن الاحتياطات المكتشفة، لتجعلها حسب الخبراء، من أعضاء نادي الدول المصدرة للغاز سنة 2013؛ بحيث وصلت نسبة تقدم الاشغال في حقل غاز "السلحفاة" المشترك مع السنغال الى 70 بالمائة، كما صرحت بذلك الحكومة الموريتانية.
وتتوفر موريتانيا على حقول مكتشفة وأخرى في طور التنقيب، ويرى وزير البترول والطاقة الموريتاني بأن استراتيجية الحكومة تهدف الى جعل البلد "مركز إقليميا لإنتاج وتصدير طاقات متكاملة"، كما قال "بأن جميع البلدان المصدرة بدأ فيها اكتشاف الغاز منذ عقود ولا ينتظر أحد من بلد بادئ في الغاز أن تأتي النتائج في وقت مبكر" ونبه الى كون "الاستعجال في هذا المجال أمر خطير" (موقع أصوات مغاربية).
يعود تاريخ الشروع في التنقيب على النفط والغاز في موريتانيا، الى عام 1960 حيث بدأت موريتانيا عمليات التنقيب عن النفط لكن بدون نتائج تذكر وفي عام 2001 تم اكتشاف النفط باحتياطات مهمة في حقل شنقيط وبعد عامين تم اكتشاف حقل تيوف. وفي عام 2006، شرعت موريتانيا في استخراج انتاج النفط من حقل شنقيط، وفي عام 2018 تم توقيف عمليات التنقيب عن النفط بسبب الإنتاج المخيب للآمال (موقع الطاقة). أما بالنسبة للغاز ففي عام 2003، تمكنت موريتانيا من اكتشاف حقل "باندا" للغاز الطبيعي، من طرف شركة "ووسايد" الاسترالية، وهو حقل تقدر احتياطاته بحوالي 1.2 تريليون قدم مكعبة، ثم حقل "بيلكان" باحتياطي 1.6 تريليون قدم مكعبة في2003، واستطاعت نفس الشركة اكتشاف حقلين آخرين هما تيفو ولعبيدنه، سنة 2004 و 2005.
في عام 2015 تم اكتشاف حقل السلحفاة احميم ويتوقع الشروع في الإنتاج سنة 2023، وهناك توقع من طرف الخبراء أن تصبح موريتانيا والسنغال أحد أهم مراكز الغاز الطبيعي المسال عالميا، وذلك بعد الشروع في تشغيل المرحلة الأولى من مشروع السلحفاة احميم الذي يتوخى انتاج حوالي 3 ملايين طن سنويا بحلول سنة 2025. (Africa Business).
يمتلك حقل السلحفاة احميم، احتياطيا بتجاوز 15 تريليون قدم مكعبة، وتؤكد شركة بيبي BP، على كون هذا الحقل قابل للاستغلال والإنتاج لمدة تصل الى 50 سنة؛ وهو حقل ممتد على مساحة تتجاوز 33 الف كيلومتر مربع. (موقع الطاقة). ومن المقرر أن تنتهي المرحلة الأولى من حقل احميم سنة 2023، كما صرح بذلك وزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني، وأضاف بأن المرحلة الثانية من مشروع أحميم لازالت تخضع للدراسة والتخطيط. ويتوقع الوزير الموريتاني أن تكون المرحلة الثالثة هي التي ستمكن فيها موريتانيا من تحقيق النتائج المطلوبة ويلاحظ الخبراء بأن مشروع السلحفاة احيمم، يكلف الدولة الموريتانية كثيرا، من حيث تأسيس البنية التحتية للمحطة. (موقع الطاقة)، بينما مشروع الغاز الطبيعي "بير الله"، سيكون له تأثير اقتصادي إيجابي، لأنه قريب من سطح الأرض وليس في الأعماق، كما هو الوضع مع حقل احميم (موقع الطاقة). ويقع حقل غاز "بير الله" في المنطقة "س 8" يضم احتياطي يقدر بحوالي 86 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهو أكبر من حقل السلحفاة الكبرى أحميم، الذي لازال قيد التطوير، ويبعد حقل "بير الله" بحوالي 60 كيلومتر شمال حقل السلحفاة الكبرى لأحميم.
الحكومة الموريتانية كانت قد أعلنت في الـ 11 أكتوبر 2022، عن توقيع عقد مع شركتي "بي بي" وكموسوس" من أجل الشروع في استكشاف انتاج حقل غاز "بير الله" وتقاسمه، ويمتد العقد الى نحو 30 شهرا. ووقع العقد كل من وزير البترول والمعادن والطاقة، عبد السلام ولد محمد الصالح والنائب لرئيس شركة النفط البريطانية "بي بي" اميل اسماعيلوف وممثل شركة كوسموس انيرجي، تود يبركي. (موقع الطاقة، موقع الوكالة الموريتانية).
ويعتبر حقل "بير الله" رافعة اقتصادية مهمة لموريتانيا وسيجعلها تلج الى مرحلة إنتاج الغاز وتصديره. وساهمت كذلك شركة "بي بي" البريطانية وكوسموس إنرجي من اكتشاف حقل "اوركا" في موريتانيا والذي يحتوي على 13 ترليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي على عمق 2500 متر في الكحلة البحرية سي 8. (موقع الطاقة). وتعاقدت الحكومة الموريتانية مع شركة "غولار ال. إن. جي" لبناء محطة الغاز المسال العائمة، وذلك من أجل استغلال حقل السلحفاة احميم للغاز المسال وهو بالطبع أعمق مشروع بحري في إفريقيا، (موقعne 24news). وأعلنت الشركة المكلفة بالمنصة العائمة والتي تسمى "جيمي" والمصممة لإنتاج متوسط 2.5 طن من الغاز المسال سنويا، بأنها تخضع للتحويل في وحدات تابعة لشركة "كيل أوفشور أند مارين" بسنغافورة" (ne 24 news).
وفي إطار استثمار الدولة الموريتانية في البنية التحتية، فقد اعلن مكتب "مين أند مين" الموريتاني بأنه حصل على صفقة من اجل إعداد دراسة لتنفيذ مشروع تطوير وتشغيل منطقة أنشطة وخدمات مخصصة لقطاع المحروقات؛ وسيتم انجاز الدراسة بالتعاون مع شركتي" أي بي سي ام هولندينغ "و"Jade Advisory". وأكد مكتب الدراسات الموريتاني بأنه سيتم تصميم هذه المنطقة الصناعية بشكل يراعي المعايير العالمية وأن تكون "مستوحاة من مناطق مشابهة أنشئت في عدة دول حول العالم". (موقع الطاقة، 19-9-2022).
في السياق نبه الرئيس التنفيذي لغرفة الطاقة الإفريقية، ، كلا من موريتانيا والسنغال إلى أهمية استغلال سياق الطلب المتزايد للطاقة، بضرورة إبرام عقود طويلة الأجل من الموردين الأوروبيين، لأن ذلك من شأنه دعم صناعة الغاز وجذب استثمارات وتحقيق مكاسب مالية، في مجال الغاز والغاز المسال(موقع energychamber).
ويؤكد "محلل الأبحاث الرئيس لأسواق الغاز في دول ماكينزي، دانيال تولمان، أن الغزو الروسي لأوكرانيا من شأنه التأثير إيجابا في عقود الغاز المسال طويلة الأجل، اذ لجأ اليها المشترون هربا من أسعار السوق المتقلبة ولضمان الامدادات. وعلى النقيض من وضع أسواق الغاز خلال مدة انتشار الجائحة قبل ما يزيد من عامين،تبرهن معطيات الأسواق العام الجاري (2022) على أن عقود مبيعات الغاز طويلة الاجل تعد الحل الأنسب، لاسيما أن السوق الأوروبية بصورة خاصة، تحملت أعباء إضافية لدى شراء الغاز من السوق الفورية والتعاقدات قصيرة الأجل كتوفير الإمدادات ".(هبة مصطفى، موقع الطاقة).
ومن مؤشرات الاهتمام الدولي بموريتانيا، دعوتها لحضور الاجتماع الوزاري 24 لمنتدى الدول المصدرة للغاز الذي عقدفي العاصمة المصرية في 25 أكتوبر 2022. ويضم هذا المنتدى الدول المصدرة للغاز 19 دولة وبالتالي ما يزيد عن 73% من احتياطات الغاز العالمية و42% من انتاجه. وجاء في بيان وزارة البترول والمعادن والطاقة الموريتانية، التأكيد على استعداد موريتانيا لأداء دور "مهم في مشهد الطاقة الإقليمي الجديد، من خلال تسييل الغاز الطبيعي وإنتاج الطاقات المتجددة". (احمد بدر، موقع الطاقة). وشاركت موريتانيا عبر وزير البترول السيد عبد السلام ولد محمد صالح، في النسخة الثانية من مؤتمر الحوض الساحلي للنفط والغاز والطاقة MSGBC، بداكار في 1-9-2022، تحت شعار "مستقبل الغاز الطبيعي: تحقيق النمو عبر الاستثمار الاستراتيجي وتطوير السياسات.
الوزير الموريتاني أكد على تقدم اشتغال مشروع حقل السلحفاة الكبرى احميم والتي وصلت الى 80%، كما عرض السيد الوزير المعالم الكبرى للاستراتيجية الوطنية الموريتانية والتي تتوخى ثلاث اهداف كبرى".
ضمان أمن الطاقة في البلاد.
ضمان حصول جميع الموريتانيين على الطاقة العصرية بأسعار مناسبة وعلى وجه الخصوص الحصول على الكهرباء لجميع الموريتانيين بحلول عام 2030.
جعل قطاع الطاقة محركا للنمو الاقتصادي للدولة" (موقع وزارة البترول الموريتانية).
الوزير أشار إلى كون "المخطط الرئيسي للغاز الذي اكتمل مؤخرا حدد 21 فرصة استثمارية تتراوح بين الكهرباء وإنتاج الأسمدة وإنتاج الاسمنت محليا ومعالجة الصلب. (موقع وزارة البترول)، ونبه ر إلى مختلف العوائق التي تواجه مشروع الغاز الموريتاني وبالتالي الطابع التكنولوجي المعقد للمشروع. وبالفعل فإن اكتشاف الغاز في موريتانيا يواجه تحديات مهمة، ومن ذلك الصراع الجيوسياسي والجيواقتصادي على الغاز والموارد الطبيعية في إفريقيا، (Géopolitique du Gaz, 2021) ، فهناك دراسات عديدة تؤكد، اندلاع النزاعات في المناطق التي يتم فيها اكتشاف حقول نفطية أو غازية (Simoneau).
وبالرغم من أهمية هذه الاكتشافات المهمة في موريتانيا، فهناك حاجة الى استثمارات كبيرة، من أجل إقامة مناطق صناعية ومنصات عائمة وغير ذلك. ويتوقع أن تصل أرباح موريتانيا من الغاز حوالي 19 مليار دولار بعد الشروع في استغلال كافة الحقول المكتشفة، خلال 30 سنة المقبلة (Africain Business, A. Georges).