مقالات تحليلية

اجتماع باريس الخماسي والحلول الممكنة لأزمة لبنان

07-Feb-2023

ينتظر اللبنانيون نتائج اجتماع باريس بشأن حل الأزمة السياسية والاقتصادية اللبنانية والمتمثلة بالشغور الرئاسي والحكومي حيث يتواصل الخلاف بين الأوساط السياسية اللبنانية حول ملف الشغور الرئاسي على الرغم من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، ونتيجة لفشل الأطراف الداخلية بحل هذه الأزمة واتجاه الأوضاع الداخلية إلى التدهور والتصعيد أصبحت المبادرة بيد القوى الخارجية وخاصة فرنسا التي شكلت مسار تعاون خماسي مع كل من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر ومصر.

ويواجه لبنان أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم، لذا لا تملك جهة قوة فرض رئيس بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.

وسبق الاجتماع الخماسي الذي عقد في 6 فبراير 2023 بالعاصمة الفرنسية، باريس، موجة من التشاؤم في الشارع اللبناني والقول بأن هذا الاجتماع لن يأتي بشيء جديد وذلك على الرغم من الزخم السياسي والإعلامي الذي منح لهذا الاجتماع.

هل سينجح اجتماع باريس بتشجيع السياسيين اللبنانيين على إيجاد مخرج للأزمة؟ 

لم تكن سهلةً الطريقُ إلى اجتماع باريس. إذ كان التوجّه بداية إلى عقده عبر تقنيّة "زوم"، ثمّ طُرح تأجيله بسبب انشغال الوزير السعودي نزار العلولا بمواعيد مسبقة، الأمر الذي أثار ريبة فرنسية دفعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى زيارة الرياض ولقاء المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. وأشارت مصادر مطّلعة إلى أنّ فرنسا استشعرت أنّ هناك اتفاقاً بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية حول لبنان هي بعيدة عنه، وأكّدت الوزيرة الفرنسية من الرياض الانتظام الفرنسي تحت المظلّة السعودية الخاصّة بلبنان، وبرز ذلك التأكيد في حديثها إلى صحيفة "الرياض" حين شدّدت على الدور السيّئ الذي تلعبه إيران في ضرب استقرار الشرق الأوسط، وعلى أنّ فرنسا تعمل مع المملكة العربية السعودية لدعم الشعب اللبنانيّ الذي يعاني بالفعل وليس المسؤولين. (أساس ميديا، 5 فبراير2023).

لمعرفة مدى قدرة القوى الدولية على تحقيق تقدم سياسي يجب أولاً أن نعرف ما هي أهداف هذه القوى، ومن خلال ذلك يتبين بأن الطموحات ليست مرتفعة كثيراً حيث وفي ظل تصاعد الصراع الروسي – الغربي في العالم والشرق الأوسط فإن لبنان لا يعد أولوية لأي طرف لكن خلال الفترة الماضية ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية وإمكانية حدوث فوضى واقتتال داخلي مع إمكانية أن يكون صدام بين ميليشيات حزب الله وإسرائيل رأت هذه القوى بأنه يجب أن يكون هناك ضبط للأوضاع في لبنان.

صحيح إن الحلول ما تزال غير جاهزة وان لبنان ليس أولوية أو حتى من بين الاولويات على مستوى الاهتمام الدولي، لكن في الوقت نفسه فثمة حرص دولي على عدم ترك لبنان ينزلق باتجاه الفوضى الشاملة، وبالتالي تحلّل كامل لهيكل الدولة اللبنانية، وهنا الرسالة الأهم لاجتماع باريس. وبالتالي، فإن أهمية اجتماع باريس هي أولاً في حصوله، وهو ما يحمل رسالة تقول: صحيح ان لبنان ليس اولوية في هذه المرحلة، لكنه في الوقت نفسه ليس متروكاً (الكاتب جوني منير، صحيفة الجمهورية، 6فبراير 2023).

لذلك فإنه وعلى الرغم من التشاؤم الذي استبق الاجتماع الباريسي إلا أنه ومن المتوقع أن يصدر من الاجتماع توصيات للأطراف السياسية اللبنانية تتضمن إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والمدنية وإلا ستتعرض هذه الأحزاب والشخصيات لعقوبات فرنسية – أميركية وهذا يعني بأنها عقوبات غربية، ولفت مصدر عربي مطّلع إلى أنّ ما سيصدر عن اجتماع باريس هو ورقة عمل تستند إلى مجموعة أوراق أُعدّت سابقاً للبنان، وفي مقدَّمها الورقة الخليجية الدولية التي تسلّمها المسؤولون في لبنان في وقت سابق، ويؤكّد المصدر أنّ ورقة العمل التي ستصدر عن اجتماع باريس سوف تُرسَل إلى القوى السياسية والكتل النيابية في البرلمان اللبناني عبر موفد عربي من المرجّح أن يكون وزير الخارجية القطري لتبنّيها أو رفضها، وبناءً على ذلك يتحدّد الموقف الدولي من أزمة لبنان (أساس ميديا، 5 فبراير).

هل سيؤدي هذا الحراك للتوصل إلى رئيس للجمهورية؟

هناك مرشحين أصبحا معروفين هما سليمان فرنجية مرشح حزب الله وحلفائه ما عدى التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، وميشال معوض الذي يدعمه الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية ومستقلون، ومرشح ثالث غير معلن حتى الآن هو قائد الجيش جوزيف عون.

من غير المنتظر أن يحدد اللقاء أسماء تحظى بالتزكية لتولي منصب رئيس الجمهورية الشاغر منذ مطلع نوفمبر الماضي، إلا أنه سيحدد المواصفات التي من المطلوب أن يتمتع بها الرئيس المقبل. وهي مواصفات من غير المنتظر أن تحظى برضا حزب الله، إلا إذا تمكنت قطر من تمرير إشارات “توافقية”، قد تدفع إلى القبول برئيس يقف في منتصف المسافة بين شروط ومواصفات حزب الله، وبين شروط ومواصفات كتل المعارضة الأخرى، لاسيما المسيحية منها. وهنا يبرز اسم العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني كشخصية محتملة (العرب، 6 فبراير 2023).

وعلى الرغم من أن الخماسي يرفض أن يتبنى أي مرشح علناً لكنه يدعم وصول قائد الجيش اللبناني كونه تربطه علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسية اللبنانية بالإضافة إلى أن له علاقات مع القوى الدولية وكان له دور في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وما يشجع على سيناريو ترشيح قائد الجيش هو علاقته الجيدة أيضاً بحزب الله.

يراقب اللبنانيون مسار الاجتماع وينتظرون. يحاولون استشراف ما ستكون عليه التسوية المقبلة، فيستعيدون مسار اتفاق الدوحة مثلاً، والذي سبقه "ربح عسكري" لحزب الله على الأرض في مقابل إنجاز تسوية احتفظ فيها الحزب بالثلث المعطل، إنما تم انتخاب رئيس للجمهورية وسطي كان حينها قائد الجيش ميشال سليمان، وتمت تسمية رئيس حكومة محسوب على قوى 14 آذار. واستمرت هذه التسوية طوال حكومة السنيورة الثانية وحتى موعد الانتخابات النيابية في العام 2009. أما بعد الانتخابات وتشكيل حكومة الحريري، والتي تضمنت وزيراً ملكاً، وعلى وقع متغيرات إقليمية، حصل الانقلاب على تلك الصيغة ودخل لبنان في مدار جديد، أوصله إلى ما وصل إليه الوضع اليوم. وهذا بالتحديد ما يحتاج إلى معالجة، أو الاستحصال على ضمانات بعدم الانقلاب على أي صيغة للتسوية، أو تحصينها بقواعد سياسية واقتصادية ومالية تكون غير قابلة للانقلاب (المدن، 4فبراير 2023).

وما يؤكد هذا المسار، موقف حزب الله الغامض من ترشيح قائد الجيش حيث لم يعلن رفض ذلك إلا أنه أعلن عدم قبوله بفرض رئيس من قبل الخارج، لكن من الواضح أن حزب الله ليس لديه مشكلة مع جوزيف عون، ولكنه يبحث عن تحقيق مكاسب سياسية داخلية بدروه السياسي المستقبلي أو بالحكومة المرتقبة.

ويسجل في الفترة الأخيرة حراك بين بعض الأفرقاء اللبنانيين على خط انتخابات الرئاسة، لا سيما منها التي يقوم بها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ورئيس البرلمان نبيه بري، وقد عقدت اجتماعات ثنائية عدة في هذا الإطار، لكن رغم تعويل البعض عليها لم يعلن عن تقدم أو نتائج عنها مع تمسك كل طرف بشروطه، رغم إعلان «الاشتراكي» أن قائد الجيش العماد جوزيف عون يتصدر لائحة المرشحين. من هنا تتجه الأنظار إلى ما سيحمله اجتماع باريس، رغم اقتناع ومعرفة المسؤولين في لبنان أنه لن يخرج عنه موقف حاسم لجهة هوية المرشح لرئاسة الجمهورية، إنما سيناقش ما يمكن اعتباره مواصفات عامة للرئيس المقبل (الشرق الأوسط، 5 فبراير 2023).

كيف سينعكس هذا المسار على الاقتصاد اللبناني؟

في اللقاء الخماسي، من المفترض تكريس آلية حول كيفية تأمين مساعدات اقتصادية مدروسة الى لبنان، والمقصود هنا بتعبير «مدروسة» مساعدات على جرعات محدودة، ورغم ذلك ظهرت مشاكل حيال كيفية تأمين هذه المساعدات. فألمانيا، والتي تعرف بالعاصمة الاقتصادية لأوروبا، تبدو مترددة بسبب التطورات الدراماتيكية لحرب اوكرانيا. كذلك فإن ثمة حَرجاً بالنسبة لمصر التي تعاني ازمة اقتصادية خانقة جداً فيما هي تشارك في اجتماع مخصّص لتأمين "اوكسيجين" اقتصادي للبنان. ويبدو واضحاً أن وجود قطر سيكون مساعداً جداً لـ "حَقن" الاقتصاد اللبناني بجرعات ملحة، وهو ما أدى إلى التخفيف من حساسية السعودية تجاه دور قطر في لبنان والمشاكل الاقتصادية لم تكن هي الوحيدة التي شغلت بال المشاركين، بل ايضاً المشاكل السياسية. فالبعض يتوقع أن يكون السقف السياسي للسعودية مرتفع من خلال اعادة التمسّك بالعناوين التي وردت في اللقاء الثلاثي في نيويورك (الكاتب جوني منير، صحيفة الجمهورية، 6فبراير 2023).

كما الطموحات السياسية فإن الطموحات الاقتصادية ليست كبيرة وهي تقتصر فقط على تخفيف الأزمة وعدم وصولها إلى مرحلة الانهيار وهذا الأمر ستتكفل فيه غالباً قطر التي تهدف من خلال ذلك للترويج لنفسها عبر تقديم الدعم كما حصل سابقاً وتم رفع شعار "شكراً قطر" في لبنان، بالإضافة إلى توسيع نفوذها هناك، حيث قالت وكالة "أسوشيتد برس" في 4 فبراير 2023 إن قطر تعمل بصمت لتوسيع نفوذها في لبنان، بالتزامن مع إحجام معظم الدول الخليجية عن البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة بسبب النفوذ المتزايد لحزب الله، وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن الدوحة تواصل استقبال القادة اللبنانيين، وتضخ عشرات الملايين من الدولارات لمساعدة القوات المسلحة في البلاد وسط انهيار اقتصادي تاريخي، وتابعت بأن الدولة الغنية بالغاز بدأت في أواخر يناير في رؤية ثمار استثمارها، عندما حلت شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة محل شركة روسية في تحالف دولي ينقب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل اللبناني، وتنضم قطر  للمرة الأولى إلى اجتماع في باريس إلى جانب مسؤولين من فرنسا والسعودية والولايات المتحدة لإجراء مناقشات تركز على الأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان، وأشارت الوكالة إلى أن قطر تصور نفسها على أنها قوى أكثر حيادية في بلد استخدمت فيه قوى خارجية لعقود الانقسامات الطائفية لخوض معارك بالوكالة.

وقال مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى في جامعة نيويورك محمد بزي للوكالة الأميركية إن إدراج قطر في المحادثات المقبلة "إشارة إلى أن إيران لن تُستبعد تماما من ذلك الاجتماع واعتراف بنفوذ طهران على لبنان"، وأضاف: "مع مشاركة السعودية ودول الخليج الأخرى بشكل أقل حدة في لبنان، تحاول قطر إحياء دورها كوسيط في البلاد"، ومع ذلك، قال بزي إن قطر - إحدى أغنى دول العالم بثروتها من الغاز الطبيعي - "لم تظهر حتى الآن سوى القليل من الدلائل على استعدادها لإنقاذ لبنان بمفردها".

سيكون الدعم المتوقع إذا ما نجح مسار تجاوز الشغور الرئاسي ومن بعده الحكومي والقيام ببعض الإصلاحات مقتصراً على تمويل وقروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالإضافة إلى منح مالية ومشاريع استثمارية قطرية.

خلاصة تحليلية:

على الرغم من حالة التشاؤم التي سبقت اجتماع باريس إلا أن الأطراف اللبنانية باتت منهكة وبحاجة إلى وساطة دولية لكن هذا الطريق يلزمه المزيد من الوقت، وستعمل قطر بكل ما بوسعها لإنجاح هذا المسار وستستثمر علاقتها مع إيران بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي الذي ستقدمه.

ميليشيا حزب الله ومن وراءها إيران وفي ظل الضغوط التي يتعرضون لها، لا يريدون التصعيد أكثر في لبنان لكنهم لن يقبلوا بأن يكون الحل على حساب مصالحهم ويهدد نفوذهم في المستقبل لذلك سيبحثون عن صيغة تضمن لهم مصالحهم وهذا ما يرفع أسهم قائد الجيش اللبناني.

في المحصّلة، ترى المصادر أنّ ما ينبغي رصده، في المرحلة المقبلة، هو تطور هذه الحراكات بعد لقاء باريس حيث تلفت إلى وجود ما يوحي بأن المطلوب الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي في مدة لا تتجاوز الشهرين، تمهيداً لتفادي انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ظلّ الشغور الرئاسي، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة تعتبر هذا المنصب من بين المناصب التي لا يمكن التهاون في هوية من يشغلها (الكاتب ماهر الخطيب، موقع النشرة، 4 شباط 2023).



421